الذهاب إلى فاس مرة أخرى
===
بعد أن ودعتُ الأخوة الفاسيين محمد (الشرقي) ، وعماد، وعبدالحق، وأنس، كان محمد وعماد يتواصلان معي عبر الجوال، وكنتُ أبعث إليهما بعض الصور التي ألتقطها، كانا متحمسين كثيراً أن أعود وأزور فاس مرة أخرى، وكنتُ قد واعدتهم أنه إذا انتهيت من زيارتي لكل المدن في خطتي وبقي هناك أياماً، سوف أعود وأزورهم، وبالفعل بتقى، وقررت أن أغادر كازا، سلكتُ الطريق السيّار إلى الرباط ثم اجتزتها حتى جائني الطريق السيار الآخر الذي يذهب من الرباط إلى فاس، ويستمر حتى يلثم خدّ وجدة، وكان الطريق طبيعة الحال من الرباط إلى فاس فيه جسور كثيرة سواء للسيارات أو المشاة، وكان في كل جسر شرطيين، وكان الأمر غريباً ومثيراً للتساؤول، حيث المئات من الشرطة يتمركزون فوق تلك الجسور، وحدث أن اجتازني موكب كبير، كان الشرطي الذي يسبقهم بالدراجة النارية قد أشار لي ولي غيري من السيارات أن نهدأ من السرعة ونميل يمين الطريق حتى يجتازنا هذا الموكب، دخلت فاس وإذا بها تعجب بالأعلام المغربية، والشرطة والدرك منتشرون في كل مكان، ولما وصلتُ مقرّ سكني قالوا لي أن الملك محمد الخامس سيزرو فاس بالغد.
ذهب إلى رياضٍ يقال له برج الذهب في المدينة القديمة عند باب الرصيف، وقريب جداً منه، كان الرياض فسيحاً جميلاً أصيلاً يعكس قمة الرفاهية المغربية في الديكور والبناء والتصميم وهو عبارة عن ثلاثة أدوار تطل على فناء البيت الراسخ منذُ عقود أو قرون، سكنتُ فيه لما يقارب الثلاث ليال، كنتُ قد حجزت (سويت) في الدور الثالث وهو أرقى مالديهم، وكالعادة استقبلني المغاربة من شباب وبنات بكل ترحاب وكرم وابتسامة لاتغيب واستعدادٍ كبير للخدمة والعطاء.
أخذت أتفحص الغرفة التي تحتوي على سرير مريح للغاية، وصالون يقابله بالجهة الأخرى من السويت، وبانيو كبير، ودورة مياه، ودواليب، كان الطرز مغربياً فريداً في كل تفاصيله.
كانت الساعة الرابعة عصراً، وكنتُ قد واعدت محمد وعماد على أن نلتقي بالقرب من مول البرج، بمحاذاة الشارع الأشهر شارع محمد الخامس، بينما كان أنس يخدم في طنجة أما عبدالحق فكان يذاكر دروسه كون لديه اختبارات في اليوم التالي، التقيت بمحمد وعماد، ورحنا نسير في شارع محمد الخامس على اقدامنا، حتى وجدنا كرسياً يسع ثلاثة أشخاص للجلوس في نفس الشارع، فجلسنا نتحدث بمواضيع شتى، بالذات عن المغرب وماحصل فيه من تطور وخدمات وعن تاريخ المغرب إلخ..، ثم رحنا نتجول داخل الحي الذي بجانب الشارع الاشهر وفيه العديد من المطاعم الشعبية والمحلات التي تبيع الحلويات المغربية التقليدية، فاشترى عماد لنا المحنشة المحشوة باللوز، وهي حلوى مغربية سميت محنشة لأنها تشبه الثعبان أو (الحنش)، ورحنا نمشي حتى اشترينا آيس كريم، وكنا نسير ثلاثتنا في الشارع ولما اكلنا نصف الآيسكر إذ بثلاث أطفال يقفون أمامنا ويطلبون منا أن نعطيهم الآيس الكريم، فقال عماد بالسيف ولا بالخاطر، فقالوا بالخاطر فأعطى كل منّا الآيسكريم دياله لكل طفل من الثلاثة، ثم جلسنا في أحد المقاهي المزدحمة حتى جاء الليل وتودعنا.
