منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - رحلتى العلاجية الى ألمانيا مع جيش عرمرم من أسرتى .. بالصور .
عرض مشاركة واحدة
قديم 26-04-2005, 05:17 PM
  #9
محمد الشرقاوى
كبار شخصيات المنتدى
 الصورة الرمزية محمد الشرقاوى
تاريخ التسجيل: Feb 2005
المشاركات: 1,426
محمد الشرقاوى غير متصل  
مشكوووورة أختى أم شهد على المتابعة

وترى دى مش قصتى .. دى قصة أخونا أبو سلطان

ومشكورة مرة ثانية على المتابعة


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نهر الراين وجولة على الأقدام..

عجيب أمر نهر الراين ؟! .. إن عشقي للأنهار عشق قديم منذ أيام النهر الذي وقعت فيه في مدينة كامبردج !! بل منذ أيام أول نهر وقعت عليه عيناي في السودان وأنا طفل لم أبلغ الحلم بعد عندما جلست أتأمله من شرفة الفندق الذي سكنا فيه .. صحيح أنني بعد تلك الحادثة المشئومة في كامبريدج ببريطانيا تجنبت ركوب الأنهار مرة أخرى ولكنها كانت فترة مؤقتة في حياتي عدت بعدها إلى عشق النهر من جديد ..

إن الذين يقطنون مدنا لا يوجد بها أنهار أو بحار أو خضار ( بفتح الخاء والضاد وليست الخضروات اللتي تؤكل !! ) .. أقول إن من يعيش في مثل هذه المدن الجافة يحس بالشوق إلى نسمة الهواء القادمة من النهر .. يحس بالرغبة في استنشاق رائحة الماء .. رائحة الحياة .. أثمن سائل في الوجود .. بدونه تنعدم الحياة ..

أنهر عديدة مرت بي في حياتي وكأن حياتي عبارة عن نهر كبير يصب في بحر من الأمل والهدوء والطمأنينة والسكينة والسلام!! .. كأن حياتي روافد صغيرة تصب كلها في نهر واحد واتجاه واحد وهدف واحد .. مهما تعددت الأماني والمنون .. نسأل الله الثبات حتى الممات .. زرت نهر التايمز في بريطانيا .. ونهر السين في فرنسا .. ونهر الراين في ألمانيا .. ونهر النيل في مصر .. ووجدت أن الشعور الذي يعطيه النهر والانطباع الذي يخرج به الإنسان من رؤية النهر شعور وانطباع لا يتغير بتغير الأنهار .. وقوف أما عظمة الخالق .. ووقفات من التأمل أمام هذا السيل الممتد من الماء والقوارب تتهادى عليه بكل أمان .. أتذكر وأنا أقف لأول مرة أتأمل نهر النيل من شرفة الفندق الذي سكنت فيه كيف أنني نسيت نفسي ومن حولي وخيالي يسرح إلى بعيد .. كأنني أعيش في حلم جميل لا أريد الاستيقاظ منه أبدا !!

ما أجمل القاهرة في الشتاء !! .. ما أجمل القاهرة في المساء !! .. ما أجمل النيل يلمع في صفاء!! .. النهر مرتبط في ذهني بالسكون والسكينة .. والاطمئنان والطمأنينة .. والبحر مرتبط بالثورة والهيجان .. نحن لا نرى الأمواج في الأنهار .. ولا تعصف بنا الرياح والأعاصير كما تعصف بنا ونحن في وسط اليم .. لا يخشى الذي يبحر في النهر الضياع .. فالمسار أمامه واضح ومحدد .. يا ليت حياتنا نهر يجري بكل صدق ووضوح .. إذا لما احتجنا إلى كل هذه الأقنعة التي نغطي بها وجوهنا ونغيرها بتغير الظروف والأحوال!! ..

جميل هو النهر .. عذب هو النهر .. صاف هو النهر ..رائق هو النهر .. ما أجمل مياهه وإن عكرت صفوها طحالب هنا أو تماسيح هناك !! ..















ما أرق تدفقه ولو فاض يوما أو بعض يوم .. حتى نهر عندنا في ضواحي البلدة له في ذاكرتي مكان !! .. هذا النهر الناتج عن معالجة مياه الصرف الصحي أعزكم الله أذهب أليه أحيانا لأتأمل في سرعة اندفاع الماء وأشاهد تلك الضفادع الصغيرة التي تتقافز في المياه العكرة .. المهم أنه نهر والسلام !! ..

لا أدري هل مازال هذا النهر مستمرا في تدفقه أم جف كما جفت مشاعرنا تجاه أقاربنا ؟! .. فالعهد قد طال على آخر زيارة له .. لا أريد أن أستطرد في وصف الشعور الذي ينتابني عندما أرى النهر .. لأننا خرجنا عن الموضوع .. ولا بد من أن أمسك بخطام أفكاري حتى لا تجنح بي إلى بعيد .. هل أنا أكتب لكم رحلة علاجية أم قطعة أدبية لحصة التعبير ؟! .. ما الذي جعلني أخرج عن الموضوع وأتحدث عن الأنهار ؟! .. أهو نهر الراين أم عشقي للماء الأنهار .. يقولون من يشرب من ماء النيل سوف يعود إليه مرة أخرى .. لقد شربت من ماء النيل ولكني لم أشرب من نهر الراين ورغم ذلك أتمنى العودة النهرين !!

