منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - قـبـل أن يـقـع الـطـلاق " الـطـرق العـلاجية والسـحـرية " بمنتداكم فقط
عرض مشاركة واحدة
قديم 17-05-2006, 10:35 PM
  #10
عالم المطلقات والارامل والعوانس
المتحدث الرسمي لعالم المطلقات
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 39
عالم المطلقات والارامل والعوانس غير متصل  
الصفحة (( 3 ))


فإذا وقع الشقاق بين الزوجين أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ينظر في أمرهما ويمنع الظالم منهما من الظلم, فإن تفاقم

أمرهما وطالت خصومتهما بعث الحاكم ثقة من قوم الرجل وثقة من أهل المرأة ليجتمعا فينظرا في أمرهما ويفعلا ما فيه ا

لمصلحة مما يريانه من التوفيق أو التفريق. وتشوف الشارع إلى التوفيق ويعرف هذا من قوله تعالى: <إن يريدا إصلاحاً
يوفق الله بينهم>

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله عز وجل أن يبعث رجل صالح من أهل الرجل ومثله من

أهل المرأة فينظران أيهما المسي فإن كان الرجل هو المسي حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة. وإن كانت المرأة

هي المسيئة قصروها على زوجها ومنعوها النفقة.

فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز.

فإن رأيا أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره الآخر ثم مات أحدهما فإن الذي رضي يرث الذي لم يرض ولا يرث الآخر.(15)

والحكمة من قصر الحكمين على ذوي القرابة دون الغرباء واضحة إذ إن الشقاق قد تكون أسبابه مما يستحيا من ذكرها

للغرباء فتجهل العلة عندئذ ويستعصى العلاج.

يقول الزمخشري: "وإنما كان الحكمان من أهلهما لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح, وإليهم تسكن

نفوس الزوجين ويبرز إليهم ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإدارة الصحبة والفرقة وموجبات ذلك ومقتضياته وما

يزويان عن الأجانب ولا يحبان أن يطلعوا عليه".

وفي الآية الكريمة لطيفة دقيقة وهي أن الله تعالى لم يذكر فيها إلا الإصلاح.

فإن في التفريق خراب البيوت, وفي التوفيق الألفة والمودة والرحمة.

وغرض الإسلام جمع القلوب على المحبة والوئام. (16)

يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي معلقاً على اعتداد كل من الزوجين بنفسه:

"إن كل طرف يحرص على كرامته فلا يخطو إلى الآخر, لذلك يهئ الله طرفاً ثالثاً يصبح ستاراً للمتخاصمين. وقد يقول

أحد طرفي الخصومة لو لا تدخل فلان ( الطرف الثالث) لما تم الصلح.

ولعل الحكاية الطريفة التالية تعطي الصورة والواضحة لغرور البشر.

يحكى أن رجلاً تخاصم وامرأته التي يحبها وتحبه. وعز على كل منهما إزالة الجفوة حيث تمسك الرجل بموقفه والمرأة

بموقفها وطال الوقت عليهما ومع طوله يزداد شوق كل منهما إلى الصلح. والكبرياء ترفع الخصومة في الظاهر وتخفي

الشوق في الباطن. ويحدث أن يجلس الرجل في غرفته المغلقة والمرأة في حجرتها فأرادت المرأة أن تعرف حال زوجها

فسارت على أطراف أصابعها إلى حجرة زوجها فوجدت زوجها رافعاً يديه إلى السماء يدعو الله متوسلاً: يا رب اجعل

زوجتي تأتيني لتصالحني, وفرحت المرأة أكثر عندما سمعت زوجها يستغيث بأولياء الله ويقول: يا سيدة زينب لك

عندي نذر (17) قدره كذا وكذا إذا صالحتني زوجتي, وكان قلب المرأة يزداد فرحاً كلما سمعت توسل زوجها فلم تطق

صبراً فذهبت إلى حجرتها ولبست أجمل ملابسها وسارت بخطوات فيها خجل واستحياء وكأن هناك من يدفعها إلى

غرفة الزوج دفعاً وهي تهمس بصوت مسموع لماذا تجبريني يا سيدة زينب على الصلح معه...!

وهكذا نرى أن التبجج بالسيدة زينب إنما هو ستار للحب.والحكاية على طرافتها تبين بوضوح كيف أن كل طرف في

الخصام يحب بأن يتدخل طرف ثالث" (18)

وإذا رأى الحكمان من دراسة الأحوال –بعد بذل الجهد في جمع الشمل- أن استمرار الحياة الزوجية لا يعني إلا استمرار

الآلام فالفراق هو الحل وفيه الراحة على أن يكون فراقاً بالمعروف ينهى الخصومة ولا يزرع مشكلات جديدة تسقى في

دهاليز المحاكم. قال تعالى <وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته> (19)

أما إذا رأت المرأة من زوجها إعراضاً عنها أو خافت منه أن ينفر عنها فلها أن تسقط حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة

أو مبيت أو غير ذلك من حقوقها عليه إن كان هذا يرضي زوجها, وله أن يقبل ذلك فلا حرج عليها في بذلها ذلك له ولا

عليه في قبوله منها.