بالغد كنتُ قد قررت أن أذهب إلى مولاي يعقوب، صحيت باكراً وافطرت في الرياض فطوراً خفيفاً، ثم اتصلت على محمد وقلتُ له أني سأذهب إلى حمامات مولاي يعقوب لأسبح بالحمامات الكبريتية، فقال أنه يسعده ذلك أن يذهب معي ولكن سيكون لديه عملاً من الساعة الحادية عشر صباحاً حتى السابعة، بعد ذلك سنذهب سويا، أما عماد فلم اتصل عليه لعلمي أن لديه عملاً، بينما محمد عمله يتغير من وقت إلى آخر، قلتُ له إذاً لن أستطيع الانتظار كل هذا الوقت ولكن سأذهب لوحدي للحمامات بعد الظهر، وسوف أعود عصراً، وحين أعود سأتواصل معك، ذهبت بالفعل لوحدي للحممات التي تقع بين فاس ومكناس، وهي حمامات من مياه كبريتيه رائحتها مثل الكبريت، ويقصدها الناس من مختلف أنحاء المغرب بل من أنحاء دول مختلفة عربية وغير عربية من أجلس الاستشفاء، وصلتُ إلى الحمامات، ودخلتها بملغ 25 درهماً، وخلعت ملابسي ولبستُ ملابس السباحة، واتجهت إلى المسبح، واتفقت مع الحكاك أو الرجل الذي يحك جسدك وينظفه بمقابل 30 درهما، ثم دخلت المسبح فإذا بالماء حار جداً تصعب مقاومته، رحتُ أعوم حتى اقتربت من نقطة في الوسط أشبه بالنافورة ينبع منها الماء الكبريتي ووضعت رأسي وجسدي تحته كما يفعل البعض وحاولت أن أتحمل ذلك، وما أن أخذت 15 دقيقة حتى بدأتُ أشعر بالتعب والإيعاء والجوع، وكان محمد قد نصحني أن آخذ معي بعضاً من البرتقال أتناوله حين آخذ بعض الاستراحات في المسبح، خرجتُ من المسبح مرهقاً بسبب الحرارة الشديدة، واستلقيتُ في أقرب مكان والتعب قد أخذ مني مأخذه، وبجانبي مجموعة شباب فطلبتُ منهم شيئاً من العصير الذي جلبوه معهم وأعطوني كأساً منه، وبعد أن شعرتُ بالراحة عدتُ إلى المسبح ورحتُ أبلل كامل جسدي بالماء حتى ناداني الحكاك ليقوم بالحك وتنظيف جسدي، وشربت ماءً قبل ذلك، وراح يقوم بغدق الصابون علي وعلى شعري ويكب على الماء أكثر من مرة، ثم راح يحك جسدي من كتوفي حتى أخمص قدماي بالصابون والأدوات الخاصة بالحك، وراح يصب الماء مرة أخرى، ثم عمل لي مساجاً مغربياً، حتى عاد لصب الماء وبعدها خرجتُ كما ولدتني أمي نقياً

، وعدتُ إلى المسبح مرة ثالثة، وبينما أنا أعوم إذ وجدتُ شخصاً يلتقط له أحد الأطفال صوراً، وكان ممنوعاً جلب الجوال إلا أن هذا الرجل قد هربه بطريقة أو أخرى، فاستأذنته أن يلتقط لي بعض الصور ثم يرسلهن لي لاحقاً على جوالي، وبالفعل التقط الصور، وبعدها خرجتُ وأخذتُ دُشاً، ونشفتُ جسدي بفوطتي ثم غيرت ملابسي، والتقيت بالرجل الذي صورني بجواله، وأعطيتهُ رقمي، فسألني من أين أتيت؟ قلتُ من فاس، قال تأ أنا جيت من فاس، ثم سألني هل أتيت بالتاكسي قلت لا بسيارتي، قال أنا سأعود لعلي أعود معك، حقيقة أنا أوجستُ منه خيفة، فشكله يشبه شكل أولئكَ المشرملين الذين كثيراً ماتقبض عليهم الشرطة، وقد شاهدت صورهم في الانترنت، لم يكن لي مخرجاً إلا الموافقة، وتظاهرت أن الأمر عادياً ورحبتُ به، ثم رحنا نسير سوياً حتى توقفنا عند محل لعصير البرتقال الطازج، فأخذ كلاً منا كأساً، ثم مررنا بمطعم فقال هل ترغب أن نتغدى جميعاً؟ فقلت له لا لدي موعد مع أصدقاء بفاس، وركب معي وكان قد جلب معه ماءً فشرب منه وأعطاني لأشرب فقلت شكراً ليس الآن، كنتُ لاأزال متوجساً، وكان يبدو طبيعياً، أرسلتُ مقطع صوتي لمحمد في الواتس آب ليكون على دراية وبنفس الوقت أرسل رسالة لمن هو بجانبي، فقلت: (مرحبا محمد، أنا رحت للحمامات وكانت رائعة واستمتعت فيها، وعملت كذا وكذا، وأنه الآن أنا راجع لفاس، والتقيت بشخص الآن هو معي أسمه سفيان، وهو مرافقني الآن ونعم الرفيق، ونحن متوجهين لفاس سنصل بعد أقل من ساعة وسأنزله عند محطة القطار ثم سأذهب إلى الرياض وأغير ملابس وأقابلك بعدما تخرج من خدمتك)، سرنا بطريقنا، ورحتُ أتحدث مع ذلك الرجل من أين هو، فقد جاء للتجارة من قرية تقع بين أسفي وفاس، وأنه يسكن حاليا مع صديقه، وسينتقل بالغد إلى طنجة، المهم أن بعض الارتياح بعد يتدفق علي وأطمأنيت إليه، حتى وصلنا إلى محطة القطار وأخذ الفيس بوك ديالي ورقمي بالواتس آب، وراح يتواصل معي، وكان توجسي منه خاطئاً.
وصلتُ الرياض، وكنتُ أشم رائحة جسدي وإذا بها قد عبقت برائحة الكبريت، كنتُ كما لو كنت عوداً من الكبريت قد اشتعل، رحتُ مباشرة إلى الحمام وسبحت ووضعت كل أنواع الصابون على جسدي لتذهب هذه الرائحة، ولكنها ضلت ملاصقة بي، ملابسي والفوطة تعلقت بهم الرائحة، ولما عدتُ إلى سيارتي لأقابل محمد وجدت السيارة قد غرقت في رائحة الكبريت، وكانت الرائحة مؤذية، وصلتُ محمد ووجدتُ معه عماد، واشتكيت لهما من رائحة الكبريت، فضحكا وقالا هذا طبيعي، ولم تذهب مني الرائحة إلا بعد يومين، بينما الرائحة علقت في ملابسي وفوطتي وقتاً طويلاً، ذهبنا إلى مطعم في أحد الأحياء التي لا أعقلها الآن، وتعشينا ثم كان محمد على موعدٍ مع والده، بينما أنا وعماد أتجهنا إلى أحد المقاهي لايبعد كثيراً عن دارهم، ولما وصلنا المقهى إذ بثلاثة شبانٍ أصدقاء لعماد قد جلسَ على الطاولة، فانضممنا إليهم، ورحنا نتحدث، كانت المقهى كما هي عادة أكثر