عزلة الرجل وشكوى المرأة
الرجل عندما يود أن يفكر , أو عندما يكون قلقاً , أو عندما يود التوازن في حبه . فإنه يذهب إلى مايمكن أن نسميه تجاوزا ( الكهف ) ويعتزل الناس فيبحث عن الحلول أو يسترخي أو يعيد التوازن في حياته النفسية . إنه عندما يفعل ذلك يشعر بالارتياح . وإذا لم يستطيع إيجاد الحلول فإنه يلهي نفسه بأشياء أخرى حتى ينسى همومه تلك. هذه هي الطريقة التي تعلم (( الرجل )) أن يسلكها عند وجود الضغوط .
إن المرأة لا تفهم ذلك , لأنها في عندما تود أن تفكر, أو عندما تكون قلقة , أو عندما تود استشعار حبها أو توازنها , فإنها تتكلم فتفكر بصوت عال , وتبث قلقها , وتتناقل الكلام .
يجب أن تدرك المرأة أن الرجل يحتاج إلى أن يختلي بنفسه كي يرتب أوراقه ويعيد حساباته , المرأة قد تسيء تفسير سكوت الرجل وذلك وفق مشاعرها ذلك اليوم أو تلك الليلة , والأسوأ أن تظن : (( إنه لا يحبني ... إنه يكرهني ... سوف يتركني ... ما الذي صنعت .. )) . وهذا قد يشعل خوفها الكبير من الرفض : (( أنا خائفة من أن لا يهتم بي ( يرفضني) , وبعدها قد لا أجد من يحبني.. ربما أنا لا أستحق أن أكون محبوبة )) .
ويجب أن يدرك الرجل أن زوجته عندما تكون متضايقة أو متوترة أو حزينة فإنها تود أن تتحدث , وهي بالكلام تتحسن . وهي عندما تتكلم فإنها لا تشكي منه , أو تتهمه في عدم حسن إدارته , أو تتذمر من واقعها بالضرورة , لكنها تتكلم لتتحسن . الرجل يسيء فهم المرأة عندما يفسر كلامها بأنه نقد له أو لإدارته أو لمقدرته .
الاحتياجات الرئيسية للجنسين
(1) الثقة والرعاية : أن تثق المرأة بالرجل يعني أنها تؤمن بأنه يفعل ما بوسعه وأنه يريد الأفضل لزوجته , فهو يجتهد وهي تثق باجتهاده . وأن يرعى الرجل المرأة يعني أنه يظهر اهتماماً تجاه مشاعرها وأحاسيسها . والرجل عندما يظهر ذلك فإنها تشعر بأنه فعلاً يهتم بها وبذلك فهو يحبها , وهي في المقابل تثق به , والمرأة عندما تثق بالرجل واجتهاداته وقدراته ونواياه , فإنه يشعر بحبها له , لذا فهو يبدي الاهتمام بمشاعرها تلقائياً .
(2) القبول والفهم : أن تقبل المرأة الرجل يعني أنها تستقبله وترضاه دون محاولة تغييره .هي عندما تفعل ذلك , فإنه مقبول , وهي عندما تحاول تغييره فإنه يشعر أنه غير مقبول عندها , إن هذا المعنى لا يعني أنها تعتقد أنه كامل وخال من النقص , لكن يعني أنها ليست هناك من أجل تطويره , وأن ذلك ليس من اختصاصها , بل إن ذلك اختصاصه ومسؤوليته هو .
وأن يتفهم الرجل المرأة يعني أنه يستمع إليها دون حكم . بل يستمع بتعاطف ويربط بين كلماتها ومشاعرها . التفهم لا يعني أن الرجل يعرف ما يدور في عقل المرأة , بل إنه يستمع ويجمع المعاني ليحسن الاتصال .
إن الرجل عندما يتفهم زوجته دون أحكام فإنها تتقبله تلقائياً دون شروط , والمرأة عندما تتقبل زوجها دون شروط فإنه يستمع إليها ويتفهمها دون أحكام .
(3) التقدير والاحترام : هذه النقطة حساسة جداً , خاصة في المجتمع العربي , ذلك أن الإسلام قد فرض على الزوج القوامة والنفقة , ولا شك أن هذا الحكم قد فرض على الزوج القوامة والنفقة , ولا شك أن هذا الحكم قد نظم أموراً مهمة في الحياة , لكن الناس قد تسيء استخدامه , فالزوجة عندما لا تقدر , وأن هذا الفعل يجب أن يعمله غصباً . وبالتالي يشعر أنها لا تحبه , هي فقط تستفيد منه . ولذا نبه الحديث إلى امرأة يحسن لها الرجل طوال حياته بتوفير المنزل لها ورعاية أولادها مادياً وتحمل المسؤولية وتحمل مهمة القوامة , ثم ترى منه أمراً فتقول له : (( لم ار منك خير قط )) فذلك كما سماه الحديث الكفران , أي الجحود بحق العشير , فينبغي شكر الزوج وتقديره على تحمله المسؤولية وعلى توفير المنزل والنفقة وما يقوم به من الواجبات المفروضة.
