منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - المرأة والحقوق المهضومة -1
عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-2005, 11:18 AM
  #3
قيثارة الحب
عضو نشيط جدا
 الصورة الرمزية قيثارة الحب
تاريخ التسجيل: Mar 2005
المشاركات: 690
قيثارة الحب غير متصل  
المرأة والحقوق المهضومة -1

يحيى بن موسى الزهراني/ إمام وخطيب الجامع الكبير بتبوك

لقد أتى على المرأة حين من الدهر، لم تقم لها قائمة، فكانت تائهة عائمة، كانت مسلوبة الإرادة، محطمة العواطف، مهضومة الحقوق، مغلوبة على أمرها، متدنية في مكانتها، مُتَصَرَّفاً بشؤونها، فكانت عند الرومان تعد من سقط المتاع، وعند اليهود تعتبر نجسة قذرة، واحتار فيها النصارى أهي إنسان له روح ؟ أم إنسان بلا روح ؟ ثم انتهى بها الأمر إلى دفنها حية عند العرب الجاهليين.

وبعد تلك الويلات، وإثر تلك النقمات التي كانت تعيشها المرأة، جاء الإسلام وأشرق نوره في جميع أصقاع المعمورة، فأعلن مكانة المرأة، ورفع قدرها، وأعظم من شأنها، فأخذت كامل حقوقها، ومن أعظم ذلك الصداق وهو المهر، فالمهر ملك لها وحدها تقديراً لها، ورمزاً لتكريمها، ووسيلة لإسعادها، لها في مهرها حرية التصرف بضوابطه الشرعية، فهو ملك لها، وليس لأحد من أوليائها أن يشاركها فيه، ومن فعل غير ذلك، فأخذ من مهرها ولو شيئاً يسيراً بغير إذنها ورضاها، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الظلم والتعسف، وأكل الأموال بالباطل، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً * ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " [ رواه البخاري ]. وما أخذ بسيف الحياء فهو حرام. فاتقوا الله أيها الأولياء في بناتكم ومن ولاكم الله أمرهن، أحسنوا إليهن، وأكرموهن، وأعطوهن مهورهن، فهذا هو الشرع المطهر، والبنت على كل حال لن تنسى تربية والديها، ولن تهمل تعبهما ونصبهما، ولن تغفل تعليمها والإنفاق عليها، فقد أوصى الله بالوالدين أيما وصية، فقال تعالى : (وبالوالدين إحساناً ).

المرأة ليست سلعة تباع وتشترى، وليست دجاجة تبيض كل يوم بيضة من ذهب، وليست عنزاً حلوباً يحلبها صاحبها متى شاء، المرأة إنسانة مكرمة، ذات مشاعر وأحاسيس مرهفة، تحمل بين جنباتها قلباً عظيماً، ونفساً طيبة، ولقد أوصى الإسلام بها وصية عظيمة، ورغب في ذلك، وجعل جزاء ذلك دخول الجنة دار الأبرار، والبعد عن النار، قال صلى الله عليه وسلم : " من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين " وضم أصابعه [ رواه مسلم ]، وقال صلى الله عليه وسلم : " من ابتلي ـ أي اختبر ـ من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار " [ متفق عليه ]، وحذر الشارع الكريم من إهمال حق البنات، أو عدم العناية بهن ، قال صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أحرج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة " [ رواه النسائي وغيره بإسناد حسن ]، ومعنى ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم يلحق الإثم بمن ضيع حقهما، وحذر من عاقبة ذلك تحذيراً بليغاً، فالمرأة هي الأم والأخت، والزوجة والبنت، وهي الخالة والعمة، هي صانعة الرجال، ومعدة الأبطال.

