منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - الأفكار المسبقه وأسس بناء الوعي
عرض مشاركة واحدة
قديم 15-03-2006, 11:58 AM
  #2
Reemona
عضو المنتدى الفخري
 الصورة الرمزية Reemona
تاريخ التسجيل: Aug 2004
المشاركات: 22,767
Reemona غير متصل  

كيف ينشأ التعدد الثقافي؟!

الثقافة هي البيئة التي يصنعها الإنسان بنفسه (وقد سماها هربرت سبنسر (فوق العضوية) أي البيئة التي تختلف عن البيئة الطبيعية، لكن هذا الاصطلاح لم يكتب له الذيوع بل ذاع استخدام كلمه الثقافة) . فبمجرد وجود الإنسان ضمن جماعة - وهو لا يوجد إلا ضمنها - فإنه يبدأ بالتعاطي مع العالم؛ فيرسم أثناء تعاطيه معالم ثقافته الخاصة، وإذا كان نظرنا إلى الجزء المعرفي من الثقافة فإن معالم المعرفة (الوعي) تبدأ بالتشكل، وهي مرتبطة بالإنسان الممارس لها؛ لأنه هو الذي سيطبع كل شيء بذاتياته. غير أننا نلاحظ وجود قواسم مشتركة لا تختلف باختلاف الإنسان، بينما نلحظ أيضاً وجود أجزاء أخرى خاصة بكل فرد وجماعة، تعبر عن خصوصيتها الإدراكية، ولهذا فإن حالة من التشابه تلوح بين بنية الإنسان البيولوجية وبنيته المعرفية.

المشترك والخاص

لذا يمكننا الإشارة إلى وجود دائرة من المعارف لا يختلف عليها أبناء البشر، بينما هناك معارف خاصة، من قبيل اهتمام فائق توليه بعض الحضارات لبعض العلوم نجد مثاله في اهتمام اليونان بالفلسفة وعزوفهم عن المهن والحرف، وكذلك اهتمام العرب بالشعر وفنون التأنق بالكلام وعزوفهم عن الصناعات، والمتأمل يرى أن هذا الاهتمام يخفي وراءه أحكاماً تطلقها الثقافة على بعض أوجه النشاط العقلي أو العملي سلباً، فيعزف عنه الناس، أو إيجابياً فيؤدي إلى إقبالهم عليه، وهكذا فإن الوجهة الخصوصية لحركة الثقافة ترتبط بالحلقات السابقة من تطورها.

فإذا وجهت حضارتنا اهتماماً فائقاً إلى عنصرين أساسيين من عناصر الوعي، من قبيل العلوم والتقانة، فإن هذه الأمة ستحصل على فرص كبيرة لتطور هذا الوعي، وبالتالي تكوين تصورات غاية في الموضوعية عن العالم والأشياء، لكنها إن أصدرت حكماً مضاداً عليهما، سدت على نفسها باب تطوير الوعي، ولهذا فإنها سوف لن تجد أمامها مصيراً سوى التردّي.

فالحلقات السابقة في وضع أي ثقافة، هي التي ستنتهي بها إلى السلب والإيجاب، وهو ما يعني أننا لكي نقرأ حال أي حضارة في وضعها الراهن فسنحتاج إلى قراءته من خلال حلقات تطوره السابقة؛ فهناك دائماً أوضاع سابقة هي المسؤولة عن حركة الوعي.. فكيف تكونت هذه الحلقات السابقة؟.

الأفكار المسبقة

إذا كانت الحالة الفعلية لأي ثقافة ناتجة عن حال الثقافة في المراحل السابقة عليها، فإن عملية تطور الثقافة عند أي جماعة تشبه ما يحدث لدى الفرد أثناء عملية التفكير الرامية لإنتاج معارف جديدة فيما يُعرف في علم المنطق بـ(حركة العقل بين المعلوم والمجهول) (والتي تتضمن حركة العقل من المشكل إلى المعلومات للفحص عنها، وتأليف ما يناسب المشكل ويصلح لحله) .