قال تعالى: <وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا> (20)والصلح خير من الطلاق كما جاء في الآية

الكريمة.

وتشير الآية الكريمة أيضاً أن الشح طبع في النفوس فقد جعلت حاضرة له مطبوعة عليه فتجد المرأة تشح نفسها ولا

تسمح بحقوقها التي لها قبل الرجل وترى الرجل شحيحاً لا يجود بحسن العشرة وطيب المعاملة, هكذا جبلت النفوس

وعلى هذا طبعت كما يقول خالقها.

لكن الله تعالى جعل الفلاح من نصيب أولئك الذين يخالفون شح نفوسهم ويقونها شر الوقوع فيه فقال: <ومن يوق شح

نفسه فأولئك هم المفلحون>

ومن هذا ما فعلته أم المؤمنين –سودة بنت زمعة- رضي الله عنها حين تنازلت عن ليلتها للسيدة عائشة رضي الله عنها

عندما أحست بميل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تطليقها بعد أن كثرت أعباؤه فخشي أن يقصر في حقوقها

فتنازلت عن حق مبيته عندها مؤثرة أن تبقى في عداد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فتم صلحها على هذا- ونعم ما

فعلت(21).

ومن الصور التطبيقية في هذا الجانب ما فعلته إحدى النساء حين رأت زوجها غاضباً لأن والدها لم يأت بستائر للمنزل

في جهازها فقالت لزوجها حين وجدته غضبان "لا تغضب فهذه أسورتي بعها واشتر بجزء من ثمنها الستائر التي

تعجبك فإن بقاء الأسرة خير من بقاء الأسورة". فما أحرى الأولياء والأزواج أن يعملوا جاهدين للوفاق والاتفاق دون أن

تكون الأموال من ذهب وفضة وأثاث وعقارات وبنايات سبباً للشقاق وافتعال المشكلات ثم الفراق فإن بقاء الأسرة خير

من بقاء الأسورة وليتقوا الله الذي يعلم السر وأخفى.

ولنتوسع قليلاً في معنى الآية السابقة فإن التعقيب بقوله سبحانه:<وأحضرت الأنفس الشح>هو في اصطلاح علماء

البلاغة كناية عن البخل وهو صفة من صفات الإنسان رجلاً أو امرأة لذلك دعانا القرآن الكريم للتخلص من سلطانه الذي

يضعف العلاقات الاجتماعية. ولهذا البخل صور كثيرة.

فقد يكون الشح في الزوج فعلى المرأة أن تكون هي الكريمة فلا تعامله بالمثل.

وقد يكون في الزوجة فيوصيها القرآن بأن تتخلص من سلطانه لأن الطلاق بيد الزوج لا بيدها. وعليها أن تقطع على

الزوج طريق الطلاق الذي تزينه له الماديات. وليس من خلق العاقلة أن تعقد بين حين وآخر مقارنة بين زوجها وبين غيره

ممن هو أكرم وأسخى فتتعب نفسها وأولادها. وقد حدث أن أولاداً استشعروا من موازنات كانت تعقدها أمهم بين

أبيهم وبين زوج أختها فرأوا فارقاً كبيراً فأصبحوا يتمنون الموت لأبيهم كي يستمتعوا بما جمعه من ثراء فلتحذر كل أم

من أن تفعل هذا. وقد يكون الشح شحاً بعواطف الخير وحبه للآخرين وهو الحسد المذموم إذ يكره بعض الرجال أو النساء

أن يروا زوجين سعيدين فيزيدون النار اشتعالاً إذا اشتركوا في إصلاح بين متخاصمين.

ولذلك نبه الحق سبحانه وتعالى إلى ما ينجم من طبيعة البخل بالمال أو بالعاطفة والتمنيات الطيبة من عواقب وخيمة,

وذكر (الشح) بعبارات مطلقة وإن كان المقام مقام ذكر شح المرأة بحقوقها التي لها عند الزوج من نفقة أو مهر أو م

سكن أو (مبيت) لأن العموم مقصود كالخصوص الذي نزلت فيه الآية الكريمة سواءً بسواء. فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص

السبب.

وإذا كان التعقيب من الله سبحانه وتعالى بقوله: <وأحضرت الأنفس الشح>عند الحديث عن حكمين من أقارب الزوجين

فكيف يكون الأمر في الأباعد..!؟

فما بالنا نشركهم في الصلح ونقيمهم مقام الحكمين وهم لا يمتون إلى الزوجين بصلة ممن يسمون بـ (الخبراء) في إصلاح

الأسرة. إنهم قوم يتلهون بأعراض الناس وأسرار العائلات.(22)

الطلاق لمرة واحدة:

"فإذا لم تجد كل الوسائل والأسباب المتقدمة فلا مندوحة عندئذ من الطلاق إذ (آخر الدواء الكي).

