يتبع
هؤلاء الصالحون والصالحات اذا دعوا ربهم عرفهم كما عرفوه فاستجاب لهم ولا يخفى عليكم حديث الثلاثة الذين قص النبي صلى الله عليه وسلم علينا خبرهم وأنهم ثلاثة نفر كانوا في واد فاصابهم مطر فدخلوا في غار يختبئون من المطر اشتدت الريح وانحدرت صخرة عظيمة من اعلى الجبل حتى سدت عليهم الغار. فاذا الغار الذي ادخلوا فيه اغلق عليهم . بداوا يصيحون ويستغيثون فلا سامع لهم ولا مجيب. فاختلف بعضهم الى بعض وقالوا والله انه لن ينجيكم الى ما انتم فيه الا ان تدعوا الله بصالح اعمالكم فرفع احدهم يديه وقال اللهم اني كان لي ابنة عم احبها اعظم ما يحب الرجال النساء اردتها على الزواج فابت علي ولا زالت نفسي متعلقة بها قال حتى المت بها سنة من القحط اصابها فقر اقبلت الي وقالت يا فلان اعطني مالا قال لا والله حتى تمكنيني من نفسك قال ففعلت فاعطيتها مئة دينار فلما تمكنت منها قالت لي يا فلان اتق الله قال فتركتها وهي احب الناس الي وتركت المال لها. ثم قال اللهم ان كنت تعلم اني ما فعلت ذلك الا ابتغاء وجهك والتماس مرضاتك فافرج عنا ما نحن فيه فترحكت الصخرة عنهم. نعم هنا تظهر العبودية لله ويبرز الخوف من الله فيعظم قدر المرء عند ربه
وليبشر من عف عن المحرمات بظل عرش الرحمن يوم القيامة فإن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله . وهذا ليس خاصاً بالرجال بل حتى المرأة التي تُزين لها الفاحشة فتتركها خوفاً من الله هي في ظل عرش الرحمن يوم القيامة
تعرضت امرأة لأحد الصالحين فاخذت نفسه توسوس له أن يقع في الفاحشة ثم يتوب وكان أمامه سراج فيه فتيلة تشتعل. فقال : يا نفس أدخل أصبعي في هذا السراج فإن صبرت على حر هذه النارمكنتك مما تريدين ثم وضع أصبعه على لهيب النار فاضطرب من حرّها وسحب أصبعه فقال : يا نفس لم تصبري على حر هذه النار التي خففت سبعين مرة عن نار الآخرة فكيف تصبرين على عذاب الله تعالى!! نعم
فكم ذي معاص نال منهن لذة * ومات فخلاها وذاق الدواهيا
تصرم لذات المعاصي وتنقضي * وتبقى تباعات المعاصي كما هيا
فيـا سوأتا والله راء وسامع * لعبد بعين الله يغشى المعاصيا
ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه
ذكر الدمشقي في كتابه مطالع البدور عن أمير القاهرة في وقته شجاع الدين الشِّـرَزي قال : بينما أنا عند رجل وهو شيخ كبير شديد السمرة إذ حضر أولاد له بيض حسان فسألناه عنهم كيف يكون هؤلاء بيض وانت شديد السمرة فقال : هؤلاء أمهم إفرنجية ولي معها قصة فسألناه عنها فقال :
ذهبت إلى الشام وأنا شاب أثناء احتلال الصليبيين له واستأجرت دكاناً أبيع فيه الكتان فبينما أنا في دكاني إذ أتتني امرأة إفرنجية زوجة أحد قادة الصليبيين فرأيت من جمالها ما سحرني فبعتها وسامحتها في السعر. ثم انصرفت وعادت بعد أيام فبعتها وسامحتها فأخذت تتردد عليَّ وأنا أتبسط معها فعلمت أني أعشقها. فلما بلغ الأمر مني مبلغه قلت للعجوز التي معها : قد تعلقت نفسي بهذه المرأة فكيف السبيل إليها ؟فقالت : هذه زوجة فلان القائد ولو علم بك وبنا قتلنا نحن الثلاثة. فما زلت بها حتى طلبت مني خمسين ديناراً لتجيء بها إليَّ في بيتي .فاجتهدت حتى جمعت خمسين ديناراً وأعطيتها إياها . وانتظرتها تلك الليلة في الدار فلما جاءت إليَّ أكلنا وشربنا فلما مضى بعض الليل قلت في نفسي : أما تستحي من الله !! وأنت غريب وبين يدي الله وتعصي الله تعالى مع نصرانية !! فرفعت بصري إلى السماء وقلت : اللهم إني أشهدك أني عففت عن هذه النصرانية حياءً منك وخوفاً من عقابك. ثم تنحيت عن موضعها إلى فراش آخر فلما رأت ذلك قامت وهي غضبى ومضت. وفي الصباح مضيت إلى دكاني فلما كان الضحى مرت عليَّ المرأة وهي غضبى ووالله لكأن وجهها القمر حين مرت فلما رأيتها قلت في نفسي : ومن أنت حتى تعفَّ عن هذا الجمال؟ أنت أبو بكر أو عمر أم أنت الجنيد العابد أو الحسن الزاهد ثم بقيت اتحسّر عليها فلما جاوزتني لحقت بالعجوز وقلت لها : ارجعي بها الليلة فاقسمت العجوز بالمسيح ةفقالت : ما تأتيك إلا بمائة دينار. قلت : نعم . فاجتهدت حتى جمعتها ثم أعطيتها إياها . فلما كان الليل وانتظرتها في الدار . جاءت فكأنها القمر أقبل عليَّ فلما جلست حضرني الخوف من الله وكيف أعصيه مع نصرانية كافرة فتركتها خوفاً من الله. وفي الصباح مضيت إلى دكاني وقلبي مشغول بها . فلما كان الضحى مرت عليَّ المرأة وهي غضبى .فلما رأيتها لُمْتُ نفسي على تركها .وبقيت أتحسّر عليها فسألت العجوز .فقالت : ما تفرح بها ولا تمسها إلا بخمسمائة دينار أو تموت كمداً. قلت : نعم وعزمت على بيع دكاني وبضاعتي وان أعطيها الخمسمائة دينار. فبينما أنا كذلك إذ منادي النصارى ينادي في السوق يقول :
يا معشر من ها هنا من المسلمين إن الهدنة التي بيننا وبينكم قد انقضت وقد أمهلنا من هنا من التجار المسلمين أسبوعاً فمن بقي بعده هنا قتلناه فجمعت ما بقي من متاعي وخرجت من الشام وفي قلبي من الحسرة ما فيه ثم أخذت أتاجر ببيع الجواري عسى أن يذهب ما بقلبي من حب تلك ما فيه فمضى لي على في ذلك ثلاثُ سنين ثم جرت وقعة حطين واستعاد المسلمون بلاد الساحل وطُلب مني جارية للملك الناصر وكان عندي جارية حسناء فاشتروها مني بمائة دينارفسلموني تسعين ديناراً وبقيت لي عشرة دنانير فقال الملك :امضوا به إلى البيت الذي فيه المسبيات من نساء الإفرنج فليختر منهن واحدة بالعشرة دنانير التي بقيت له فلما فتحوا الدار رأيت صاحبتي الافرنجية فأخذتها فلما مضيت إلى بيتي قلت لها : تعرفينني ؟! قالت : لا قلت : أنا صاحبك التاجر الذي أخذت مني مائة وخمسين ديناراً وقلت لي : لا تمسني بي إلا بخمسمائة دينار هاأنا أخذتك مِلكا يمين بعشرة دنانير فقالت : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فأسلمت وحسن إسلامها فتزوجتها فلم تلبث أن أرسلت أمها إليها بصندوق فلما فتحناه فإذا فيه الصرتان التي أعطيتها في الأولى الخمسون ديناراً وفي الأخرى المائة دينار وفيه لباسها الذي كنت أراها فيه وهي أم اولادي هؤلاء وهي التي طبخت لكم هذا العشاء نعم ومن ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه
فهذا طرف من أخبار أهل العفة وهذه الطائفة لعفتهم أسباب :
أقواها إجلال الجبار ومراقبته في السر والعلن والخوف من الله تعالى فهو الذي وهبهم القوى والأسماع والأبصار والعبد قد يختفي من الناس ولكن أنى له أن يختفي من الله وهو معه. والمرأة العفيفة لا تهتك سترها ولا تدنس عرضها وإن كان في ذلك فقدان حياتها
ذكر الخطاب في كتابه عدالة السماء : أنه كان ببغداد قبل قرابة الأربعين سنة رجل يعمل جزاراً يبيع اللحم وكان يذهب قبل الفجر إلى دكانه فيذبح الغنم ثم يرجع إلى بيته وبعد طلوع الشمس يفتح المحل ليبيع اللحمز وفي أحد الليالي بعدما ذبح الغنم رجع في ظلمة الليل إلى بيته وثيابه ملطخة بالدم وفي أثناء الطريق سمع صيحة في أحد الأزقة المظلمة فتوجه إليها بسرعة وفجأة سقط على جثة رجل قد طعن عدة طعنات ودماؤه تسيل والسكين مغروسة في جسده فانتزع السكين ثم أخذ يحاول حمل الرجل ومساعدته والدماء تنزف على ثيابه لكن الرجل مات بين يديه فاجتمع الناس فلما رأوا السكين في يده والدماء على ثيابه وراوا الرجل فزع خائف اتهموه بقتل الرجل ثم حكم عليه بالقتل فلما أحضِر إلى ساحة القصاص وأيقن بالموت صاح بالناس وقال : أيها الناس أنا والله ما قتلت هذا الرجل لكني قتلت نفساً أخرى منذ عشرين سنة والآن يقام عليَّ القصاص ثم قال : قبل عشرين سنة كنت شاباً فتياً أعمل على قارب أنقل الناس بين ضفتي النهر وفي أحد الأيام جاءتني فتاة غنية مع أمها فنقلتهما ثم جاءتا في اليوم التالي وركبتا