منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - رحلتى العلاجية الى ألمانيا مع جيش عرمرم من أسرتى .. بالصور .
عرض مشاركة واحدة
قديم 24-04-2005, 04:32 PM
  #15
محمد الشرقاوى
كبار شخصيات المنتدى
 الصورة الرمزية محمد الشرقاوى
تاريخ التسجيل: Feb 2005
المشاركات: 1,426
محمد الشرقاوى غير متصل  
نحو الفندق إلى الأمام سر !!

مشكلة البعض منا أنه يترك أموره تمشي بالبركة ودون اتخاذ الأسباب الكافية من التخطيط وسؤال أهل الخبرة وتضيع عليه بسبب هذه اللامبالاة والجهل أموال كان من الأولى أن تصرف في مكانها !! .. فعندما ركبت التاكسي لم أكن أعرف كم تبعد بون عن مطار فرانكفورت؟! .. (على بالي رمية حجر !! والمشوار قريب !! ) .. كل الذي فعلته هو أنني أشرت بإصبعي السبابة وليس الإبهام إلى عنوان الفندق الذي كتبته باللغة الإنجليزية على ورقة وقلت لصاحب التاكسي أن يأخذنا إلى هناك !! .. كم تبعد هذه الهناك عن المطار ؟! العلم عند رب العالمين !! .. هل رأيتم أحدا في مثل سذاجة أبو سلطان ؟! .. طبعا سائق التاكسي لم يصدق خبر هو وزميله جاءهم زبون (لقطة !! ) كما يقول إخواننا المصريين !! ..

تصور أن تصل إلى المطار وتطلب من السائق أن يأخذك إلى مدينة تبعد 180 كيلوا مترا عن المطار دون أن تكلف نفسك عناء سؤاله عن قيمة المشوار !! .. وكأنك مهراجا قادم من الهند أو الشاه القادم من بلاد فارس !! .. يا أخي اسأل بكم ؟! .. مش تروح على عماك !! .. أم لأن إعجابك بالمرسيدس قد أعماك ؟! .. تخيلوا شعور السائق وهو يتلقى مثل هذا الرزق الذي ساقه الله إليه !! ..

هذا ما حصل معي بالضبط في ألمانيا وكل دقة بتعليمة !! .. المسافة بين مطار فرانكفورت وبين بون يا أخوانى حسب ما أتذكر أنا 130 كيلومترا .. وحسب ما يصر أخي الصغير الذي يدرس اللغة الألمانية والذي اتصلت به ليذكرني بالمسافة أنها حوالي 180 كيلوا مترا !! .. حاولت أن أقنعه إنه يوافق على كلام أخوه الكبير لكنه أصر على أن المسافة بين فرانكفورت وبون حسب قياسات الخريطة حوالي 180 كيلوا وقال لي : إنت جاي تعلمني بشغلي ؟ ! ..

على العموم خلينا نقول إن المسافة 180 كيلوا مترا . أرأيتم أنني زبون لقطة !! الله يخلف علينا بس !! ويرزقنا وإياكم العمل الصالح .. مسافر وساحب أهلي معايا لبون بالتاكسي وما سألت بكم ؟! .. وأين كل التفكير بالطيارة قبل شوية عن الميزانية ؟! . . وأين حساب المصاريف بالمسطرة والقلم ؟! .. وأين التخطيط ؟! هذا احنا العرب نفشل في أول امتحان!!

تعجبت كثيرا من السرعة التي يقود بها السائقون الألمان .. فطوال الطريق لم تقل سرعة سيارة الأجرة عن المائة وخمسين كيلا في الساعة .. كنت أعتقد أن السائقين الأوروبيين حريصون في القيادة ولا يقودون بسرعة عالية ولكني بعد أن شاهدت قيادة الألمان على الطرق السريعة غيرت من رأي بالنسبة لقيادة الألمان على الأقل !! ..

وصلنا إلى الفندق دون أن نحس ببعد المسافة لجمال المناظر التي كنا نمر بها والسحاب الخفيف الذي كان يغطي نور الشمس بغلالة رقيقة وكأنها فتاة حسناء في يوم عرسها تنظر من وراء الطرحة!! ..






