(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَاآتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ومن حمل ذلك كله على المتعة كان مرتكباً لما يعلم خلافه " .[تفسيره التبيان 3/166]
وكذا قال الشريف المرتضى من أعلام الشيعة وأشهرهم على الإطلاق في كتابه :" وفي أصحابنا من استدل على أن لفظة " استمتعتم " تنصرف إلى هذا النكاح المؤجل دون المؤبد بأنه تعالى سمى العوض عليه أجراً ولم يسم العوض على النكاح المؤبد بهذا الاسم في القرآن كله بل سماه نحلا وصداقاً وفرضاً وهذا غير معتمد لأنه تعالى قد سمى العوض عن النكاح المؤبد في غير هذا الموضع بالأجر في قوله تعالى (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) وفي قوله تعالى (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)
[ الانتصار للشريف المرتضى ص 112]
وهكذا سقط الاحتجاج بالآية على نكاح المتعة لأنه احتجاج بمتشابه. وكذلك فإن سياق الآيةيأباه وذلك من وجوه منها:إن الآيات لم تذكر إلا نوعين من النكاح:
1:النكاح الدائم.
2:ملك اليمين.
وهذا المعبر عنه (بالاستمتاع) فإذا كان المقصود بالاخير نكاح المتعة فمعنى ذلك أن الزواج الدائم لا ذكر له في هذه الآيات وهذا غير معقول فلابد من حمل اللفظ عليه دون غيره.
إن الله عز وجل لما انتقل إلى ذكر ملك اليمين انتقل من الأصعب إلى الأسهل فقال: ( وَمَن لَّمْيَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّامَلَكَتْ أَيْمَانُكُم) (النساء/25) وليس أصعب من نكاح الإماء إلا الزواج الدائم بالحرائر فإن نكاح المتعة أسهل أنواع الانكحة فليس هو المقصود بالآية.
ما ذكر اللهعز وجل من شروط لهذا النكاح في قوله:( أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَغَيْرَ مُسَافِحِينَ ) (النساء/24) ونكاح المتعة ليس القصد منه إلا سفح الماء وقضاء الشهوة وليس فيه إحصان أو حفظ للمرأة لا نفسياً ولا جسدياً ولا أسرياً، وكذلك الرجل.
وهذا والله لهو نص صريح في المسألة ،إذ بالاتفاق أن المتعة لا تحصن.
*خلو المجتمع الإسلامي النبوي من نكاح المتعة*
لو كان نكاح المتعة يمارس في المجتمع الإسلامي على عهد النبيض لصرح الله عز وجل به في كتابه العزيز حتماً ولذكر مشروعيته أولاً، وفصل أحكامه ثانياً كما هو الحال في الزواج من الحرائر والإماء.
ولا شك أنه لو كان مشروعاً لكانت ممارسته أكثر لسهولته فكيف يسكت القرآنالكريم عن هذا الأمر العظيم ويتكلم باستفاضة عن النوعين الآخرين وكلها مشتركة في معنى واحد هو النكاح؟! ونكاح الإماء مع ما فيه ذكرهاللهعز وجل في كتابه عزيز ثماني مرات ولا زالت الآيات المتعلقة بشرعيته وأحكامه تتلى. بل ذكر اللهعز وجل ما هو أقل منه أهمية وخطراً كالخمر وذلك مراراً في القرآنالكريم وتدرج في تحريمه حتى انتهى منه. فكيف لا يذكر اللهعز وجل نكاح المتعة وهو أخطر وأهم وأكثر وقوعاً وأعم بلوى؟!
إن هذا ليس له إلا تفسير واحد هو أن هذا النكاح كان محرماً على المسلمين فلم يمارسوه في مجتمعهم وذلك من أول الإسلام والمسلمون لازالوا في مكة المكرمة كما جاء ذلك صريحاً في سورة المؤمنون و وسورة المعارج.
*نكاح المتعة في الروايات وفتاوي الفقهاء*
أول ما ينبغي الوقوف عنده رواية ابن عباس رضي الله عنهما في جامع الترمذي أنه قال: (إنما كانت المتعة في أول الإسلام،كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فيها فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى إذا نزلت الآية: (إِلَّا عَلَىأَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ … ) فكل فرج عدا هذين فهو حرام) [تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي4/269]
وفي هذه الرواية أن المتعة حرمت في بداية الإسلام وأنها من أمور المجتمعات الجاهلية المشركة.
وفي مسند الإمام أحمد أن رجلاً سأل ابن عمر عن المتعة فغضب وقال: (والله ما كنا على عهد رسول الله ض زنائين ولا مسافحين)،[المسند بسند صحيح 2/87، مجمع الزائد4/265]
وهذا يعني خلو المجتمع النبوي من نكاح المتعة. وإلى هذا أشار الإمام النووي في شرح مسلم والسرخسي في المبسوط والشيخ مخلوف في صفوة البيان وغيرهم.
قال العلامة شمس الدين السرخسي : :(بلغنا عن رسول الله ض أنه أحل المتعة ثلاثة أيام من الدهر في غزاة غزاها اشتد على الناس فيها العزوبة ثم نهى عنها فلم يبق بعد مضي الأيام الثلاثة حتى يحتاج إلى دليل النسخ) [المبسوط (5/152)]
وعلى هذا أجمعت الأمة كما نقل ذلك الجصاص في أحكام القرآن،والقاضي عياض والخطابي انظر[أحاكم القرآن2/153،المعلم2/131،شرح صحيح مسلم للنووي9/181، فتح الباري9/78]
جميع الروايات الأخرى ليس فيها إلا الترخيص ثلاثة أيام فقط: مرة في خيبر ثم حرمها النبي ض إلى يوم القيامة وما من شك في أن خيبر لم يكن فيها مسلمات في ذلك الوقت فالتمتع كان بنساء يهود أو المشركات وليس مع المسلمات في المجتمع المسلم. ولقصر المدة ولكونه خارج المجتمع المسلم لم ينزل فيه قرآن.
وقد فهم ابن عباس رضي الله عنهما أن الرخصة باقية للمضطر فعارضه كبار الصحابة ولم يعتبروا فتواه وأنكروا عليه بشدة كعلي بن أبي طالب عليه السلام حتى قال له:" إنك رجل تائه نهانا رسول الله ض عن متعة النساء يوم خيبر"[مسلم بشرح النووي9/189]
.وكذلك أنكر عليه عبد الله بن عمر رضي الله عنه ونقل الترمذي والبيهقي والطبراني أنه رجع عن فتواه أخيراًمع أن ابن عباسرضي الله عنهما لم يحكم بإباحتها وإنما قال هي كالميتة للمضطر وهذا يعني تحريمها عنده.
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "لما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس فقال: إن رسول الله ضأذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها. والله لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله ض أحلها بعد إذ حرمها"[ابن ماجه رقم 1963، ومسند الإمام أحمد13/552]. وفيها أن عمر رضي الله عنه لم يحرم المتعة من عند نفسه وإنما نقل التحريم عن الرسول ض نفسه. وأنها كانت لثلاثة أيام فقط ثم حرمت لا أنها كانت طيلة العهد المدني إلى خيبر كما هو شائع خطأً.
منقول