كان صباحا مختلفا ....في كل تفاصيله ...منذ أن فتحت عيناي وصوبت نظراتهما نحو خزانتي...التي كنت أتجاهلها وأجاهد عيني أن تسقط نظراتها عليها ....مهما كانت حاجتي إلى ما فيها...هي الخزانة الوحيدة منذ انفصالنا التي لا تعرف إلا يدي الخادمة...!!كنت اعلم انه هناك لحظة مجنونة ستجعلني اقفز إليها ....وافتحها بقوة وكأني أريد أن اكسر خوفي...في أن أواجه ما بداخلها....!! أحسست ذلك الصباح أن خيوط الشمس كانت أقوى من قبل في أن تخترق جليد قلبي وتذيب كل ما تجمد داخله من حب وكره وخوف ويأس...!!...كانت ألبوماتي مرتبة مثلما تربت الأحداث في حياتي....البوم خطبتي أولا ومن ثم عقد القران انتهاء إلى الزواج!!...حملتها جميعا...بين يدي..لم اشعر من قبل وأنا احملها بثقلها....الذي الم ذراعي....نعم تلك قصة الفرح والسعادة معا....لم أكن أنا من يحملها سابقا بل كان فرحي وسعادتي تطير بها إلى أول صديقة تطلب أن تشاهدها..أو إلى نفسي التي تعشق الصور عشق أزليا حتى أن صوري بالإمكان أن تسرد قصة حياتي من غير حرف واحد..!!
والآن فقط ثقل الوجع الذي بنفسي هو من يحكم تفاصيل حياتي....!! ألقيت بهم جميعا على السرير...نشرت جميع الصور عليه وكأني انشر قصة حياة....من ثلاثة فصول فقط...لم تعرف غير نزف الألم.....!! غطت سريري بأكمله ولم يبقى مكانا خاليا وكأنها تخبرني انه لا يوجد بحياتك حيزا لتفاصيل أخرى.....!! كانت تحكي حكاية مثل كل الحكايات التي نسمعها كل يوم....!! لم أكن أتصور يوما أني سأقرأ صوري ...لم أكن أتخيلها أنها ستخبرني الحقيقة كاملة....كانت تتنقل عيناي بين نظراتي ونظراته....!! بين نظرة لمع فيها الحب...ورقصت بداخلها الفرحة....وبين نظرة ضيعت الصدق..,وتوارى بداخلها الكذب....!! كنت في اغلب الصورة مبتسمة....!! تذكرت تحذير أخواتي لي بان لا ابتسم كثيرا...وكأني على قولهم ما صدقت....!! ولكن ذلك أنا عندما أكون ممسكة بالسعادة بين يداي لا اعرف إلا ان أكون باسمة....!! كل صورة كانت تحكي موقف ..ظريف....كنا بعد الزواج نتذكره ونضحك عليه....وكيف أني كنت ارفض توجيهات المصورة....وكأننا دمى تحركها كيفما تشاء...بينما هو كان مستمتعا..بأوامرها...لاسيما إنها كانت توصله إلى ما يريده....!!!
توارت إحداهن خلف الأخرى وكأنها تهرب من عيناي خجلا لان لا اكشف زيفها إنها الصورة التي وضعتها مقلوبة في البوم صور الزفاف خجلا من تلك القبلة التي أخذتها غصبا عني وقد بدا واضحا علي كيف أني لم أكن راضية وليس إلا خجلا منك ومن تلك المصورة المجنونة....كنت اخبأها وكأني فتاة تخبئ رسائل حبها في صندوق أسرارها ...!! لم أكن أريد في تلك اللحظة إلا أن أمزقها وكأني أمزق نفسي الساذجة ...!! وتلك أخرى كان لابد لي أن انفض عنها غبار الذكريات المتهرئة....! اتسعت عيناي دهشة وذعرا وأنا أرى ضحكتك المصطنعة تقفز من إطار الصورة لتهز جدران غرفتي بصوتها المزعج الساخر مني ومن أشلاء نفسي الملقاة في كل مكان...!!! وفي تلك الصورة الجماعية لأهلي واهلك...بحركة لاإرادية أمسكت بهما ووضعتهما جنبا لجنب ...!! وكأني ابحث عن الفروق السبعة بين الصورتين...!! كنت أرى في احتضان أمي وأخواتي...أنشودة حب وحياة ..تسرقني إلى داخل الصورة إلى تلك اللحظة التي كنت اسمع فيها دعائهم ودقات قلبهم الفرحة وكأنها هي تلك الخلفية التي أظهرت روعة تلك الصورة...أما في الأخرى فكنت أتوسل الشمس لتزيد من سطوعها علها تكشف ذلك الغموض الذي وقع في أسفل الصورة...!!! سقطت دموعي كثيرة منهمرة ....لم امنعها من أن تمزج ألوان تلك الصور وكأنها تمزج كل أحاسيسي في لحظة واحدة....تعالت شهقاتي لتشتت كل أغنية رافقت كل صورة.....!! وأصبحت غرفتي كمدينة استيقظت بعد أخر ليلة في حربها....تتنهد الوجع الذي طالما رافقها...وتطلق سراح الأمل الذي سجن بداخلها...!!
واستيقظ أنا كشجرة باتت ليلتها في حضن إعصار لم يقوى على كسرها....حتى وان اسقط جميع أوراقها....!!!