أخي الحبيب
حياك الله وبياك بين أهلك وإخوانك الذين يضيق صدورهم مابصدرك من ضيق .. ويحبس أنفاسهم ما بتنفسك من صعوبة .
أخي الحبيب أرجو أن تقرأ ردي إلى آخره مهما وجدته طويلاً !
أخي الحبيب مابك هو عرض معروف ومشهور ومدخل من مداخل الشيطان .. يدخل بها إلى العبد المؤمن فينغص عليه حياته .. ويوتر أعصابه .. ليجعله أسهل إنقياداً إلى المعاصي .. ولايزال به يضخم له الأمر .. ويكبر له الغضب .. ويضيق له صدره .. ثم يدعوه قائلاً : أنك مظلوم ومضطهد وربك لم ينصفك وتركك للظلمة .. فلا بأس أن تتواني عن فعل أوامره .. ولابأس أن ترتكب بعض معاصيه ... وهكذا .. وهكذا .. حتى إن نجح معه لاقدر الله ... تركه وقد أكسبه الكثير من السيئات .. والتي تورث بدورها هم أكبر .
وأنظر ياأخي مثلاً .. مايكون عليه شعورك وأنت تهمل في صلاتك .. أنا على يقين أن مايدور في نفسك في ذلك الوقت هو إحساس داخلي يقول ( أنا لن أمزق نفسي وأرهقها يكفيني ما أنا فيه ) وهذا بالضبط هو فعل الشيطان الرجيم .. ووسوسته لعباد الله الصالحين .
والحمد لله رب العالمين أن الشيطان اللعين وجد مقاومة ضخمة من نفسك اللوامة المسلمة .. فها أنت يضايقك تقصيرك في الصلاة .. وها أنت تعترف لنفسك أنك تظلم من حولك .. وها أنت تلوم نفسك .. وهذه كلها دلائل على أن نفسك كريمة سوية وهي النفس التي أقسم الله بها في القرآن وأسماها النفس اللوامة .
أخي الحبيب
ما أنت فيه هو إبتلاء وإختبار من الله عز وجل ... وقد أعد لك الخير العميم والجوائز الكبرى في الدنيا والآخرة إن أنت نجحت فيه .. وأنا أرى كتابتك هنا وهذا الكلام الذي قلته ما يبشر بأنك ستكون من الناجحين بفضل الله وتوفيقه .. بل من المتفوقين .
وثق وتأكد بأن ربك والله لم يرد بك إلا الخير .. فوضع لك إختباراً بسيطاً ... جائزته أكبر مما تتصور .. وفي الوقت ذاته أعطاك ورقة الإجابة متضمنة كل حلول الأسئلة.. وكل ماعليك هو نقل مافي ورقة الإجابة إلى ورقة الأسئلة .. وينتهي الإختبار وتنعم بجائزة أكرم الأكرمين وأعظم المانحين ... بل لا أبالغ أن ربك قد أعطاك منحة إختصك بها لحصد ملايين الحسنات أيضاً ... وذلك أيضاً من نفس ورقة الإجابة المحلولة .. أرأيت إختباراً ألذ من هذا .. ورب أرحم من ربنا ؟
أخي الحبيب
السؤال الذي في إختبارك هو سؤال واحد وهو : كيف تتغلب على الغضب ؟
أما الإجابة فما أروعها وما أحسنها وما أسهلها .. لو قررت بالفعل أن تنقلها كما هي في ورقة الأسئلة !
1- إنظر جوائز كظم الغيظ
يقول الله تعالى :
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
فهذه صفات أهل الجنة التي تجري من تحتها الأنهار ونعم أجر العالمين .. ومن أهم أهل الجنة الكاظمين الغيظ
فمن هم الكاظمين الغيظ ؟ .... يقول المفسرون :
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاس " أَيْ إِذَا ثَارَ بِهِمْ الْغَيْظ كَظَمُوهُ بِمَعْنَى كَتَمُوهُ فَلَمْ يُعْمِلُوهُ وَعَفَوْا مَعَ ذَلِكَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ
فكل ماهو مطلوب منك أن لاتفجر غيظك وأن تعفو عمن أساء إليك
وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْض الْآثَار " يَقُول اللَّه تَعَالَى : يَا اِبْن آدَم اُذْكُرْنِي إِذَا غَضِبْت أَذْكُرك إِذَا غَضِبْت فَلَا أُهْلِكك فِيمَنْ أُهْلِك " رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم
وانظر أيضاً هذا الحل وهذه الجائزة : أذكر الله إذا غضبت ... فيذهب غضبك .. ثم ماذا ؟ يذكرك ملك الملوك والجبار المتعال إذا غضب هو .. فيستثنيك أنت تحديداً من غضبه .. الله ما أروعها من جائزة .
عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ وَقَاهُ اللَّه مِنْ فَيْح جَهَنَّم أَلَا إِنَّ عَمَل الْجَنَّة حَزْن بِرَبْوَةٍ ثَلَاثًا أَلَا إِنَّ عَمَل النَّار سَهْل بِسَهْوَةٍ . وَالسَّعِيد مَنْ وُقِيَ الْفِتَن وَمَا مِنْ جَرْعَة أَحَبّ إِلَى اللَّه مِنْ جَرْعَة غَيْظ يَكْظِمهَا عَبْد مَا كَظَمَهَا عَبْد اللَّه إِلَّا مَلَأَ اللَّه جَوْفه إِيمَانًا " . اِنْفَرَدَ بِهِ أَحْمَد وَإِسْنَاده حَسَن لَيْسَ فِيهِ مَجْرُوح وَمَتْنه حَسَن
ماأحلى هذه الجائزة أيضاً ... وهي أن يملأ الله جوفك بالإيمان .. ألا تتمنى هذا .. أنا لوكنت مكانك لربما دعوت لهذا الذي ظلمني بالخير إذ بفعله هذا .. منحني فرصة لحصد كل هذه الجوائز العظيمة .
أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى قَالَ " مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِر عَلَى أَنْ يُنْفِذهُ دَعَاهُ اللَّه عَلَى رُءُوس الْخَلَائِق حَتَّى يُخَيِّرهُ مِنْ أَيّ الْحُور شَاءَ . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ
توقف هنا .. فقط أكظم غيظك .. ثم إنتقي من الحور العين ما تشاء .. يا الله ماكل هذه العطايا ... وأعلم أخي أن شرط القدرة على إنفاذ الغضب الوارد في هذا الحديث ينطبق أيضاً عليك ... فليس شرطاً أن تكون قدرتك هذه محصورة في الشخص الذي ظلمك .. بل أنت تقدر على إنفاذ هذا الغضب على من حولك وخاصة زوجتك .. فكف عنها غضبك .. ولاتظلمها .. ثم إنتق ما تشاء من الحور العين بإذن الله .
قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا تَجَرَّعَ عَبْد مِنْ جُرْعَة أَفْضَل أَجْرًا مِنْ جُرْعَة غَيْظ كَظَمَهَا اِبْتِغَاء وَجْه اللَّه " . رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَكَذَا رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ
أرأيت أخي الحبيب .. والله إن ربك يحبك .. فلقد منحك جرعة غضب ولم يمنحها للكثيرين غيرك فإن كظمتها إبتغاء وجه الله .. جعلها هي الأفضل أجراً على الإطلاق ..... إذن بالفعل هذه منحة ربانية لك ولسيت محنة أبداً .
رَوَى الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه مِنْ حَدِيث مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ إِسْحَق بْن يَحْيَى بْن أَبِي طَلْحَة الْقُرَشِيّ عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُشْرَف لَهُ الْبُنْيَان وَتُرْفَع لَهُ الدَّرَجَات فَلْيَعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَيُعْطِ مَنْ حَرَمَهُ وَيَصِل مَنْ قَطَعَهُ " . ثُمَّ قَالَ صَحِيح عَلَى شَرْط الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .
وهذه جائزة أخرى .. بأن يشرف لك البنيان وترفع لك الدرجات .. فقط أعف عن هذا الظالم في نفسك ووطنها على أن لاتجد في صدرك حقداً عليه .
عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَادٍ يَقُول : أَيْنَ الْعَافُونَ عَنْ النَّاس هَلُمُّوا إِلَى رَبّكُمْ وَخُذُوا أُجُوركُمْ وَحَقّ عَلَى كُلّ اِمْرِئٍ مُسْلِم إِذَا عَفَا أَنْ يَدْخُل الْجَنَّة " .
آه .. وصلنا للجائزة الكبرى .. وتمعن في قوله ( حق على كل إمرىء مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة ) ... حق .. حق .. حق
والله لقد إختصك ربك بمنحة عظيمة .. وخلق لك بين جنبيك نفساً مسلمة لوامة رائعة ... تعيدك إلى الحق كلما حاول الشيطان أن يميلك عنه .. فهنيئاً لك نفسك المسلمة .. وهنيئاً لك جوائز ربك الكبرى .
2- لم يتركك ربك بوصف الجوائز الكبرى والإكتفاء بذلك ... بل بين لك الكيفية التي تشفي بها نفسك من الغضب أيضاً
يقول أبو ذر رضي الله عنه :
إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا " إِذَا غَضِبَ أَحَدكُمْ وَهُوَ قَائِم فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَب وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ " . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَد بْن حَنْبَل بِإِسْنَادِهِ
انظر أخي الحبيب وتعلم من معلم البشرية .. فإّا جاءك الغضب فأقعد .. أو فلتضطجع .. ولتلتصق بالأرض .. مع إستعاذة من الشيطان الرجيم .. ودعاء إلى الله بأنك تفعل ذلك إمتثالاً لأمره وأمر نبيه المعصوم صلى الله عليه وسلم وتطلب منه أن يعينك .. فوالله إن فعلتها زال غضبك من فوره .
قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ الْغَضَب مِنْ الشَّيْطَان وَإِنَّ الشَّيْطَان خُلِقَ مِنْ النَّار وَإِنَّمَا تُطْفَأ النَّار بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ " . وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وهذا هو الدواء الثاني وصفه طبيب القلوب محمد صلى الله عليه وسلم ... توضأ أخي الكريم كلما أحسست بالغضب .. ولو إستطعت الإغتسال فاغتسل ... وسينطفأ غضبك على الفور .. وينطفأ معه الشيطان اللعين خزياً وإندحاراً .
3- نصيحة أخ محب لك
بعد أن يمن الله الله عليك بما تقدم أخي الكريم وبعد الإغتسال والوضوء .. والدعاء .. وإستشعار الجوائز الربانية .. والنية الصادقة في الصبر على الظلم والعفو عن الظالم .. قم وصلي ركعتين .. ثم فلتذهب أخي الحبيب إلى زوجتك .. وقل لها حتى وإن غصبت نفسك أحبك كثيراً يازوجتي الحبيبة .. أحبك .. أحبك .. ثم خذها وأخرج معها إلى مكان جميل .. وقم بتغيير الجو .. ونوع الطعام الذي إعتدت عليه في الأيام الأخيرة .
وكن على ثقة أنك بعد فعل ذلك فستشعر بشعور ستذهل منه .. وهو أن محبة زوجتك تفجرت بالفعل في صدرك .. وستكون بذلك إن شاء الله أولى جوائز ربك الرحمن على صدق نيتك بكظم الغيظ والإبتعاد عن الغضب .. وسيكون في ذلك بإذن الله دليلاً لك على أن ربك يرضى عنك .. وعلى أن شيطانك ينهزم بل يندحر .
وأرجوك .. أرجوك .. لاتستخف بهذه النقطة الأخيرة الخاصة بزوجتك .. جرب وستقول أخي غريب قالها .. وأكاد أن أقسم لك أن ذلك سيحصل بالفعل .. ولكن عندها أرجوك أن تذكرني بدعوة صالحة .
هذا مالدى أخ لك في الله يحبك .. ويكره شيطانك اللعين .. ويدعو الله من صميم قلبه بأن ينصرك الله عليه .
جرب هذه الوصفة أخي الكريم ... وأقسم بالله أنك لن تندم أبداً .. بل ستسعد إن شاء الله .
أسأل الله أن يذهب غيظ قلبك .. وأن ينزل عليك السكينة والهدوء .. وأن يسبغ عليك نعمه وأفضاله في الدنيا والآخرة .