كما أن الأهل يلجئون إلى المقويات والمشهيات الدوائية في كثير من الأحيان. وهناك طرق أخرى يلجأ إليها الأهل بعد فشلهم في كثير من الطرق، كاستعمال طرق العنف المختلفة من تخويف وضرب أو إدخال الطعام بالقوة في فم الطفل. وترجع هذه المشكلة إلى عدة أسباب منها أن محاولة الأهل إطعام الابن حين لا يريد أو فوق ما يريد أو إصرارهم على نوع معين أو شكل معين... فالأم عندما ترغم ابنها على تناول كميات إضافية من الحليب فوق رغبته،إنما تنمي فيه روح العناد والمشاكسة الموجودة بصورة طبيعية عند جميع الأطفال...
إن استعمال العنف والضرب والكلام الجارح حتى يتناول الطفل طعامه، يجعل وقت تناول الوجبة وقتاً مقيتاً بغيضاً. وذلك لكون تناول الطعام يترافق أو يتشارك بأشياء يكرهها الطفل وبالتالي يكره الطفل الطعام فعلاً بسبب هذا التلازم. ومن أسباب رفض الطعام كراهية الطفل لبعض أصنافه. وإن الطفل يبدأ بتمييز مذاق الأطعمة من الشهر السادس من العمر عادة، أي إنه من هذا السن المبكر قد يتذوق الطعام ثم يقرر إن كان قد أحبه أو لا..كما أنه قد يمل طعاماً بعد أن كان يحبه، ومهما كان الحال فيجب تجنب إرغام الطفل على تناول طعام ما إن كان يكرهه لأن ذلك قد يحدث عنده كرهاً دائماً، لهذا النوع من الطعام يستمر معه طول العمر.
وقد يكمن السبب في عدم سماحنا للطفل بالمساعدة في تناول الطعام أو مباشرته لذلك كلياً إذ إن الطفل يحب ممارسة الأعمال الجديدة التي أصبح قادراً على إتيانها، ولا يرضى بأن يحرم هذا الحق... ولقد ثبت أنه من المستحسن السماح للطفل بأن يقوم بهذه الأعمال حتى يتعلم الاستقلال بشؤونه الخاصة بصورة سريعة وفي الوقت المناسب.
ومن أسباب قلة الشهية أن هناك أطفالاً أكولين، وأطفالاً معتدلين، ولعل ذلك ارتباطاً بشخصية الطفل إلى حد ما، فالطفل الهادئ يأكل أكثر من الطفل النشيط العنيد عادة.كما أنه مما لا شك فيه أنه يوجد بعض الحالات النادرة من الناحية الجسمية لا من الناحية النفسية، ولكن يجب أن نصر هنا إلى أنها حالات نادرة جداً.
إذ إن معظم حالات قلة الشهية المزعومة هو عبارة عن حالات رفض طعام ناجمة عن محاولة إطعام الطفل بعنف.
ولعل من الأسباب الكثيرة المصادفة وخاصة في الطبقات الفقيرة هو ضيق المنزل والمساكن غير الصحية، وحرمان الطفل من الهواء الطلق والحدائق الخاصة به إن أمكن. إن قلق الأم بأن ابنها لم يبلغ وزن الآخرين في سنه قد لا يكون في موضعه،إذ إنه ليس من المحتم أن يكون جميع الأطفال في سن معين في وزن معين، فهم يختلفون حسب وزن ولادتهم، وحسب وراثتهم، فكل مقدر له أن يسير وفق نمو خاص به...
ثم على الأم أن تعرف أن شهية الطفل وبالتالي زيادة وزنه تتناقص اعتباراً من الشهر الثالث، فالطفل يزيد وسطياً في الأشهر الأولى بمعدل 800- 900، ولكن هذا لا يستمر، وإلا أصبح وزن الإنسان كبير لدرجة شاذة.... لذا علينا أن نسلك السلوك الطبيعي مع أطفالنا حتى يكونوا هم طبيعيين، فإن الله قد خلق الإنسان وخلق فيه غريزة الجوع. فالطفل الصغير إن جاع بكى حتى إن كل الناس لا يؤولون بكاء الطفل لأول وهلة إلا بالجوع ؛ لذا علينا أن نعطي أطفالنا الطعام، سواء كان من الثدي أو من الزجاجة أو بواسطة الملعقة متى جاعوا، وأن نكف عن تقديم الطعام حالما يعلنون رغبتهم باكتفائهم، فشهية الطفل تقوده ليأخذ حاجته.
وعلينا أن لا نرغم طفلاً على أخذ طعام يكرهه، وأن نسمح له بالمساعدة في تناول الطعام ثم بإطعام نفسه حالما يستطع، وعندما نريد أن نعطي الطفل الصغير أطعمة إضافية فوق الحليب يجب أن يكون ذلك بالتدرج، وأن نبدأ بكميات صغيرة ونزيد حسب إقباله وأن لا نعطه عدة أصناف جديدة في وقت واحد بل كلما تعود صنفاً أعطيناه آخر.