يالجمال هذه البلاد لولا الغلاء الفاحش .. سبحان من وزع الأرزاق في البلاد!! .. يا لقدرة الله الخالق البارئ .. فهل نتفكر في حسن صنع الخالق ونعيد إحياء هذه العبادة التي اندثرت أو كادت .. التفكر في حسن صنع الله!! .. إنها عبادة الأنبياء والصالحين .. هل خرجت يوما إلى البر وأخذت تنظر إلى الصحراء وإلى الشمس وإلى الإبل وإلى الجبال وإلى النجوم وأنت تقول : ربنا ماخلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار؟! ..




نحتاج إلى أن نخرج عن الصحراء .. إلى الطبيعة .. بعيدا عن بيوت الاسمنت المسلح التي أصابتنا بالكآبة .. نحتاج إلى الإنطلاق في مسافات شاسعة لنودع الضيق والاكتئاب ..

أراضي خضراء واسعة تلك التي شاهدناها في الطريق من فرانكفورت إلى بون .. طرق واسعة نظيفة وكل ما يسر العين ويبهج القلب ويدعوا إلى الانشراح .. تمنيت أن أنظر إلى والدتي في سيارة الأجرة الأخرى التي تتبعنا لأرى هل أثرت هذه المناظر على نفسيتها .. هل من الممكن أن يكون الله قد كتب لها الشفاء في مثل هذه البلاد التي تسبح في الطبيعة الجميلة ؟!







هل نعود ونحن فرحين بعودة البسمة إلى الوالدة ؟! .. تلك البسمة التي غيبها المرض والقلق والاكتئاب والحزن والوساوس ؟! .. هل تعود الوالدة إلى طبيعتها المرحة الذكية ونستمع إلى قصصها وحكاويها ؟! .. نعم كبرنا وتعلمنا ولكن هل نستطيع الاستغناء عن هذا الحضن الحنون ؟! ..

أمي يا ناس!! .. إنها أمي فكيف لا أفرح لفرحها وأحزن لحزنها وأتألم لمرضها وأبكي لآلامها ؟! .. كيف أراها تذبل أمامي وأدعها ؟! .. كيف لا أبيع الدنيا وأشتري لحظة سعادة ولو بعت كل ما املك من أجل أن تسعد أمي ؟! .. من ذا الذي يستغني عن دعوة صالحة من أم عطوفة محبة يسعد بها في الدنيا وقد تكون نجاته في الآخرة ؟! ..

بعد أن توقف بنا التاكسي أمام فندق الثلاث نجوم الذي حجزنا فيه غرفنا أنزلنا الحقائب ثم سألت صاحب التاكسي عن أجرة التوصيل (لم أنتبه إلى وجود عداد من عدمه ومن ذا الذي ينتبه إلى العداد وهو راكب مرسيدس؟!!) .. فقال لي : الحساب 250 مارك ألماني

وضعت إصبعي في أذني حتى أستطيع أن أسمع جيدا فأشار لي بأصابعه الإبهام والسبابة والوسطى ونصف الخنصر ليسهل علي الفهم !! .. وإذا كنت لا أسمع فإنني أرى رغم لبسي للنظارة !! .. يا قوة الله !! مائتين وخمسون ماركا ألمانيا أجرة التوصيل من المطار من فرانكفورت إلى بون؟! .. حسبي الله ونعم الوكيل .. ولكن ما العمل ؟! .. الخطأ خطأي منذ البداية إذ لم أسأل عن القيمة أو على الأقل أحاول استخدام وسيلة أخرى للمواصلات بدلا عن التكاسي .. أخرجت 250 مارك وأعطيتها للسائق ..

فجاءت الطامة الأخرى التي أذهبت بصوابي وأطاشت ببقية عقل بقى عندي إذ مد لي صاحب سيارة الأجرة الثانية يده طالبا الحساب وهو 250 مارك أيضا!!!!.. الله يخرب بيوتكم والبيوت اللي جنب بيوتكم!! .. 500 مارك أجرة توصيل للفندق ؟! .. لو راكب طائرة كان أوفر لي من التاكسي!! .. علشان السيارة مرسيدس ؟! .. طيب معظم التكاسي في ألمانيا مرسيدس اشمعنى أنا يعني ؟! .. كدت أن أكره المرسيدس ومن اخترع المرسيدس !! .. الله المستعان وعليه التكلان وحسبي الله ونعم الوكيل ..

