يتبع
جاء ضيف لأبي يوسف، وأثناء جلوسهم سقط الهاتف الجوال لأبي يوسف فانحنى لأخذه وانتبه عندها للسيف المكسور، عندما خرج الضيف، نادى ابنه ( لاحظوا الآن سيأخذ الأب دور المحقق ) صرخ قائلاً : ( يوسف وين سيفك الجديد ؟؟؟ ) .. قال : ( يمكن فوق ) قال : ( إيه يمكن فوق .. ما أشوفك يعني تلعب به ؟؟؟ ) قال الولد : ( ما أدري وينه ). قال الأب : ( ما تدري وينه ؟؟؟ دوّر عليه أبغى أشوفه هالحين ) – ارتبك يوسف – ذهب قليلاً .. رجع قال : ( يمكن أختي الصغيرة سرقته ) صاح الأب قائلاً : ( يا كذاب .. أنت كسرت السيف .. صح ولا لأ ؟؟؟ أنا شايفه هناك تحت الكنب .. شوف ترى أكره شيء عندي الكذاب )، وأَمْسَكَ يد ابنه وضربه، ويوسف يبكي، أخذته أمه، ونام ليلته ودمعته على خده لتكون هي هدية والده وليست السيف
في هذه القصة ظن الأب أنه معذور في ضرب ابنه؛ لأنه لا يريد أن يكون ابنه كذاباً، وهذا العذر غير مقبول نهائياً .. نقول له : ما الذي جعل يوسف يكذب غير أسلوك ؟؟!!! كان يكفيه أن يقول : ( أشوف سيفك انكسر يا يوسف ) يقول مثلاً : ( إيه كنت ألعب فيه وكسرته ) يقول الأب : ( خسارة لأن قيمته غالية ) .. وينتهي الأمر عند هذا الحد. وقتها يفهم يوسف عملياً أنه يستطيع التفاهم مع والده، وأن يقول مشاكله وهو مطمئن، وسيشعر بالخجل من نفسه ويحافظ على هدايا والده أكثر؛ لأن الأب أشعر يوسف بأنه مقبول رغم خطئه بكسر السيف
أهم أسباب الكذب
1- عدم الأمان
2- لا تقل يا بني الحقيقة
3- الكذب الخيالي
4- يا كذاب
5- أمي وأبي يكذبان أيضاً
1- أهم أسباب الكذب : الخوف وعدم الشعور بالأمان
عندما نستخدم أسلوب المحقق -كما رأينا- أو نستخدم العقاب الشديد أو النهر واللوم والصراخ بصوتٍ عالٍ عندما يتصرف بشكل خاطئ؛ فيكذب في هذه الأحوال للدفاع عن نفسه، والتخلص مما يخاف من العقوبة
علاج هذا النوع من الكذب، يكون باستخدام الحوار والتفاهم، والأهم إشعاره بالأمان، والسؤال هنا : هل يمكن للوالدين أن يشعرا أبناءهما بالأمان إذا لم يكونا يشعران أصلاً بالأمن والطمأنينة في قلبيهما ؟؟؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه، لذا ينبغي أن يتأملا أسباب عدم طمأنينتهما، سواء في صلتهما بالله أو علاقتهما الزوجية أو ما يتصل بالعمل .. فيبدآن أولاً بتحقيق الأمان والسكينة والطمأنينة لنفسيهما، والإكثار من الدواء الرباني، يقول علام الغيوب : " أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ "
2- من أسباب الكذب : ألا نسمح له بقول الحقيقة
خذ على سبيل المثال موقفاً قد نحتار فيه، عندما يقول الطفل لأمه : إنه يكره أخاه الجديد، يقولها لشعوره بالغيرة منه، قد تضربه أمه لقول الحقيقة وتقول له : عيب لا تقل هذا الكلام، أما إذا لف ودار وساير أمه، وأعلن كذبة واضحة بأنه حالياً يحب أخاه قد تكافئه أمه بحضنه أو قبلة .. فيستنتج الطفل أن الحقيقة تؤذي، وأن عدم الأمانة وعدم الصدق يفيد، والأم تكافئه، إذن فهي تحب الكذبات الصغيرة
العلاج لهذا النوع من الكذب ( لا تقل يا بني الحقيقة ) : قبوله بعيوبه والعمل على تعديلها، نعترف بمشاعره السلبية، ونظهر تفهمنا لها ونشعره باحترامنا لاستقلاليته، واستقلالية مشاعره عنا، وهذا كفيل -إن شاء الله- بزوالها، مع عدم لومه أو معاتبته عليها، مع العمل على علاج جذور المشكلة التي أدت إلى الشعور السلبي الذي رفضته الأم بطريقتها الخاطئة .. كانت المشكلة أنه يغار من أخيه، هذا الأخ سرق اهتمام والديه، وأكل الجو عليه، فيكون العلاج بعد قبوله بمشاعره السلبية، أن نعمل على تغييرها بإعطائه مزيداً من الاهتمام الصادق والمشاركة في اللعب والحديث وتحسين العلاقة بينه وبين أخيه بطريقة غير مباشرة مثلاً : ( أخوك يحتاجك .. أنت ستساعده .. هو يحتاج واحد يلعب معه .. أنت الذي ستفهمه .. أنت الذي ستعلمه .. أنت الذي ستساعدنا على تربيته ... إلخ )