المقاهي المغرب يعج بالشباب والرجال، وكأن المقهى هو المتنزه الوحيد هناك، ولكنها يبدو ثقافة عامة في المغرب أن يتجه الرجال للمقاهي، طلب لي عماد آتاياً، وشربته، حتى إذا بأحدهم يفتح الفيس بوك الخاص به، ويشاهد بث مباشر ينتقل من أحدى البيوت في حي الزهور، هذا البث عبارة عن مجموعة من الرجال ينشدون أناشيد دينية ومدائح للنبي عليه الصلاة والسلام، فقال لي عماد وهو يعرف أني أحب أن أكتشف تفاصيل الثقافات، هل تريد أن نذهب إليهم؟ قلت هل الأمر عادياً أن ندخل دون دعوة، قال نعم أن الأمر عاماً لأي شخص، قلتُ وماهي شرح لي وقال أنهم فرقة من العساوة، نسبة إلى شخص يدى عيسى وهو ولي صالح توفي قبل بضع مئات من السنين وله قربٌ بمكناس ويزار في مناسبة سنوية، ويأتيه الناس من أماكن مختلفة طلباً للبركة، فأدركتُ أنها أناشيد صوفية، فقلتُ له وليكن ذلك هيّا بنا، ذهبنا أربعتنا، حتى وصلنا، فأصبحنا نسمع تلك الأناشيد والطبول من مسافة بعيدة، وجدنا عبدالحق فسلم علي، وصعدنا إلى داخل الدار، ثم دخلنا إلى حجرة واسعة وممتلئة بالرجال والنساء، الرجال في المقدمة والنساء في مؤخرة الغرفة بينما وبالأمام مجموعة من الشباب أمامهم المكروفونات والطبول وينشدون نشيداً إثر نشيد، ومدح في الرسول عليه الصلاة والسلام، وأناشيد أخرى في التوكل على الله وفي تعظيمه، ورحتُ أتسمر واستمع إليهم، حتى أخذت الطبل ورحتُ أطبل معهم لأشاركهم، وأعجب كل من في الحجرة قيامي بذلك، ولما قاربنا الساعة أشرتُ لعماد بأن الوقت قد تأخر وعلينا الذهاب، ولما قمنا خرجتُ من الباب وسلكتُ الدرب القصير إلى الباب الآخر، وفي هذا الدرب مجموعة من الأمهات قد جلسنا على كراسي، وأمامهن مبخرة كبيرة يخرج منها البخور، وكانت هذه المبخرة قد وضع فيها الجمر ويحمي فيها الرجال طبولهم، ولكنها أخذت قبل خروجنا بعشر دقائق، كان أمام هذه المبخرة مراهقة يبدو أنها تبلغ من العمر 16 سنة، وكانت تلف وتلوك شعرها أمام ذلك البخور الكثيف الذي يخرج من المبخرة وتدور بشعرها ورأسها أمامه مغمضة العينين حتى سقطت مغمية عليها في حضن أمها، كان التصرف ورد فعل الأم عادياً، فبدأ لي أن الأمر طبيعياً، وأدركت أن هذا السلوك هو نوعٌ من محاولة غياب العقل حتى السقوط، وسألتُ عماد ماهذا السلوك؟ وأنا أدرك الإجابة، ولكني أردتُ أن تخرج منه، فقال أن ذلك من أثر الاندماج بهذه المدائح والوصول إلى أقصى درجات الشعور، غادرنا المكان وأوصلتُ عماد إلى بيته، وعدتُ إلى الرياض، فنمت قرابة الحادية عشر مساءً.
