الجزء الرابع والأخير
وروى ابن أبي الدنيا والخطيب في تاريخه : عن يزيد الرقاشي قال بلغني أن نورا سطع في الجنة حتى لم يبق موضع في الجنة إلا دخل من ذلك النور فيه فقيل ما هذا فيقال حوراء ضحكت في وجه زوجها
هذا جمال ثغرها وتلك حلاوة بسمتها والمعصمان
فإن تشأ شبههما * بسبيكتين عليهما كفان
كالزبد لينا في نعومة ملمس أصداف در دورت بوزان
لا الحيض يغشاه ولا بول ولا * شيء من الآفات في النسوان
وإذا يجامعها تعود كما أتت * بكرا بغير دم ولا نقصان
أقدامها من فضة قد ركبت * من فوقها ساقان ملتفان
والريح مسك والجسوم نواعم * واللون كالياقوت والمرجان
وكلامها يسبي العقول بنغمة * زادت على الأوتار والعيدان
بكر فلم يأخذ بكارتها سوى *المحبوب من انس ولا من جان
يعطى المجامع قوة المائة التي* اجتمعت لأقوى واحد الانسان
وأعفهم في هذه الدنيا هو *الأقوى هناك لزهده في الفاني
فاجمع قواك لما هناك وغمض* العينين واصبر ساعة لزمان
ما هاهنا والله ما يسوى قلا * مة ظفر واحدة ترى بجنان
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فان * تفعل رجعت بذلة وهوان
وإذا بدت في حلة من لبسها * وتمايلت كتمايل النشوان
تهتز كالغصن الرطيب وحمله * ورد وتفاح على رمان
وتبخترت في مشيها ويحق ذا * ك لمثلها في جنة الحيوان
ووصائف من خلفها وأمامها * وعلى شمائلها ومن أيمان
كالبدر ليلة تمه قد حف في * غسق الدجى بكواكب الميزان
فلسانه وفؤاده والطرف في * دهش وإعجاب وفي سبحان
فالقلب قبل زفافها في عرسه * والعرس إثر العرس متصلان
حتى إذا ما واجهته تقابلا * أرأيت إذ يتقابل القمران
فسل المتيم هل يحل الصبر عن * ضم وتقبيل وعن فلتان
وسل المتيم أين خلف صبره * في أي واد أم بأي مكان
وسل المتيم كيف عيشته إذا * وهما على فرشيهما خلوان
وسل المتيم كيف مجلسه مع* الــمحبوب في روح وفي ريحان
وتدور كاسات الرحيق عليهما * بأكف أقمار من الولدان
يتنازعان الكأس هذا مرة * والخود اخرى ثم يتكئان
فيضمها وتضمه أرأيت* معشوقين بعد البعد يلتقيان
غاب الرقيب وغاب كل منكد * وهما بثوب الوصل مشتملان
أتراهما ضجرين من ذا العيش لا * وحياة ربك ما هما ضجران
هذا حالهما ولا يمل أحدهما من الآخر :
ويزيد كل منهما حبا لصا * حبه جديدا سائر الأزمان
ووصاله يكسوه حبا بعده * متسلسلا لا ينتهي بزمان
فالوصل محفوف بحب سابق * وبلاحق وكلاهما صنوان
هذا والله النعيم الحقيقي أما نعيم الدنيا ومتعتها فمهما طالت فهي منقطعة
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الذل والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار
قال الله : { أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون }
هذا هو النوع الأول من العاشقين والعاشقات الذين تعلق كل جنس منهم بالجنس الآخر أما النوع الثاني من العشاق فهم من شذوا عن الفطرة فعشق الشاب شاباً مثله والفتاةُ فتاةً مثلها وهؤلاء أعظم شذوذاً وأكثر ضلالاً وقد ذكر الله خبرهم في القرآن وأن لوطاً صاح بهم وقال { أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } وإذا وقعت هذه الفاحشة كادت الأرض تميد من جوانبها والجبال تزول عن أماكنها ولم يجمع الله على أمة من العذاب ما جمع على قوم لوط فإنه طمس أبصارهم وسوّد وجوههم وأمر جبريل بقلع قراهم من أصلها ثم قلبها عليهم ثم خسف بهم ثم أمطر عليهم حجارة من سجيل قال عز من قائل : { فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل } جعلهم آية للعالمين وموعظة للمتقين ونكالا للمجرمين إن في ذلك لآيات للمتوسمين . أخذهم على غرة وهم نائمون فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ذهبت اللذات وأعقبت الحسرات وانقضت الشهوات. تمتعوا قليلاً وعذبوا طويلاً وأعقبهم عذابا أليماً. ندموا والله ولا ينفع الندم وبكوا بدل الدموع الدم فلو رأيتهم والنار تشوي وجوههم وتخرج من أفواههم وأنوفهم وهم بين أطباق