منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - ملف كامل عن العادة السرية .
عرض مشاركة واحدة
قديم 16-02-2006, 04:19 PM
  #16
زوج فاهم
من كبار شخصيات المنتدى
 الصورة الرمزية زوج فاهم
تاريخ التسجيل: Mar 2004
المشاركات: 3,146
زوج فاهم غير متصل  
درس في العفة




قص الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم قصة يوسف عليه السلام، وجاء ضمن أحداث القصة مراودة المرأة له على إتيان الفاحشة وفي هذه القصة من العبر والعظات ما نحن بحاجة إليه، وبخاصة ونحن نتناول هذا الموضوع.

لقد كانت هناك أمور عدة تدعو يوسف عليه السلام إلى الوقوع في الفاحشة والاستجابة لمراودة المرأة له، ومنها:

1- العامل الطبعي فالرجل يميل إلى المرأة، وكل الرجال إلا من شذ لديه هذه الشهوة.

2 - كونه شابًّا، و الشهوة عند الشاب تكون أكثر توقداً منه عند غيره

3 - أنه كان عَزَباً لم يتزوج بعد؛ فالمتزوج قد يسر اللّه له طريق الحلال فلو أثاره ما آثاره فأمامه المصرف الشرعي.

4 - كونه في بلد غريب، فوجود الغربة قد يدعو الإنسان إلى أن ينطلق وينفلت.

5 - أن المرأة كانت ذات منصب وذات جمال، أما كونها ذات منصب فهذا واضح وأما كونها ذات جمال فإن مثل العزيز العادة أن لا يتزوج إلا امرأة ذات جمال.

6 - كونها غير ممتنعة فإن مما يصد المرء عن المعصية أن تمتنع المرأة وتأبى.

7 - أنها طلب وأرادت وراودت و بذلت الجهد فكفته مؤنة الطلب وبذل الرغبة؛ فهي الراغبة الذليلة وهو العزيز المرغوب فيه، فالشاب قد تدعوه الشهوة إلى أن يواقع المعصية، لكن قد تبقى أمامه عقبه وهي الجرأة والتصريح بالرغبة والطلب.

8- أنه في دارها وتحت سلطانها وقهرها بحيث يخشى إن لم يجبها إلى ما تطلب أن يناله أذاها فاجتمع له الرغبة والرهبة.

9 - أنه لا يخشى أن تنم عليه لأنها الراضية الراغبة، فيزول لديه خوف الفضيحة ومعرفة الناس بما قارف من سوء.

10 - قربه منها وكونه مملوكاً لها مما يورث طول الأنس، فهو يلقاها كل يوم ويراها، ويدخل عليها في أحوال لا يدخل عليها فيها غيره، وهذا يدعوه إلى أن يرى منها ما لا يرى منها غيره.

11- استعانتها عليه بالنساء، فتجمع النسوة وتعطيهن الطعام، وتأمره بأن يخرج عليهن، فيبهرهن جماله، ويقطعن أيديهن دون أن يشعرن بذلك، فكيف بيوسف عليه السلام وهو يتعرض للمراودة مرة أخرى، ويسمع هذا الوصف من النسوة، ويسمع هذه المرأة تصرح بالسوء وتعلنه بكل جرأة ووقاحة؟

12 - التوعد بالسجن والصغار؛ فإنها قالت } وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ { (يوسف:32) وهي تملك ذلك؛ فهي زوجة العزيز، والأمر بيديها، وهي ممن وصفت بالكيد العظيم وقد ثبتت قدرتها على ذلك فدخل يوسف عليه السلام السجن ولبث فيه بضع سنين.

13 - أن الزوج لم يظهر الغيرة والنخوة التي تليق بالأزواج، فحين شهد الشاهد واتضح الأمر أمامه. قال هذا الزوج ليوسف عليه السلام } أَعْرِضْ عَنْ هَذَا { وقال للمرأة } وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ { (يوسف:29).

هاهو يوسف عليه السلام يعيش هذا الموقف بظروفه وملابساته، وتجتمع عليه هذه المثيرات، فينجيه الله تبارك وتعالى منه ويثبته على طاعته.

إن الشاب المسلم اليوم ليتطلع إلى هذا النموذج ويتخذه مثلا له يسير عليه، كيف لا وقد أخبر الله تبارك في مبدأ هذه السورة بشأن هذه القصة بقوله تعالى } نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ{ (يوسف:3) .