في الصباح صحيت من النوم، وقد قيل لي بالأمس أنه يجب أن أحيد سيارتي بعيداً كون الملك سوف يزور المدينة القديمة وسيزرو جامع القرويين وسيفتتح مكتبة، وبالفعل قمت صباحاً وأوقفتها بعيداً، وعدتُ أدراجي للرياض كان الطريق يعج بالناس على قارعة الشارع الرئيسي انتظار للملك ليقوموا بتحيته، كان الناس ينتظرون لساعات، لم يكن هناكَ مجالاً للمشي، عدتُ من وسط المدينة القديمة أسير بها بأزقتها الضيقة، وكان القلق يسيطر علي كوني غريباً وسائحاً ويستطيع الجميع تميزي، ولكني أدركتُ أن للسائح أهمية كبرى ويجب عدم التعرض له، وأن أي اعتداء عليه سوف يكلف كثيراً، ففهمت حين عرض عليّ أحدهم أن يوصلني بدراجته، فقلت له لا،وكان يتحدث معي بالانجليزية يظنني أجنبياً، ولم أبين له أني عربي، فقال لصديقي أخشى أن أوصله فيشاهدوني شرطة السياحة ويحسبونني أستغله، فسأتركه ومالي ومال المشاكل، المهم سرتُ من مكان إلى مكان ومن شارع إلى شارع سائلاً الناس عن مكان الرياض ومتنقلاً بقدماي حتى وصلتُ الرياض سالما، وتناولتُ فطوري، وانتظرت مع المنتظرين وصول موكب الملك ولكنه تأخر، وعدتُ أدراجي للرياض، حتى قيل لي أن الملك قد مرّّ قبل قليل، وخرجت وإذا بالناس ينفضون ويعودون إلى بيوتهم، وبينما أنا أسير فأحتاج إلى عشرين دقيقة كي أصل سيارتي، فأوقفتُ صاحب دراجة نارية وقلت له خذني إلى سيارتي التي تقع فوق الجبل، وأخذني ولما أردتُ أن أعطيه أجرة ماأوصلني ابتسم ورفض وقال فقط أدعي لي، فدعوت له وشكرته.
قابلت محمد، وعدنا بالقرب من الرياض، ورحنا نبحث عن مكان يبيع الشباكية داخل المدينة القديمة حيث قيل لي أن أطيب أنواع الشباكية تجده في فاس، وكان رمضان على الأبواب ولم يتبقى منه سوى يومين، ولاحديث بفاس بل بالمغرب كله على صوتٍ يعلو صوت الشباكية، وطلبتُ كيلوين من الشباكية، وكيلو من الحلى المثلث المحشو باللوز (نسيت أسمه) لأنه يسمى بالفرنسية وهي كلمة تحمل ظرف الرسائل وسمية بذلك لمشابهته أياه، ثم انتقلنا بالسيارة إلى طرف المدينة الأخرى، حيث الحي اليهودي القديم الملّاح، وتباع فيه الملابس المغربية، ودخلنا على محل، وكان الوقت يسابقنا، ورحتُ أقلب في القفاطين عليّ أجد مايرقى للذائقة وبسرع ثمن، فوجدت نفسي ومحمد نقلب أيدينا لاندري مانختار ولا نعرف مالجيد، وكان الأولى لنا أن ترافقنا أحدى الأخوات لتعطينا النصيحة، بالرغم من أن البائعة إمرأة وهي صاحبة المحل، ولكن ليس من العدل أن تستفتي بائعاً عن جودة ومستوى الذوق في السلعة، عزمتُ أمري واخترتُ قفطاناً لأختي وجلابة لأمي، ودفعتُ مجموع ثمنهما مايقارب 1500 درهم أو يزيد قليلاً، ثم انتقلنا إلى مكان الصباغين يصبغ فيه الصباغين الملابس القديمة، حيث يأتي بعض الناس إليهم بملابسهم التي اختفت أولوانها أو تغيرت ليتم صباغتها من جديد وتخرج تلك الملابس كالجديدة نفس ماكان يفعل في الزمن القديم، وتابعت طريقة الصباغة وكان محمد يشرح لي بكل حماسة، ثم اتجهنا إلى القصر الملكي وفيه بوابة ذهبية يصور المتزوجان بها صورهم أو بعض المناسبات الخاصة، فصورنا صوراً حتى انتهينا، وكان يجب أن نزور بعض الحدائق التقليدية ونذهب إلى شلالات في مدينة صفرو، ولكن لم يسعفنا الوقت، فاتفقنا أن نذهب إلى أحد المطاعم، ولما أزور فاس مرة أخرى سنذهب إلى صفرو وأماكن سياحية لم يتسن لي زيارتها، وبالفعل أكلنا من المطعم وأراد محمد أن يدفع فرفضت خصوصاً أني أدرك أنه يعمل ودخله قليل جداً، بعد ذلك أوصلت محمداً إلى بيته بالرغم من أنه رفض ولا يريد أن يتعبني، ولكني رفضت أيضاً ذلك فأوصلته، وعدتُ إلى الرياض، ونمت لكي أعود لكازا حيث سأنام يوماً واحدً هناك، على أن تكون في الغد رحلتي إلى السعودية حيث العاصمة الرياض.
