
الهمس جهراً بموضوع حساس جدا !!
أشعر بحاجة لأن أهمس وأنا أتناول موضوعاً حساساً جداً ، ولكنه ، أي هذا الهمس – لا بد وأن يصل للجميع .
حساسية الموضوع كانت تجعلني أتردد ، غير أن أهميته كانت تدفعني لأن أقدم وأخوض فيه ، فلن أكون مبالغاً إن قلت إن موضوع العلاقة الخاصة بين الزوجين أصبح جزءاً يومياً من حياتي العملية .
وقد يدخل الزوج أو الزوجة علّي بأعراض الاكتئاب والقلق والتوتر ، بل وعدم التأقلم مع المجتمع الخارجي ، ولكنه عندما أغوص معهما في أعماق المظهر المرضي أجد أن المشكلة هناك ، في تلك الغرفة المسماة بغرفة النوم ، وفي تلك العلاقة الخاصة بينهما .
لا أشعر بتفاعلها معي في الفراش ، لا تبدع في علاقتنا الزوجية ، ثماني سنوات مضت علي زواجنا وأنا لا أجد منها أي استعداد للتجديد ، أو حتي استمتاع من جانبها في علاقتنا الزوجية الخاصة ، هذه إحدى شكاوي الزوج ، أما عن شكوي الزوجة فنسمع : فعلت كل شيء ولكنه جامد كالصخر ، لبست وتعطرت ووضعت له المكياج ، وصففت له شعري ، ولكن لم أسمع منه إطراء ولا غزلاً ، وانتهت علاقتنا الزوجية الخاصة إلي أن تكون حركات يومية معتادة .
والأعجب أني سمعت منها أيضاً : طلباته غريبة وجريئة ، كما سمعت منه – من الزوج : لم أتصور إطلاقاً أنها ستكون يوماً بهذه الجرأة في علاقتنا الزوجية .
وليس هذا فحسب ، بل الذي كان أدهي وأمر ، أن أحد الأزواج اشتري لزوجته في أثناء سفره ، قميص نوم ، وظن أنه سيسرها ويتحفها بذلك فإن هذه الهدية تقع عليها كالكارثة ، لماذا ؟ لأن الزوجة اتهمت زوجها أنه يهينها إذ لا يعرف ذوقها في قمصان النوم ، فيجلب قميصاً لايوائمها ، وزوج آخر كاد يطلق زوجته لأنها أحبت أن ترقص أمامه ، وليس ما أقوله مبالغة ، أو تخيلات ، أبداً ، ولكني أنقل حقائق حدثت دون زيادة أو نقصان .
المجتمع يتأثر
إذن هناك مشكلة خطيرة وليست يسيرة ، وهي فقدان الزوجين ، أو كليهما ، الهدوء النفسي بسبب فقدان العلاقة الزوجية الخاصة ، أو وجودها لكن في شكل غير سليم ، وهذا الأمر نقول عنه خطير و مشكلة خطيرة لأنه لا يهدد الحياة الزوجية وحدها ، لكنه يهدد الزوجين كإنسانين وعضوين في المجتمع ، فإن الزوج الذي يخرج من بيته مضطرباً نفسياً يزداد اضطراباً بمواجهته لأعباء الحياة ، ولن يستطيع حل أي مشكلة تواجهه في عمله وفي كل تصرفاته ، وسيشعر أن الدنيا كلها ثُقل عليه ، وكذا الزوجة ، والنتيجة تضرر حياة إنسانين في ساحة الحياة كلها ، لا في بيت واحد وحجرة نوم واحدة .
فلماذا يحدث كل هذا ؟
ما سبب هذا الاضطراب الفظيع الذي يحتدم في نفسي الزوجين من هؤلاء الناس الساعين العاملين في حركة الحياة ؟ وكيف تسبب أشياء يسيرة موجودة في طباع فطرية ، أودعها الله في البشر سبباً للخلاف الشديد ، وتفتح طريقاً إلي الانفصال القبيح .
سنحاول أن نعرف السبب .