لما ضعف الإيمان، وقل اليقين، ولما طغت على الناس الماديات، ولما انجرف الناس وراء المغريات والملهيات، ولما طغى على الناس حب الدنيا، هبت عاصفة المدنية الحديثة، والتحضر الزائف، فأحدث الناس أموراً عجيبة، وعادات غريبة، بعيدة كل البعد عن الدين، ومن هذه العادات الباطلة، التغالي في مهور البنات، حتى وصلت إلى مئات الآلاف من الريالات، والبنت لا حول لها ولا قوة، لقد أعادوا عادات الجاهلية السحيقة، وأحيوا جذوة نار الظلم والجور التي كانت تعاني منه المرأة في الأزمنة الغابرة، سبحان الله العظيم، أنرضى بعادات الجاهلية لنا ديناً وقد أبطلها محمد صلى الله عليه وسلم، أنحن أفضل من رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في مهر بناته وزوجاته أمهات المؤمنين، كلا والله، لسنا بأفضل منه، فهو القدوة والأسوة التي يتحذى به، فقال عليه الصلاة والسلام : " خير الصداق أيسره " [ رواه الحاكم ]، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن من يُمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها " [ رواه الإمام أحمد ]، قال ابن القيم رحمه الله : " المغالاة في المهر مكروهة في النكاح، وأنها من قلة بركته وعسره ".

أيها الأب الكريم إن من تساوم عليها، ومن تتغالى في مهرها ما هي إلا قطعة من جسدك، ونطفة منك، إنها ابنتك، فكيف تهضم حقها، وتمنع زواجها من أجل التغالي في مهرها، فليس من الإسلام تلك النظرة المادية التي تسيطر على أفكار طائفة من الناس، فيغالون في المهور، حتى وكأنهم في حلبة سباق وسوق مزايدة، فالمرأة ليست سلعة في سوق الزواج تعطى لمن يدفع فيها أكثر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " [ رواه الترمذي وحسنه الألباني ]، وقال صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء خيراً " [ متفق عليه ]، فهذا سعيد بن المسيب رحمه الله التابعي المعروف، كان لديه تلميذاً من تلاميذه ممن يحضرون درسه، ويحرص عليه أشد الحرص، ففقده عدة أيام فلما جاء التلميذ سأله عن سبب غيابه ؟ فأخبره أن زوجته قد ماتت فانشغل بها، فسأله سعيد : هل استحدثت امرأة ؟ أي هل تزوجت بعدها فقال : لا، ومن يزوجني وما عندي إلا درهمان أو ثلاثة ؟ قال له سعيد : أنا، قال : أو تفعل ؟ قال : نعم، فزوجه ابنته لأنه عرف أنه صاحب خلق ودين، ولم ينظر إلى كم يملك من العقارات والأموال، بل المهم أن يطمئن على ابنته وسعادتها.

وعلى النقيض من تلك القصة فهذه قصة حقيقية ذهبت ضحيتها الفتاة، وقاست آلامها بسبب المغالاة، تقدم رجل ثري لخطبة الفتاة، وساوم عليها ودفع فيها مبلغاً مالياً خيالياً من أجل أن يحصل على هذه المسكينة التي لا حول لها ولا قوة، والتي لا رأي لها عند جهلة الناس وعوامهم، فقدم ذلك الخاطب مبلغاً يقدر بأربعمائة ألف ريال، فسال لعاب الأب، وتحركت لديه شهوة المال، فأجبرت الفتاة على الزواج الحتمي المغصوبة عليه، وتم الزواج وما هي إلا أيام وليالي ثم يحصل الفراق، ويقع الطلاق، فكانت النتيجة دمار لهذه المسكينة، وتحطيم لباقي حياتها، فهي مطلقة ومن يرغب بالزواج من المطلقة اليوم ؟