وشهد النبي r ليوسف عليه السلام بأنه من خير الناس، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله: من أكرم الناس؟ قال :"أتقاهم" فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال:"فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله" ، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال:"فعن معادن العرب تسألون؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"( رواه البخاري (3353) ومسلم (2378)).

هذه نماذج يتطلع إليها الشاب المسلم اليوم، وهو قد لا يصل إلى هذه المنزلة ولن يصل إليها، وأنَّى لامرئ أن يصل منزلة أنبياء اللّه، لكنه يجعل هؤلاء مثلا وقدوة يقتدي بهم.

قوارب النجاة في قصة يوسف عليه السلام:

ما الأمور التي تمسك بها يوسف عليه السلام فكانت سببا بعد اللّه وتوفيقه لحمايته ولنجاحه في هذا الابتلاء؟

الأول: الخوف من اللّه عز وجل، والخوف من اللّه سبحانه وتعالى هو العاصم من الوقوع في أي معصية و أي فاحشة، فقد ذكر النبي r من السبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إن أخاف اللّه.

الثاني: توفيق اللّه وإعانته، فقد قال سبحانه وتعالى }وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ{ فإنه لو لم ير برهان ربه لهمَّ بها. وقال اللّه عز وجل في آخر الآيه }كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلـَصِينَ{ (يوسف:24).

وتأمل كيف أن اللّه لم يقل: لنصرفه عن السوء والفحشاء، بل قال لنصرف عنه السوء والفحشاء) ، فالسوء والفحشاء صرفت عنه وهذا أبلغ من أن يصرف عنها هو.

وكلما ازداد المرء توكلا على اللّه وأخذا بالأسباب، كان ذلك أولى أن يحفظه اللّه ويعينه، وقد قال r لابن عباس رضي الله عنهما :"احفظ الله يحفظك" وحفظ الله تبارك وتعالى لعبده يشمل حفظه في أمور دينه وحفظه في أمور دنياه، والأول أتم وأولى.

الثالث: فراره من أسباب المعصية، فقد خاف من ربه، وحين رأى البرهان لم يقف بل فر وسابقها إلى الباب، وقدَّت قميصه من دبر.

إن مفارقة الإنسان لموطن المعصية وفراره منه مما يعينه على تركها وهو دليل على تفويضه أمره لله عز وجل، ولذا فقد نصح الرجل العالم ذاك الذي أتاه يستفتيه وقد قتل مائة شخص، نصحه بأن يخرج من قريته فهي قرية سوء ومعصية، ويغادرها إلى قرية يعمرها الصالحون الأتقياء.

ولن يحتاج الشاب والفتاة اليوم إلى أن يغادر موطنه وقريته، بل ما عليه إلا أن يعزم عزيمة صادقة على أن يودع أصدقاء الغفلة، وجلساء السوء، ويستبدلهم بمن يعبدون الله ويخشونه.

وأن يتخلص من كل مايقوده إلى المعصية ويذكره بها.

الرابع: الدعاء، فقد دعا يوسف عليه السلام ربه فقال } قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ{ (يوسف:33).

وإذا كان يوسف عليه السلام لا يستغني عن دعاء اللّه عز وجل وسؤاله فغيره من باب أولى؛ فالدعاء هو الوسيلة التي يتصل بها المرء باللّه عز وجل.

ولذا كان النبي r يقول في دعائه لربه :"اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك".

الخامس: صلاحه وطاعته وتقواه وكان ذلك من أسباب توفيِق اللّه له }كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ{ (يوسف:24) . فكلما كان المرء مطيعا للّه حافظا لحدوده كان ذلك أدعى إلى أن يحفظه اللّه وأن يثبته على طاعته.

ومن هنا فازدياد المرء من الطاعة والعبادة وحرصه على ذلك يؤهله لتوفيق اللّه وإعانته له بعد ذلك.

السادس: اختياره الأذى على فعل الفاحشة فهو يقول } رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ { (يوسف:33) فاختار السجن ومرارته وفضله على أن يقع في هذه المعصية، فحينما وصل الأمر به إلى هذا الحد أعانه اللّه ووفقه، أما الأذى الذي ناله فهو أذى الدنيا وما هذه الدنيا إلا دار مصائب.



محمد بن عبدالله الدويش

ص ب 52960 الرياض 11573

www.dweesh.com
__________________