الجحيم يشربون كؤوس الحميم ويقال لهم وهم على وجوههم يسحبون ذوقوا ما كنتم تكسبون { إصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون } وما هي من الظالمين ببعيد نعم هذا حال هؤلاء الفساق وبعض الشباب قد يتساهل بمثل ذلك بل قد يظهر منه ما يدلّ على استدعائه لذلك. كم نرى من الشباب المائعين في حركاتهم وضحكاتهم بل وأسلوب الكلام وطريقة المشي إضافة إلى لبس الملابس الضيقة او الثوب الضيق المخصّر واستعمال العطورات المنوّعة والاعتناء الزائد بالمظهر وقصة الشعر نرى أحياناً هذه المظاهر في بعض المدارس وفي الشوارع وفي بعض الكليات فلماذا يفعل هذا الشاب ذلك؟
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد صح عنه فيما رواه الترمذي : ( إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط ) وصح فيما رواه ابن حبان : ( لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط ) وصحّ في مسند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) أما الصحابة فكانوا يحرقون اللوطية بالنار
وقال ابن عباس: اللوطي إذا مات من غير توبة مسخ في قبره خنزيراً. ومن كان قد أسرف على نفسه ووقع في شيء من ذلك فليسارع إلى التوبة والاستغفار والإنابة إلى العزيز الغفار فان الله تعالى يفرح يتوبة التائبين اليه .والتوبة أمرها يسير ولا يلزم من وقع في الفاحشة أن يسلم نفسه ليقام عليه الحد بل يتوب بينه وبين ربه ويستتر بستر ربه
وإن كانت الفتاة قد وقع لها صور أو تسجيل تهدد بها فلا يمنعها ذلك من التوبة بل تستعين بثقة من أهل العلم والدين ولا تستجيب للتهديد والوعيد بل حتى لو وقعت الفضيحة فإن خزي الدنيا أهون من خزي الآخرة
هذه أنواع المحبة ولا ننسى أقواماً من المحبين سمت نفوسهم عن التعلق بمحبة الخلق إلى التعلق بمحبة الخالق جل جلاله يحبهم ربهم ويحبونه . ربهم أحبّ إليهم من أهلهم وأموالهم وأنفسهم طالما تملقوا إليه في الأسحار وبكوا من خشيته في النهار اشتاقوا إلى رؤيته وتقطعت قلوبهم من عظم محبته
هؤلاء الصالحون لهم شهوات نعم لهم شهوات وفيهم غرائز لكنها سمت وارتفعت عن المعاصي قال محمد بن سيرين : ما غشيت امرأة في يقظة ولا منام غير أم عبد الله وإني أرى المرأة في المنام فتعجبني فأذكر أنها لا تحلّ لي فأصرف بصري عنها. فكن من هؤلاء القوم تفلح وإنما الدنيا ساعة فاجعلها طاعة
وختاماً أيها العاشقون والعاشقات ما هو العلاج من هذا الداء ؟ العلاج سهل ميسور لكنه يحتاج إلى جزم وإصرار .
أول العلاج : أن تعلم أنه لا اختيار لك في إطلاق بصرك نعم لا اختيار لك هل تنظر أم لا تنظر بل يجب عليك أن تصرف بصرك فوراً فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وإطلاق البصر باب من أبواب النار
ثانياً : مجاهدة النفس لترك هذا الفعل المحرم وصرف النفس عن التفكير فيه وتذكر ما يبغضك في هذا المعشوق .قال عبد الله بن مسعود : إذا أعجبت أحدكم امرأة فليتذكر مناتنها . يعني : يتذكر رائحة فمها الكريهة وغائطها وبولها ويتذكر قيئها الذي يملأ فمها ومخاطها الذي يقذر أنفها ويتخيل حالها لو أصابها جدري أو جذام . واعلم أن الشيطان يزين لك المعشوق وإن كان قبيحاً. ذُكر أن أحد الشعراء كان فاسقاً ماجناً . فكان ان اراد يفعل بامراة فاحشة دعاها الى نفسه فان ابت هددها بان ينشيء فيها شعرا يهجوها به كثير من الغلمان. فدعا يوما امراة الى فاحشة فابت عليه فلما هددها بذلك اظهرت له الموافقة وقالت له انا اتيك في مكان كذا وكذا ولكني امراة استحي فلا تشعلن سراجا ولا تحدثني . قال نعم. فلما اقبل الليل وذهب الرجل الى ذلك المكان ذهبت هذه المراة الى زوجة هذا الشاعر واخبرتها بالقصة وقالت اذهبي انتي اليه فذهبت زوجته اليه ثم دخلت عليه هذه الدار المظلمة ثم لما انتهى منها وانتهى من وطئها قالت له يا فلان اما عرفتني انا فلانة. فقال لها اعوذ بالله ، ما أقبحك في الحلال وألذك في الحرام !!