في قاربي ومع الأيام بدأ قلبي يتعلق بتلك الفتاة وهي كذلك تعلقت بي خطبتها من أبيها لكنه أبى أن يزوجني لفقري ثم انقطعت عني بعدها فلم أعد أراها ولا أمها وبقي قلبي معلقاً بتلك الفتاة وبعد سنتين أو ثلاث كنت في قاربي أنتظر الركاب فجاءتني امرأة مع طفلها وطلبت ان انقلها إلى الضفة الأخرى فلما ركبت وتوسطنا النهر نظرت إليها فإذا هي صاحبتي الأولى التي فرق أبوها بيننا ففرحت بلقياها وبدأت أذكرها بسابق عهدنا والحب والغرام لكنها تكلمت بأدب وأخبرتني أنها قد تزوجت وهذا ولدها فزين لي الشيطان الوقوع بها فاقتربت منها فصاحت بي وذكرتني بالله لكني لم ألتفت إليها فبدأت المسكينة تدافعني بما تستطيع وطفلها يصرخ بين يديها فلما رأيت ذلك أخذت الطفل وقربته من الماء وقلت إن لم تمكنيني من نفسك غرقته فبكت وتوسلت لكني ما التفت إليها وأخذت أغمس رأس الطفل فإذا أشفى على الهلاك أخرجته وهي تنظر إليّ وتبكي وتتوسل لكنها لا تستجيب لي فغمست رأس الطفل في الماء وشددت عليه الخناق وهي تنظر وتغطي عينيها والطفل تضطرب يداه ورجلاه حتى خارت قواه وسكنت حركاته فأخرجته فإذا هو ميت فألقيت جثته في الماء. ثم أقبلت عليها فدفعتني بكل قوتها وتقطعت من شدة البكاء
فسحبتها بشعرها وقربتها من الماء وجعلت أغمس رأسها في الماء وأخرجه وهي تأبى عليَّ الفاحشة
فلما تعبت يداي غمست رأسها في الماء فأخذت تنتفض حتى سكنت حركتها وماتت فألقيتها في الماء ثم رجعت ولم يكتشف أحد جريمتي وسبحان من يمهل ولا يهمل.
ثم قتل
فتأملوا في حال هذه الفتاة العفيفة التي يقتل ولدها بين يديها وتموت هي ولا ترضى بهتك عرضها
أين هذه العفة من فتيات اليوم تبيع إحداهن عرضها بمكالمة هاتفية أو هدية شيطانية وتنساق وراء كلام معسول من فاسق أو تنجرّ وراء شبهة من منافق.
ومن اسباب العفة الرغبة في دار الأخرى فيها متع عظيمة والتفكر في الحور الحسان في دار القرار فإن من صرف استمتاعه في هذه الدار إلى ما حرم الله عليه قد يمنعه من الاستمتاع هناك قال صلى الله عليه وسلم : ( من يلبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة ) فلا يكاد يُجمع للعبد بين لذائذ الدنيا المحرمة ولذائذ الآخرة الدائمة. فمن تلذذ بشرب الخمر ولبس الحرير وتمتع بما حرم الله عليه من النساء والصبيان في الدنيا خُشي عليه أن يحرم من مُتع الآخرة. ومن تعلقت نفسه بالجنة وما أعدَّ الله فيها من المتع هانت عليه متع الدنيا .وكذلك من اشتاقت نفسها إلى الجنة وما فيها من زيادة حسن وجمال لها لم تدنس عرضها في الدنيا .ويكمل الجمال ويزين للمؤمنات في الجنة. تكون المؤمنة في الجنة أكمل وأجمل. نعم إذا كان الله تعالى قد وصف الحور العين بما وصف. وهن لم يقمن الليل ولم يصمن النهار فما بالك بجمالك أنت وحسنك وبهائك وأنت التي طالما خلوت بربك في ظلمة الليل يسمع نجواك ويجيب دعاك .طالما تركت لأجله اللذات وفارقت الشهوات. قال الله { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم } فعلق نفسك بجمال آخر في الجنة وعلقي نفسك به واسمع واسمعي صفات عرائس الجنات ثم اختر لنفسك يا أخا العرفان
حور حسان قد كملن خلائقا * ومحاسنا من أجمل النسوان
كملت خلائقها وأكمل حسنها * كالبدر ليل الست بعد ثمان
والشمس تجري في محاسن وجهها * والليل تحت ذوائب الأغصان
حمر الخدود ثغورهن لآلأ * سود العيون فواتر الأجفان
والبرق يبدو حين يبسم ثغرها * فيضيء سقف القصر بالجدران
ولقد روينا أن برقا ساطعا * يبدو فيسأل عنه من بجنان
فيقال هذا ضوء ثغر ضاحك * في الجنة العليا كما تريان
لله لاثم ذلك الثغر الذي * في لثمه إدراك كل أمان
الى هنا انتهى الجزء الثالث وللحديث بقية وإن شاء الله أحد يحس بنا ويرد
تحياتي
حائزة الأمل
التعديل الأخير تم بواسطة حائزة الأمل ; 17-06-2006 الساعة 02:45 AM