وصلنا إلى ضفة نهر الراين قادمين من الفندق الذي كان لا يبعد كثيرا عن النهر .. والمشهد كما أحاول أن أصفه لكم كالتالي: أنا أدفع عربة ابنتي نورا أمامي ووالدتي تمشي بكل نشاط وحيوية وكأن الهواء به لمسة من سحر .. فها هي الوالدة تكاد تسبقنا وتحثنا على الإسراع أنا وزوجتي وأخي وأختي .. ما هذا الذي أراه ؟! .. أحلم هو أم علم ؟! .. والدتي التي ترفض الخروج من البيت مهما أصررنا وحاولنا .. تكاد تسبقنا للوصول إلى ضفة الشاطئ وكأننا نحن المرضى العاجزين ؟! .. سبحانك ربي!! ..

كانت والدتي ترفض محاولاتنا المتكررة لحثها على الخروج من الجو الكئيب الذي تعيش فيه والوساوس التي تملأ حياتها .. وتضفي جو من الحزن على كل المحيطين بها وها أنا أراها أمامي الآن تحثنا على الإسراع بالمشي وعدم التكاسل !! ..

سرنا الهوينا مستمتعين بنسائم النهر الندية والناس تروح وتجيء على ضفتي النهر .. والعجائز يقدن دراجاتهن بكل مهارة دون أن تشتكي مفاصلهن مما تشتكي منه مفاصلنا نحن الشباب الذين على أعتاب الكهولة !! ..

لماذا يصيبنا الاكتئاب والقلق إذا وصلنا سن الأربعين ؟! .. لماذا نفقد مرحنا وسعادتنا إذا وصلنا الأربعين ؟! .. لماذا نفقد اهتمامنا بأنفسنا إذا وصلنا الأربعين ؟! .. لماذا يقل نشاطنا إذا وصلنا الأربعين ؟! .. لماذا تهاجمنا الأمراض الجسدية والنفسية إذا وصلنا الأربعين ؟! .. بل حتى بعض الاعتقادات التي تنتشر في مجتمعات معينة تلزم الأسرة بالحزن على الميت أربعين يوما .. لماذا لا ننظر إلى من هم قاربوا الأربعين وزاد نشاطهم ولم يقل؟! .. كثير من العلماء والأدباء والشعراء زاد إنتاجهم بعد أن شارفوا الأربعين ..

هل للجو علاقة بالصحة ؟! .. الجواب الذي يطرح نفسه هو أن نعم !! .. وإلا ما السر في هذا الشباب الدائم الذي يعيش فيه من تجاوز الثمانين من عجائز الألمان ؟! .. ما السر في احتفاظ كبار السن من مواطني أوروبا مثلا بنشاطهم وحيوتهم ؟! .. رأيت رجلا قارب الثمانين يشارك في سباق للتحمل وأكمل السباق حتى النهاية !! .. ورأيت آخر يشارك في مسابقة للغطس في بحيرة جليدية !! .. ورأيت امرأة قاربت الثمانين تقود دراجتها الهوائية أفضل من ابنتي الصغيرة نورا !! .. فما بال شبابنا باتوا أقل نشاطا وحيوية من الشيوخ ؟! ..

إنتظروا قليلا حتى أريح أصابعي من الكتابة تعرفون مشاكل المفاصل والسن له أحكام !! .. لحظة حتى أتناول دواء الضغط !! .. عن إذنكم أفرد رجلي قليلا فلقد تعبت من الجلوس على الكرسي !! .. ويقولون شباب !! .. أي شباب هذا الذي يكبر فيه البطن وتتثاقل فيه حركة الجسم ؟! .. دعونا نرجع إلى الحديث عن الرحلة قبل أن يزداد ألم المفاصل .. إذا كان هذا حال الشباب فكيف يكون الحال مع الشياب ؟!

سرنا على غير هدى مستمتعين بهذا الجو الذي ارتاحت له والدتي كثيرا وهو ما جعلني أشعر بالسرور من أول يوم وطأت فيه أقدامنا أرض ألمانيا .. وبون تحديدا !! .. تلك العاصمة (سابقا) التي ترقد بهدوء على ضفة نهر الراين دون صخب وضجيج العواصم الكبرى!! .. تلك العاصمة التي تنازلت عن عرشها لمدينة بون الصاخبة !! .. أما ابنتي نورا فخدرت أجفانها هذه النسائم اللطيفة ونامت وهي تبتسم ابتسامة تشع براءة !! ..

تناولنا عشاء خفيف في أحد مطاعم الوجبات السريعة ( مطعم ماكدونالد ) ونحن في طريق عودتنا إلى الفندق استعدادا لمراجعة السفارة صباح اليوم التالي ومعرفة ما الذي تم في موضوع الوالدة؟! .. وهل تم تحويل أوراقها إلى البروفسور المختص ؟! .. نمت وأنا أفكر بالغد ولم أكن أدري أن الغد ملئ بالمفاجئات ..

وأن ما رأيته بعيني في السفارة ببون صبيحة اليوم التالي فاق كل تصور وكأنني أشاهد أحد الأفلام البوليسية !! .. أمر استغربته كثيرا .. ومفاجأة لم أتوقعها في أصعب كوابيسي !! ..



فإلى اللقاء في الحلقة القادمة .. وألقاكم في غد آخر .. ويوم آخر من هذه الذكريات
التي أحاول أن أجمع أطرافها وأنظم خيوطها لكي أقرأها معكم وأسترجع ما
مر بي فيها وأستمتع بتواصلكم ومداخلاتكم معي ..
والله معكم وهو خير حافظ ..

أبو سلطان
.
__________________