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " ألا لا تُغلوا في صُدُق النساء، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله عز وجل، كان أولاكم به النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية، وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأة من بناته حتى يكون لها عداوة في نفسه، وحتى يقول كُلفت لكم علق القربة " [ رواه الخمسة وغيرهم وهو أثر صحيح ]، ومعنى كلفت لكم علق القربة : يعني يقول لزوجته : تكلفت وتحملت لأجلك كل شيء حتى حبل القربة أحضرته لك، فكلما أخطأت المرأة كالها المكاييل، وأذاقها ألوان العذاب، عندما يتذكر ما سببته له من ديون، وإنفاق أموال، وزواج يكثر مهره، فاشل أوله، ومؤلم آخره، والواقع خير شاهد على ذلك. إن المغالاة في المهور والإسراف والبذخ و التقليد الأعمى والسطو على مهر المرأة، وصرفه في المظاهر البراقة الخداعة الفارغة، كل ذلك وراء عزوف الشباب عن الزواج، ووراء عنوسة البنات، مما ينذر بوقوع شر عظيم في الأمة والمجتمع، من فعل للفاحشة، وانتشار للجريمة، وتعقد بناء الأسرة المسلمة.

نحن في زمن قلت فيه فرص الوظيفة، وتدنى فيه مستوى المعيشة، وزاد فيه مستوى البطالة، فقليل من الشباب الجامعي من يجد وظيفة، فضلاً عمن لا يملك الشهادة الجامعية، وإن وجدت الوظيفة، فالراتب لا يفي بالغرض منه، فأجار مرتفع، ومعيشة غالية، ومهر باهظ، وأنى للشباب الإتيان بكل تلك التكاليف، فهنا يجب أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا من تسهيل للمهور، وتيسير للزواج، وصيانة لأعراض البنين والبنات، ولا يمكن أن يحصل ذلك إلا بأن يطبق الرجال قول الله تعالى : (الرجال قوامون على النساء )، وبتطبيق قوله صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " [ رواه البخاري ]، فالقوامة بيد الرجل، والحل والربط بيد الرجل، أما المرأة فهي تابعة لزوجها، لا تخرج عن رأيه ومشورته قيد أنملة، ولا بأس بمشاورة المرأة في أمر زواج ابنتها من الخاطب حتى تبدي رأيها في ذلك، لكن أن يترك لها زمام التصرف، والتفاوض، فهذا غير مشروع وخصوصاً في وقتنا هذا، الذي طغت فيه الفضائيات وحب تقليد الموضات وآخر الصيحات، وتقمص الأفلام والمسلسلات، حتى تغالت في المهور الأمهات، وأرهق كاهل الشباب بطلبات تنوء بحملها الجبال الراسيات، فاتقوا الله أيها الآباء والأمهات في أبنائكم وبناتكم، سهلوا المهور، يسروا الزواج، ارضوا بالخاطب الكفء، اخطبوا لبناتكم قبل أولادكم، كونوا قدوة صالحة، ومثالاً يحتذى به، وأنموذجاً طيباً. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " من دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة، وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة، فهو جاهل أحمق ".

مع قلة الفرص الوظيفية، وكثرة متطلبات الحياة المادية، وضعف ذات اليد عند كثير من الشباب، وحتى لا تقع المفاسد، لا بد من الوقوف مع تحديد المهور وقفة دينية، شرعية صادقة، تنم عن مشاعر المحبة والألفة بين أفراد القبيلة، فأقول : خمسون ألفاً تكون مهراً، وعشرة آلاف للأم، وقصر للأفراح بعشرة أخرى، ووليمة وما يتبعها بعشرين ألفاً أو أكثر، هذا منع للزواج، وكسر للأزواج، وإحجام للشباب، وعنوسة للبنات، فلماذا لا ينقص المهر عن الخمسين، ولماذا لا يقل ما يقدم للأم، ولماذا لا يكون الزواج مختصراً بسيطاً، حتى لا يكلف الزوج إلا أقل القليل.

إن تيسير المهور، وتسهيل أمر الزواج، هو ما يتطلع إليه الشرع، وهو ما يرقبه الدين الحنيف، وتدعو إليه الفطرة السليمة.
__________________




التعديل الأخير تم بواسطة omax ; 19-06-2005 الساعة 10:50 PM