3- من أسباب الكذب : ( الكذب الخيالي ) وهو عند الأطفال الصغار
لمدة معينة من حياة الغير، يعطي الطفل لنفسه ما يحتاجه من ( الأمان ) أو يتمناه من ( الحنان ) أو ( الهدايا ) من خلال الكذب الخيالي، فأكاذيبه هنا تتحدث عن مخاوفه وآماله، عندما يقول الطفل إن أحد أقاربه أهدى إليه سيارة حقيقية كسيارة والده، يمكن أن ندرك رغبته وآماله في ذلك، فنقول له : أنت تريد يكون عندك سيارة مثل سيارة أبيك .. صح .. أنت تريد يكون عندك سيارات كثيرة وسريعة .. جيد )، وهكذا مع مختلف الكذبات التي من هذا النوع .. أظهر تفهمك لما خلف الكلام من المشاعر والمعاني، وساعده على إظهارها والتعرف عليها وقبولها منه، واحذر من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها كثير من الآباء، سواء من السخرية بهذه الكذبات أو نهره عن هذا الكلام أو اتهامه بالكذب، هذا الاتهام بالكذب سيؤدي به مستقبلاً إلى السبب الرابع من أسباب الكذب
4- من أسباب الكذب : ( يا كذاب )
وهو أن يسمع والديه وهم يقولون له : يا كذاب، سواء بالتصريح أو التلميح بأنه بهذا الوصف
الذي يكون عندما نرسل له هذه الرسالة ( يا كذاب ) هو أن نخزن في عقله الباطن صورة الكذاب عن نفسه، فتحركه هذه الصورة نحو الكذب تلقائياً، خلاف ما لو كانت الصورة التي تطبعها في ذهن ابنك عن نفسه صورة مشرقة، كصورة المجاهد والعالم، الذي كانت إحدى الأمهات تذكر ابنها بها، وكانت هذه الصورة هي فعلاً الصورة التي بدأت تكسو شخصية هذا الابن وتحركه نحو الوصول إلى هذا الطموح الرائع
ولذلك يجب على الوالدين أن يخزنوا في عقل ابنهم أنه صادق .. وغيرها من الصفات الحميدة التي يريدون زرعها فيه، ويرسلوا هذه الرسائل باستمرار
5- من أسباب الكذب : ( أبي وأمي يكذبان أيضاً )
وهذه مصيبة في الحقيقة، قد يجد الابن والده يكذب على أمه، وأمه تكذب على والده ، والاثنان يكذبان عليه أو على إخوته ... وهكذا .. فيرث الابن الكذب ويكتسبه من هذا البيت ( بيت الكذابين )، وفضلاً عن أن يكون كذاباً فهو يفقد الثقة بأحاديث والديه معه .. قال الشاعر :
كذبت ومن يكذب فإن جزاءه *** إذا ما أتى بالصدق ألا يصدقا
فالابن لا يفقد الثقة في أحاديث والديه فحسب، بل المرّ والمؤلم أنه يفقد الثقة حتى في عواطفهم، ويفقد احترامه وتقديره لهما، وكل هذا بالغ الألم عليه وعلى والديه الذين لم يتبقَّ لهما شيء بعد كل الذي فقداه
الدين لا يفرق بين الكذب صغيره وكبيره، فكله كذب، كذلك الطفل، ولذلك يمكن للوالدين أن يسقطوا تاج الصدق عن رؤوسهم أمام أبنائهم بمداومة الكذب ولو في الأشياء الصغيرة .. وعلى من يكذب من الآباء أن يتذكر قول الله تعالى : " إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ " وعليهم أن يخشوا على أنفسهم الكذب وإثم تعليمه صغارهم فيشاركونهم الوزر كلما كذب هؤلاء الصغار مستقبلاً
أما إذا صحح الوالدان أو المبتلى منهما بالكذب .. هذا العيب الشنيع في نفسه، وصدق هو أولاً مع الله، ثم استمر الكذب عند الابن .. عندها يوجه الطفل توجيهاً مباشراً وهادئاً، ويخوفونه من صفة الكذب، وأن الله تعالى يقول : " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " وأنها من صفات المنافقين والفجّار، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمنا أن الكذب لا يكون في مؤمن، وأن خوفنا من الله جعلنا نتوب من الكذب ( لاحظ الاعتراف بكذبهم سابقاً )، وأنت أيضاً ستتوب من الكذب من هذه اللحظة، ثم اطلب من الطفل أن يتوضأ ويصلي ركعتين .. ويستغفر الله ( عشر مرات مثلاً )، وقل له : إنه كلما زاد فهذا أفضل، غالباً سيخبركم أنه استغفر أكثر فأظهر الفرح والإعجاب بذلك، وإن كان صغيراً لا يعرف الصلاة فيكفي الاستغفار - إن شاء الله - وابذل كل جهدك بعد ذلك لضبطه متلبساً بالصدق فتكرمه بتشجيعك وبالعفو عنه عند خطئه؛ لأنه صادق
والسلام عليكم ورحمة الله
المصدر : موقع المسلم