ودخلت الفندق وأنا أكاد أغلي من الغيظ ولو كان هناك جهاز يصور بالأشعة لرأيتم البخار يخرج من إذني !! .. وقفت أمام الاستقبال وأعطيت الموظفة الشابة ثقيلة الدم (فاوتشر) الحجز وهي تنظر إلي وإلى من هم في معيتي بكل برود وتمضغ علكة يسمع صوتها البستاني الذي يشذب الحديقة في الخارج !! .. سلمتني مفاتيح الغرف بأطراف أصابعها وكأنني أجرب دون حتى أن ترحب أو تبتسم وكأننا نسكن مجانا على حسابها الشخصي !! .. إن شاء الله تموتي يارب !! ..الفندق متواضع ولكنه نظيف وغرفه ضيقه أكبر قليلا من غرف السائقين والخدم في بعض البيوت !! لا أدري هل تفهمون من هذا الوصف سعة الغرفة أم ضيقها !! .. الجواب يحتمل الاثنين ولن أفصح أكثر من ذلك ..

سألت حامل الحقائب أو الموظف الذي إعتقدت أنه حامل الحقائب أن يساعدنا فجاءني الرد بنظرة صارمة ترجمتها كالتالي : يا حليلك!! .. ظف عفشك وشناطك ورح لغرفتك إنت وعيالك ما عندنا هنا حمالين إنت ووجهك .. ساكن في فندق ثلاث نجوم وعايز حمالين ؟! .. شين وقوي عين !! يا الله روح قبل ما أنادي صبيان القهوة .. أقصد صبيان الفندق يطردوك برة !! .. طبعا هذه المحاورة أنا فهمتها من نظرات الموظف ونقلتها لكم مترجمة !! .. يارب تموت إنت كمان يا حامل الشنط مع موظفة الاستقبال ذات الشعر الأشقر والنفس القشرة !! .. وما ذا الفندق اللي طبيت فيه؟! .. طيب يا مكتب ( ...) ما راح أتعامل معاك بعد كده ولا راح أحجز فنادق من عندك مرة أخرى !! .. ( أغلق هذا المكتب السياحي أبوابه بعد ذلك واصبح مكانه محل للبقاله صاحبها أحد أقربائي !! .. هل رأيتم تصاريف القد ر!! .. حكمتك يارب !! )

تركت أخي بجانب حقائبنا في اللوبي (والله كبيرة عليه كلمة لوبي ممكن نسميها صالة أو مجلس الفندق !!) .. وذهبت بأهلي إلى الغرف ثم عدت وتعاونا أنا وأخي على نقل الحقائب بعد أن سحبناها في الممر الطويل .. الطويل جدا الذي يوصل إلى غرفنا !! .. تمددت على السرير وأنا أشعر بألم في كل قطعة من عظامي وأسأل الله أن ييسر أمورنا ويعيدنا إلى بلدنا سالمين غانمين.. وأن يمن على والدتي ومرضى المسلمين بالشفاء العاجل .. أخذت غفوة صغيرة فيما راحت أم سلطان ترتب بعض الأغراض في دولاب الملابس .. اطمأننت على الوالدة وأخي وأختي في الغرفة الأخرى وتركت الوالدة ترتاح قليلا من عناء السفر ورجعت إلى غرفتي..

بعد أن صلينا وارتحنا وتنشطنا خرجنا إلى الشارع لنتجول حول الفندق ونبحث عن مطعم نتناول فيه شيئا من الطعام ..إذ كان الوقت نهارا والجو مشمسا لطيفا خفيفا نحيفا !! ..

انطلق الركب أنا في الأمام وأمي عن يميني وزوجتي تحمل طفلتنا عن يساري وأخي وأختي ورائي وسرنا على الرصيف والشمس ترسل أشعتها من وراء الغمام بكل لطف وكياسة فشك .. فشك .. والهواء العليل البليل يداعب وجوهنا فنشعر بذلك الخدر اللذيذ الذي تحس به عندما تضع وجهك أمام مكيف الفريون في بيتكم مع فارق التشبيه !! .. إلتفت إلى والدتي فرأيت إمارات السعادة والصحة تطفح على وجهها الحنون .. إنها لبوادر مبشرة ونحن لم نبدأ العلاج بعد .. ولم يمر على وصولنا سوى بضع ساعات .. فسبحان الله الذي جعل من الطبيعة بهجة للناظرين .. وشفاءا للمكتئبين ..

نسأل الله لنا ولكم الجنة ولمرضانا ومرضاكم الشفاء العاجل اللهم آمين ......

__________________

التعديل الأخير تم بواسطة محمد الشرقاوى ; 24-04-2005 الساعة 04:44 PM