فهذه العملية التي يمارسها الفرد لتكوين طبقات جديدة من المعارف تعتمد على المخزون وهو ليس سوى المعارف التي كونها في أطواره السابقة، وهذا ينفعنا في تصور سلسلة إنتاج المعرفة، تلك السلسلة التي لا تقبل حلقاتها الانفراط، (فمن غير المعقول أن نتصور أن أحداً في الدنيا جلس هكذا لا يعرف نفسه ولا يعرف الكون من حوله؛ ليبدأ بحثاً أو علاقة معرفية من الصفر) .

وعدم الابتداء من الصفر، كما يبدو، يشير إلى أن بعض ملامح الخطوات القادمة قد تحدد سلفاً وتبعاً لطبيعة المخزون الذي جرت عملية تكوينه، وهذا على وجه الدقة ما نعنيه بالأفكار السابقة، ويلقى بالضوء على اللحظات الأولى لتكون المعرفة، تلك اللحظات التي ستتحدد على ضوئها معالم تطور هذه الثقافة، وإن تسرباً بسيطاً من اللاموضوعية حين تضمه الأسس يتحول إلى شرخٍ هائل قد يؤدي بالثقافة إلى مهاوي التردي، ويقودها وهي مغمضة العينين إلى الهاوية.

وهذا النوع من العمى هو الهيمنة التي نفرضها على الأفراد، عندما نفرض عليهم مسلماتها دون أن نسمح لهم بمراجعة هذه المسلمات ومحاكمتها، بل يعبأ بها الفرد وهو لا يزال غراً، فتزوده بالمعايير التي يعرف بها الصحيح والخطأ، وبواسطة هذه المعايير فإن المسلمات ستقدم له على أنها صحيحة لأنها مطابقة تماماً لتلك المعايير.

إن الإنسان وهو في إطار الثقافة قلما يلتفت إلى نواحي الشذوذ في بنيتها، وإذا التفت بعض الأفراد إليها بالنقد، فإن الجماعة تبدأ بمقاومة هذا الشذوذ، وتحاول إعادة هؤلاء إلى بيت الطاعة أو طردهم خارج البنية، فينتهي الحال إلى نوع من التعدد.

وهكذا فإن أي عملية تفكير ستعتمد على (أفكار سابقة) وإن هذه الأفكار السابقة ولدتها أفكار أسبق منها، وهكذا تتواصل عملية الانتقال من أفكار سابقة إلى أفكار أسبق منها وصولاً إلى لحظات تكوّن الثقافة ونشوئها.

وإذا كانت ولادة أي فرد لا تتم إلا في أحضان ثقافة معينة، فإن ولادة أي ثقافة كذلك لا تتم إلا في رحم ثقافة أخرى سابقة عليها؛ لأن الثقافات كائنات حية تبدأ صغيرة ثم تنمو وتواصل نموها حتى تنتهي إلى التراجع والضمور والزوال لتفسح المجال لغيرها.

ولهذا فإن الثقافة في طور التردي لا تنتج إلا مزيداً منه، ولا يتغير هذا الأمر إلا إذا حدث ما يغير هذا الاستمرار، وهنا علينا أن نتساءل حول كيفية وقوع هذا التغير ومن أين للإنسان الذي ولد في رحم ثقافة معينة أن ينطلق لتغييرها في ضوء ما أثبتناه من وجود قصور طبيعي في أدوات الوعي وهيمنة الثقافة؟.

إن هذه الحقيقة هي التي أجبرت بعض المفكرين على افتراض استحالة قدرة الثقافة على ولادة حالة أكمل منها بدون تدخل عامل خارجي، ومن هؤلاء (يلخانوف) الذي قال: (وجد هيجل نفسه في ذات الحلقة المفرغة التي وقع فيها علماء الاجتماع والمؤرخون الفرنسيون، فهم يفسرون الوضع الاجتماعي بحالة الأفكار، ويفسرون حالة الأفكار بالوضع الاجتماعي.. وما دامت هذه المسألة بلا حل كان العلم لا ينفك يدور في حلقات مفرغة بإعلانه أن (ب) سبب لـ(أ) مع تعيينه (أ) كسبب لـ(ب) ) .

وخلاصة ذلك أن الفكر حتى يطور المجتمع فإنه يحتاج إلى من يطوره، لأن التطور يعني زيادة، والزيادة تحتاج إلى مصدر يسببها، ونحن نعلم أن الفكر هو الذي يطور المجتمع، ولكن من سيطور الفكر؟ ففي ضوء الفكر الغربي تبقى هذه المسألة بلا حل، وظلت الفلسفة تراوح أمامها دون الاهتداء إلى حل.