وفي البدء ، نشير إلي أمر قد لا يراه بعض الناس الآن مفيداً ، لحياة زوجية قائمة ، لكنه في الواقع جد مفيد ، ومهم ، لكل مقدم علي الزواج وكل مقدمة ، وذلك لأن الأمر قد يكون غير ذي قيمة في وسط الزواج وقريباً من نهاياته ، ويكون ذا قيمة كبري ، في أول الزواج ، وأيام الخطبة والتمهيد للزواج .
وهذا الأمر الذي أبدأ به هو تقارب ثقافة الزوجين وثقافة أسرتيهما .
السر في الثقافة
وقد يعجب بعض الناس من هذا الذي بدأت به ، بعد عرضي للخطر المبين في العلاقة الزوجية الخاصة ، وأثرها في الزواج وفي المجتمع ، ثقافة ! وأية ثقافة ؟ وما قيمتها الآن ، والموضوع علاقة زوجين في غرفة النوم ؟
ولهؤلاء أقول : إن المتطلبات الجنسية للزوجين جزء من ثقافة الشخص ، وهذا الأمر تحدده
الظروف الأسرية التي أحاطت بتنشئته ، فمثلاً : شاب نشأ في أسرة ترفض أن يجلس أبناؤها
وبناتها علي طاولة طعام واحدة ، يختلف جداً عن شاب نشأ في أسرة أرحب صدراً وألين
تعاملاً ، فهذا الاختلاف بينهما يظهر في غرفة النوم إذا تزوجا ، وكذا فتاتان مختلفان في
الطريقة والثقافة .
وهكذا فإن تقارب الثقافتين يقضي علي 50% من تباين الرغبات الزوجية الخاصة ، ويكون مع الوئام لا الخصام .
لماذا تخجلان ؟!
وثمة شيء آخر ، مهم جداً ، وهو مصارحة الزوجين بعضهما بعضاً في أمورهم الخاصة ، فلماذا يخجل الزوجان ، وهما في غرفتهما تلفهما أجواء عطرة – أن يتكلما في حياتهما الخاصة ؟ وهي ليست أقل أهمية مما يتكلمان فيه من هذه الماديات والتربويات والاجتماعيات ، لماذا لا يتصارحان بكل شيء ويتفاهمان ويتفقان أو يرفضان ؟ لماذا لا يتباحثان ويتحاوران ؟ ولو فعلا لتجنبا الأمر الشديد فيما بعد ، ذلك لأن الرفض العملي – سيكون أشد إيلاماً وأفظع خطراً من الرفض الكلامي لنفسية الزوج والزوجة ، وكل أمر يجري فيه حوار وتفاهم ورضا أو رفض يكون مخففاً ، ثم واسمحوا لي أن أتكلم بصراحة – إنه ليست كل رغباتنا ينبغي أن تتحقق ، وأيضاً ، ليس كل ما نرفضه هو خطأ بل ليس كل ما نرفضه يجب ألا نقبله ، لا بد من بعض المسامحات ، لإرضاء شخص نحبه ، وليس شيئاً رشيداً أن يصبح في كل مرة أحد الزوجين قاضياً تجاه الآخر ، ولكن حبيباً قريباً ، وشريك حياة .
هل أحدثكم عن زوج أوسع زوجته ضرباً لأنها لم تعد تسره وتمتعه في غرفة النوم ؟ أو أحدثكم عن زوجة وقفت تصرف في وجه زوجها بثورة وحنق : إنك لست رجلاً .
ماذا أقول وأقول ، الحوادث تقع كل يوم ، تمزق الحياة الزوجية ، وتتعس الأزواج ، وتسدل ستاراً أسود علي المجتمع .. إنه أمر كما رأيتم خطير جداً ، وإن التفاتاً له باهتمام ، ومحاولة تداركه بصبر وثقة ، يكشف الغمة إن شاء الله ، ويدفع الحياة كلها ، لا الزوجية فقط ، إلي المسار الصحيح .
العدد (5) يناير / فبراير 1997
مجلة الفرحة