وذكر ابن الجوزي في المواعظ : أن شاباً فقيراً كان بائعاً يتجول في الطرقات فمرّ ذات يوم ببيت فأطلت امرأة وسألته عن بضاعته فأخبرها فطلبت منه أن يدخل لترى البضاعة فلما دخل أغلقت الباب ثم دعته إلى الفاحشة فصاح بها فقالت : والله إن لم تفعل ما أريده منك صرخت فيحضر الناس فأقول لهم هذا الشاب اقتحم عليَّ داري فما ينتظرك بعدها إلا القتل أو السجن فخوّفها بالله فلم تنزجر فلما رأى ذلك
قال لها : أريد الخلاء .قالت نعم. فلما دخل الخلاء : أقبل على الصندوق الذي يُجمع فيه الغائط وجعل يأخذ منه غائطا ويلقي على ثيابه ويديه وجسده ثم خرج إليها فلما رأته صاحت وألقت عليه بضاعته وطردته من البيت فمضى يمشي في الطريق والصبيان يصيحون وراءه : مجنون مجنون حتى وصل بيته فأزال عنه النجاسة واغتسل فلم يزل يُشمُّ منه رائحة المسك حتى مات
وكذلك من العلاج الإقبال على الله تعالى ومصاحبة الصالحين وتقوية العلاقة بالله بالإكثار من قراءة القرآن والمحافظة على صلاة الوتر وحضور مجالس الذكر وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي : ( ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها )
ومن العلاج : الابتعاد عما يذكرك بهذه المعاصي فلا تجالس أهلها وإن كان عندك صور تذكرك بها فأتلفها وأحرق كل ما لديك من رسائل وأشرطة
ومن العلاج الابتعاد عن الأماكن التي يختلط فيها الرجال بالنساء سواء في الأسواق أو الجامعات أو غير ذلك ولا تكن ممن يبيع دينه بعرض من الدنيا
ومن العلاج : الابتعاد عن المثيرات من الأفلام والصور الفاتنة والقصص والروايات التي تذكر العشق والغرام
ومن العلاج : إدامة ذكر الله على جميع الأحوال في الصباح والمساء وعند النوم
ومن العلاج : مفارقة بلاد المحبوب والسفر إلى بلد آخر فإن البعيد عن العين بعيد عن القلب وإن كان المحبوب زميلاً في مدرسة أو كلية أو وظيفة فابحث عن مكان آخر ومن يتق الله يجعل له مخرجاً
ومن العلاج : ملء وقت الفراغ بالنافع المفيد
ومن العلاج : الزواج فإنه الطريق الشرعي لحماية الفطرة ونشر الفضيلة ولا تقل لا أريد إلا فلانة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أعجبت أحدكم امرأة فليأت أهله فإن معها مثل الذي معها )
وأنبه هنا إلى أن تقصير أحد الزوجين في حق الآخر وعدم مشاركته في عواطفه يجعله يبحث عن بديل فيبدأ الرجل يتطلع إلى من يفرغ فيه عواطفه وتبدأ المرأة تميل مع كل من يتلطف معها أو يلين لها الكلام
ولا بأس من استعمال الطب في العلاج من الزنا اومن اللواط خاصة . فابدأ حياة جديدة من هذه الساعة
قبل أن تقوم قيامتك وجهنم قد سعرت والأغلال قد نصبت والزبانية قد أعدت ؟! وأنت تبكي وتقول : كيف كنت أتتبّع الشهوات وأواقع الملذات قد غرّني فيما مضى شبابي وجمال سيارتي وثيابي وقد عظمت كربتك وذهبت قوتك آهٍ إذا زلت يوم القيامة القدم وارتفع البكاء وطال الندم والله لو علمت ما وراءك لما ضحكت ولأكثرت البكا
قد حفت الجنة بالمكاره والنار بالذي النفوس تشتهي
وإن عملت سيئاً فاستغفر وتب إلى الله بداراً يغفر
وبادراً بالتوبة النصوح قبل احتضار وانتزاع الروح
أسأل الله تعالى أن يخلص محبتنا له وفيه عز وجل وأن يعيذنا جميعاً من الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يجعل حبنا له سبحانه فوق كل حب وطاعتنا له فوق كل طاعة وأن يجعلنا ممن يتبعون الحق إذا تبين لهم آمين
منقول
تحياتي
حائزة الأمل