إن مما تقدم يتبين لنا أن المشكلات تكمن فينا نحن الآباء وليس في أبنائنا ولا أدل على ذلك من أن معظم هؤلاء الأطفال عندما يوجدون خارج المنزل بعيدين عن أهلهم يأكلون بشهية أو إن أعميناهم بعض أنواع الأطعمة التي يحبونها كالشوكولاته والحلوى مثلاً، فإنهم يأكلون منها بكمية كبيرة، إذاً فالمشكلة مسألة سوء سياسة، فيجب إيقاف جميع وسائل الترغيب والترهيب التي نستعملها.كما أنه لا داعي لاستعمال المقويات المزعومة لأنه لا فائدة منها في حل المشكلات وهذا ما تؤكده الأمهات بقولهم في أحيان كثيرة جربنا العديد منها دون فائدة.
وفي دور الفطام بالذات الذي فيه تبدأ المشكلة يجب استعمال الحكمة والطرق الحديثة في التغذية لتجنب رفض الطعام ومشكلات الفطام التي لا تخفى على أحد....
فعندما نريد أن نطعم الطفل طعاماً جديداً نبدأ بكمية قليلة ونعطه إياها، وهو في أحسن الشروط النفسية ونزيد الكمية يومياً بالتدرج حتى نصل إلى المقدار المطلوب. وإذا رفض الطفل الطعام لعدم استساغته له لا نحاول إعطائه المزيد البتة،وقد يضطر الطبيب بالطبع إلى وصف الفيتامينات إذا شعر أن الطفل بحاجة إليها.
نكرر المحاولة في الأيام التالية وإذا ظل على كرهه له نتركه لمدة أسبوع أو أكثر ثم نعاود الكرة.
وإذا ما كبر الطفل وأصبح يجلس إلى المائدة، يحسن وضع الطعام له وأن يترك ليأكل ما يحلو له دون التدخل بأي صورة في محاولة إغرائه أو إرغامه بأكل المزيد أو حتى الإسراع بل ويجب عدم النظر إلى طبق الطعام بقلق أو اهتمام.... وإذا لم يتناول الطفل طعامه بأكمله يرفع الطعام بدون أي ملاحظات تعليق، وإذا لاحظنا أن الطفل لا يأخذ من الطعام كفايته أثناء الوجبات الرئيسية يحسن أن لا نعطيه شيئاً فيما بين الوجبات، وأن نطلب إليه بلطف الانتظار حتى موعد الوجبة التالية، فرفض الطفل للطعام في المرة التالية نادر الحدوث جداً حتى أن أحد الأخصائيين المهتمين في هذا الموضوع قال: إن هذا لم يحدث أبدا وإذا ما حدث فرضاً يجب ترك الطفل وشأنه، لأنه ثبت أن الطفل السليم لا يحتمل مخمصة الجوع، لأنه لم يجبر على الطعام، وهو سريعاً ما يستسلم عندما يسيطر عليه الجوع طالما أن أحداً لا يهتم بما يتناوله من طعام. ويجب عدم الإصرار على نوع معين من الطعام أو على ترتيب تناول أصناف الأطعمة إن أحب الطفل أن يخالف قواعد الكبار كأن يتناول الحلوى قبل الخضار أو الفاكهة قبل البدء بالطعام إذ لا ضرر البتة من ذلك.
ويحسن الاعتناء بطعام الطفل بحيث يبدو شهياً ومحبباً وملوناً إن أمكن، وأن لا يوضع في صحن الطفل إلا أقل من الكمية التي يتوقع أن يأكلها حتى يطلب هو الزيادة وإلا فإن امتلاء صحنه بالطعام وبالتالي ترك الطفل لصحنه مما يثير المشكلات ويخفف شهية الطفل.
ولا بد من فسح المجال للطفل كي يلعب ويتنزه خارج البيت حتى تكون شهيته جيدة.
(10) إن الحسد شيء طبيعي بالنسبة للأطفال، ولذا فعلينا أن نعالجه بالحكمة وإلا فإنه قد يؤدي إلى مشاكل صعبة. وسبب الحسد هو خوف الطفل فقدان بعض امتيازاته أو احتياجاته الأساسية كالمحبة والعطف وكونه شخصاً مراداً. ويشتد الحسد عند الطفل بمقدم أخ جديد سيزاحمه باعتقاده، وقد يكون على حق بالطبع.. وهو يستنتج ذلك إن نقل من غرفة بمناسبة قرب ولادة مزاحمه إلى غرفة أخرى أو من إرساله إلى منزل أحد الأقارب لذهاب أمه إلى دار التوليد من أجل الوضع وعند عود الأم من دار التوليد قد تكون متعبة ضيقة الصدر وتصرف معظم وقتها لطفلها الجديد وإذا ما أبدى الطفل الأول شيئاً من علامات الحسد فهي لا تحتمله أبداً، وهذا مما يزيد من اشتعال نار الحسد في قلبه الصغير. وعندما يأتي الزوار من الأهل أو الأصدقاء فكلهم جميعاً يبدون شديد إعجابهم بالمولود الجديد دون أن يلتفتوا إلى ذاك المسكين الذي كان يحتل مركز الصدارة قبل بضعة أيام فقط.