لكن على صعيد الواقع فإن التطور حقيقة مادية ملموسة، إلا أنها تفتقر إلى تفسير فقط، وهذا التفسير في ضوء الفلسفة الغربية يبقى كنقطة فراغ، وإذا شئنا الجري مع هذه الفلسفة فإننا سنؤكد وجود هذه العلة دون أن نحددها؛ إذ لابد لنا من القول بوجود عنصر يمثل الطاقة التي تدفع بالفكر إلى التنامي، وتدفع به إلى أوج حالاته، وهو طبعاً ككل طاقة سرعان ما تبدأ بالنضوب بعد أن تستهلك أثناء عملية وصول الثقافة إلى أعلى أطوارها، لتبدأ مرحلة التراجع والهبوط.. فإذا تصورنا الثقافة عبارة عن إلكترون، وأن الطاقة المحركة هي فوتون ضوء، فإن هذا الإلكترون يتحرك حركة مفاجئة بمحض امتصاصه لهذا الفوتون ولا يعود إلى وضعه الأصلي إلا بعد أن تنفد الطاقة التي سببها امتصاص الفوتون، فيهبط حينها إلى مداره الطبيعي.

فكما أننا نستطيع أن نفسر نمو الثقافة بطروء عامل ما، فإننا نستطيع تفسير التراجع بنضوب هذا العامل، غير أننا يجب أن نلتفت إلى أن هذه العملية ليست عبثية أو أنها لا تؤدي دوراً على صعيد التأريخ وعلى العس من ذلك فإن كل دورة حضارية تؤدي إلى تأهيل مجموعة بشرية من خلال اكتسابها للنقلة، أي إن العملية لا تبدأ من الصفر بل من آخر قيمة حققتها الثقافة واحتفظت بها.

ولهذا فإننا سنفهم وضع الثقافة من خلال عملية الاستيعاب التي أشرنا إليها، أي امتزاج ذاتيات الإنسان بالمدركات المنقولة من الخارج، فما دام العامل المؤثر في حركة الثقافة هو الفكر، فلابد أن يكون العامل المؤثر على الفكر أيضاً فكراً، لكنه ليس من داخل الثقافة، وإذا قلنا أنه من داخلها فإننا سنعود إلى ما هربنا منه من تفسير حركة الفكر بالفكر، غير أن الحصيلة النهائية ستكون امتزاج لهذا الفكر الذي لم ينتجه الإنسان وهو أيضاً عامل النقلة الحضارية بفكر الإنسان في النهاية.

فإذا (عرف الإنسان منذ بدأ بتفحص نشاطه الفكري أن عقله ليس تلك المرآة الصافية التي تعكس الحقيقة أو الواقع بشفافية ونقاء، وعرف أن ما تراه الأعين لا يصل إلى الأذهان عبر طريق مستقيم، وأن المعرفة الصادقة مطلب محجوب وراء ستار سميك من العوائق) ، فإن تأثير العامل الخارجي على الفكر الإنساني سيعبر من خلال نفس الممرات وبالتالي يتأثر بها تماماً، كما أن الماء الصافي سيتأثر بالأنابيب التي يمر بها إذا كانت تحمل مواداً أخرى.

وهذا بحد ذاته هو التنوع؛ إذ إن العامل الخارجي سيؤثر في عدد من البشر من حيث قدرتهم على استيعاب تأثيرات العامل الخارجي، بسبب وجود العوائق أو كون التأثير جاءهم مباشرة وعن طريق وسائط، ولهذا فإن حالات التأثير ودرجاته ستتباين بحسب عمليات التفاعل بين العامل الخارجي وفكر الإنسان.


>>> يتبع
__________________

اليوم حماهـ تذبح مره اخرى .. اللهم عليك بالطاغية واعوانه .. اللهم اهلكهم و سلط عليهم .. اللهم ارنا عجائب قدرتك فيهم

في هالزمن تقدر تقول أن المثلث مستقيم وشي طبيعي لو تقيس الدائرهـ بالمسطرهـ !!