العودة لكازا، والعودة للسعودية
نمتُ في الرياض، وصحيتُ الصباح، وأكلتُ فطوري وودعوني العاملين في الرياض بمثل ما استقبلوني به، وسلكتُ طريق الرباط، حتى توقفت عند العرجات حيث المشاوي على أشدها، وكان الجو بارداً وكانت العرجات خاوية من الناس، فسألت عن ذلك فقالوا إن الناس يستعدون لرمضان، طلبتُ شيئاً من اللحم المشوي، وأكلته فواصلت السير إلى كازا وسكنت بعين ذياب في فندقٍ أسمه أزرو، ورحتُ أتمشى وأكلتُ كسبة كسحور في مطعم الطازج، وهو عبارة عن سلسلة مطاعم سعودية معروفة بالسعودية، ونمتُ فصحوت من الغد الساعة العاشرة صباحاً، ومكثتٌ في غرفتي حتى الرابعة، ثم اتجهت إلى المطار لأسلم سيارتي، وفي المطار وقبل الآذان بنصف ساعة، دخلت أحد المحلات التي تبيع القفاطين الغالية، وإذا به فتاتان، ورحتُ أتحدث إليهما وارتاحا إليّ، وسألوني هل أنا لوحدي قلتُ نعم، فعرضوا علي أن أفطر معهم، فقبلت الدعوة، وكانتا قد جلبتا شيئاً من الفطور من بيتهم، وتناولت الشاي المغربي لديهم، حتى نادوا على رحلتي، فودعتهما ودعيت لهما ورحتُ للطائرة وأخذتُ مكاني، وكنتٌ قد اشتريت في زيارتي الأولى كتاباً للحسن الثاني أسمه حياة ملك، فقرأته في الطيارة حتى وصلت الرياض، ووجدتني قد انهيت نصفه، وتبقى النصف الثاني حيث قرأتُ بقيته بعدما وصلت بيومين.
====
====
هنا انتهت رحلة الأحلام الأولى للمغرب، كانت رحلة موفقة وصائبة بفضل الله، ثم بفضل الأصدقاء الذين تواصلت معهم وبفضل بعض الأعضاء الذين تفاعلوا معي بموضوعي السابق المغرب أصالة وعراقة، وكذلك للناس الذين لم أعرفهم في مواقع الانترنت وكتبوا نصائحهم وذكرياتهم، وبفضل الرغبة الدفينة لمعرفة ذلك البلد، وبفضل التخطيط المسبق والاهتمام الكبير، وأيضاً بفضل المغاربة في المغرب الذين استقبلوني بصدورهم الرحبة وبكرمهم المعتادم وبلين جانبهم وطيبتهم الفياضة رجالاً ونساء شيوخاً وعجائز، شباباً وأناث، أطفالاً وكبار، فالشكر لهم جميعاً.
للحديث بقية، وسأضع قريباً صور فاس، وسيبقى الموضوع مشرعاً لكل جديد أو موقف أو ذكريات أو أموراً عامة عن المغرب صادفتها في رحلتي وأذكر منها تجاربي.