تابع
ولم يقف الجشع ببعض الناس عند هذا الحد، بل تعداه إلى ما هو أبعد من ذلك مما هو خروج عن منهج السلف الصالح رحمهم الله، يقول الفاروق رضي الله عنه: (ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى في الآخرة، لكان النبي أولاكم بها) ، وقد زوج النبي رجلاً بما معه من القرآن، وقال لرجل: ((التمس ولو خاتمًا من حديد)) ، وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواه من ذهب. فالله المستعان، كيف بحال المغالين اليوم؟! أما علم أولئك أنهم مسؤولون أمام الله عن أماناتهم ورعاياهم؟! هل نُزعت الرحمة من قلوبهم؟! ولا تنزع الرحمة إلا من شقي.
أمة الإسلام، وعامل مهم في رواج هذه الظاهرة ألا وهو ما أحيطت به بعض الزيجات من تكاليف باهظة، ونفقات مذهلة، وعادات اجتماعية وتقاليد وأعراف جاهلية فرضها كثير من الناس على أنفسهم، تقليدًا وتبعية، مفاخرة ومباهاة، إسرافًا وتبذيرًا، فلماذا كل هذا يا أمة الإسلام؟!
فاتقوا الله عباد الله، وتناصحوا فيما بينكم، وتعقلوا كل التعقل في حلِّ قضاياكم الاجتماعية، لا سيما قضايا الزواج، ولا تتركوا الأمر بأيدي غيركم من السفهاء. والدعوة موجهة للمصلحين والوجهاء والعلماء والأثرياء وأهل الحل والعقد في الأمة أن يكونوا قدوة لغيرهم في هذا المجال، فالناس تبع لهم. وعلى وسائل الإعلام بكافة قنواتها نصيب كبير في بث التوعية والتوجيه في صفوف أبناء المجتمع، لعلاج هذه المشكلات الاجتماعية الكبيرة واختفاء هذه الظواهر الخطيرة.
وأنتم أيها الإخوة والأخوات، يا من ابتليتم بهذه الظاهرة، صبراً صبراً، وثباتاً واستعفافاً، ورضاً بقضاء الله وقدره، وعملاً بالأسباب الشرعية، وفتحاً لآفاق الآمال الكبرى، فما عند الله خير وأبقى.
وأنتم أيها الآباء والأولياء، الأمل فيكم كبير، إننا لمتفائلون كل التفاؤل أن تفتحوا قلوبكم، وتستجيبوا لما فيه صلاح أنفسكم وأبنائكم ومجتمعاتكم، وكان الله في عون العاملين المخلصين لما فيه صلاح دينهم وأمتهم.
بارك الله لي ولكم في الوحيين، ونفعني وإياكم بهدي سيد الثقلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين والمسلمات، فاستغفروه وتوبوا إليه، فهو أهل التقوى وأهل المغفرة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، خلق من الماء بشراً فجعله نسبا وصهرا، وكان ربك قديراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يزل بعباده خبيراً بصيراً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ[البقرة:281]، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
أيها الإخوة الأحبة في الله، وبعد تشخيص الداء يأتي وصف الدواء.
وإن الحل والعلاج لظاهرة العزوبة والعنوسة في المجتمع يكمن في تقوية البناء العقدي في الأمة، والتربية الإيمانية للأجيال من الفتيان والفتيات، وتكثيف القيم الأخلاقية في المجتمع، لا سيما في البيت والأسرة، ومعالجة الأزمات والعواصف والزوابع التي تهدد كيان المجتمع، وتيسير أمور الزواج، وتخفيف المهور، وتزويج الأكفاء، وترسيخ المعايير الشرعية لاختيار الزوجين، ومجانبة الأعراف والعادات والتقاليد الموروثة والدخيلة، وتحقيق التعاون بين أبناء المجتمع، وكذا قيام وسائل الإعلام بواجبها التربوي والتوجيهي. ينبغي العناية بجمعيات إعانة الشباب على الزواج والدلالة عليه، ومنحها فرصاً كبرى في أداء مهمتها العظمى، وكذا دعم ذوي اليسار لها، وأن يكون الوجهاء قدوة لغيرهم في هذا المجال، وكذا الاهتمام بالقضايا الاجتماعية عبر مؤسسات خيرية كبرى وهيئات خيرية عليا.
وثمَّت موضوع في علاج هذه الظاهرة، ألا وهو ضرورة أن تعيد المجتمعات النظر في قضية تعدد الزوجات على حسب الضوابط الشرعية، ومراعاة الحكمة التشريعية، فمن للعوانس والأرامل والمطلقات وذوات الأعذار والاحتياجات الخاصة؟! إنه تعدد المودة والرحمة والإحسان والعدل، لا الظلم والتسلط والحيف والجور، لا سيما للزوجة الأولى، وكم يُسمع من الشكاوى في ذلك، وقد قال : ((من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وشقه مائل)) أي ساقط. رواه أحمد وأصحاب السنن.
ألا فاتقوا الله عباد الله، واتقين الله إماء الله.
ثم صلوا وسلموا جميعاً على الحبيب رسول الله، نبيكم محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلك ربكم جل في علاه، فقال تعالى قولاً كريماً: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً[الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم...
احترامي