حيث لا يمكن أن يجبر مثل هذين على أن يعيشا زوجين وأن يكونا عضوين فاسدين في شركة الزوجية فإن بقاءهما

معاً يحيل الحياة الزوجية إلى جحيم.

وليس الغرض من الزواج أن يجمع بين قطبين سالبين في مكان واحد أو يجمع بين اثنين كل منهما يضمر شراً للآخر

وينغص عليه حياته ويتفنن في الكيد له والأولاد يتفرجون عليهما.

والشركة إذا تعادى فيها الشركاء وعمل كل عضو على إفساد مجرى الحياة فيها ثم أخفقت كل المحاولات لرأب الصدع

كان من الضروري فضها وإنهاؤها حتى لا تتعرض لخسارة أكبر أو للإفلاس.

فليس من الطبيعي إذاً أن نرغمهما على استمرار الحياة الزوجية ولا سلطان لعقد الزواج عليها, وتتصرف الزوجة كما

تشاء ثم إذا جاءت بولد كان من طبيعة العقد القائم أن تنسبه إليه والزوج يعلم من أين جاء وهي كذلك تعلم.

كما أن الزوج يتصرف حسب ما تمليه عليه شهوته ويعيث فساداً في نساء الناس وبناتهم لأنه محروم من زوجته فإذا حرم

أيضاً من الزواج الشرعي فإنه سيجد العذر في مثل هذا التصرف, وإن لم يكن معذوراً فيه...!

إن الأمر الطبيعي بعد بذل كل الجهود للإبقاء على الحياة الزوجية ثم إخفاقها أن يعالج الوضع أو الصدع بالطلاق لمرة

واحدة وتكون المرأة خلال العدة في بيت الزوج لعله يراجعها.

وفي هذه الحال يفضل الإسلام أن يراجع الزوج زوجته ويعود كل منهما للآخر ولذلك اعتبر هذا الطلاق رجعياً إذ يجيز أن

يراجع زوجته بكلمة أو فعل يدل على ندمه, ويعيد للزوجة اعتبارها وبقاءها كأن يقول (راجعت زوجتي) أو يعاشرها

معاشرة الأزواج – عند فريق من الفقهاء- على أن تكون المراجعة خلال مدة معلومة قدرها الشرع بثلاثة أطهار أو ثلاث

حيضات أو نحو ثلاثة أشهر هلالية ولا يشترط فيه رضي الزوجة ولا الإشهاد وله أن يراجعها حتى بعد هذه المدة ولكن

بعقد ومهر جديدين , ,أي مهر- مهما كان- كاف في صلاحية العقد, ويعود كل منهما للآخر ويستأنفان حياة جديدة بعد

هذه الهزة التي لا بد أن يستفيدا منها ويتعقلا" (23)

الحقوق المالية والاجتماعية المترتبة على الطلاق:

وقد رتب الإسلام على الطلاق من الناحيتين المالية والاجتماعية نتائج خطيرة وأبقى بسببه على كاهل الزوج أعباء

ثقيلة من شأنها أن تحمل الزوج على ضبط النفس وتدبر الأمر قبل الإقدام على الطلاق.

فقد قرر أنه يجب على الزوج إذا طلق زوجته أن يوفيها مؤجل صداقها ويقوم بالنفقة عليها من مأكل ومشرب وملبس

ومسكن ما دامت في العدة إذ تكون أثناءها في بيته.

وتكون حضانة أولادها الصغار لها ولقريباتها من بعدها كأمها مثلاً حتى يكبروا كما أنه يقوم بالنفقة على أولادها

وأجور حضانتهم ورضاعتهم في مرحلة الحضانة حتى لو كانت الأم نفسها هي التي تقوم بذلك. قال تعالى: <فإن

أرضعن لكم فأتوهن أجورهن>(24)


________________


(15)انظر بن كثير: 423:1.
(16)انظر: آيات الأحكام: محمد على الصابوني ج:1: 468.
(17)النذر لا يكون إلا الله ولكن يوهب ثوابه. وقد أوردنا الحكاية كما هي للأخذ بمغزاها دون الحكم الشرعي.
(18)انظر: تربية المسلم للشعراوي. بتصرف.
(19)سورة النساء: الآية 128.
(20)سورة النساء: الآية 128.
(21)انظر تفسير ابن كثير. والتفسير والواضح لمحمود حجازي.
(22)انظر التصور الإسلامي للمرأة. عبد المتعال الجبري. بتصرف. وكتاب أحكام الأسرة للشلبي وبداية المجتهد لمحمد بن رشد القرطبي وسبل السلام شرح بلوغ المرام للعسقلاني.
(23)انظر الإسلام والغرب وجهاً لوجه. د. عبد المنعم النمر. بتصرف. وكتاب أحكام الأسرة للشلبي وبداية المجتهد لمحمد بن رشد القرطبي وسبل السلام شرح بلوغ المرام للعسقلاني.
(24)سورة الطلاق: الآية: 6.