والرجل عندما ينسى إنسانية المرأة وأنها محترمة قد كرمها الله حتى وإن هو أنفق عليها أو أعطي حق القوامة , إنه عندما ينسى ذلك , فإنه يخدش وضع الأسرة العام . ولهذا نبه الحديث النبي في قوله (( خيركم خيركم لأهله )) أي خيركم تقديراً ومعاملة وخلقاً .
إن الرجل يحتاج إلى التقدير والمرأة تحتاج إلى الاحترام . عندما يقدر الرجل لأعمال يقوم فيها للبيت ولأهله , فإنه يشعر بأن جهده لا يذهب هباء , كما أنه يشعر بالدعم , لذا فهو يكرر العطاء لأنه يرى ردة الفعل الإيجابية . والرجل عندما يقدر فإنه تلقائياً يحترم الطرف الآخر, وهي عندما تشعر بالاحترام تقدر الطرف الثاني تلقائياً .
(4) الإعجاب وإعطاء الأولوية أو الأفضلية : لدى الرجل حاجة خفية لأن يشعر بأن هناك معجبين به . هذا النداء الخفي إذا لم تسده الزوجة فإنه يظل يبحث عنه في مكان آخر. الرجل يشعر بالإعجاب عندما تقدر المرأة ميزاته الشخصية أو مواهبه . هذا قد يشمل قوته , دعابته , فهمه , عزمة , اعتزازه بنفسه , صدقه , كرمه , حبه , عطفه , أسلوبه .... إلى غير ذلك إن الرجل عندما يشعر بأن هناك إعجاباُ من قبل زوجته فإنه هنا يشعر بأنه آمن لأنه يعطي زوجته كل مالديه ويجعلها هي الأولوية في حياته وإلى الأبد .
ولدى المرأة رغبة خفية بالحاجة لأن تكون المتسلطة على قلب الرجل , هذه الحاجة ينبغي أن تسد وإلا فإن المشاعر البديلة كالغيرة والتنكيد أو البرود تكون خياراً . إن المرأة عندما تشعر بأنها مفضلة وأنها الهدف الخاص في حياته , فهو لا يفضل عليها العمل أو الولد أو الأصحاب , فإنها تلقائياً تبدأ تعجب به .
(5) الإقرار والثبات : يقول د : جون جيري : (( في داخل أعماق كل رجل رغبة بأن يكون بطل أو فارس زوجته , علامة أنه نجح في اختبارها أن يحصل على إقرارها )). الذي نقصده بالإقرار هو الموافقة على نواياه واجتهاداته , ولا يعني هذا بالضرورة الموافقة على كل عمل يقوم به , فقد يكون العمل خطأ , لكن المقصود هو البحث عما وراء السلوك نفسه لمعرفة النية الصالحة , ثم موافقته على اجتهاده . والرجل عندما يحصل على إقرار زوجته له فإنه تلقائياً يعطيها الإثبات لمشاعرها وأحاسيسها
والرجل عندما لا يتعرض على مشاعر زوجته ورغباتها بل يؤكدها ويثبتها , فإن المرأة تشعر بأنها فعلاً محبوبة لأن حاجاتها الرئيسية متوافرة لها . إن المرأة عندما تحصل على الإثبات لمشاعرها فإنها بالمقابل تشعر بسهولة وراحة في إقرار زوجها .
يجدر التنبيه هنا إلى أن الزوج يمكنه أن يثبت مشاعر زوجته في الوقت الذي لا يوافقها في وجهة النظر , والزوجة يمكنها أن تقر اجتهاده رغم أنها ترى أمراً آخر , الإقرار والإثبات لا يعني أن نفكر ونشعر بطريقة واحدة , ولكن أن يثبت ويقر كلا الطرفين الآخر , وإن اختلفت وجهات النظر .
(6) التشجيع والتوكيد : هذا المبدأ أيضا يعمل بالتساوي . إن الرجل يحتاج إلى التشجيع في كل الأوقات والمرأة تحتاج إلى التأكيد في كل الأوقات . تشجيع الرجل في شخصيته وقدراته يعطيه الأمل والدعم . وهو عندما يشعر بالتشجيع وبالتالي الثقة بنفسه فإنه يتشجع أن يعطيها ويؤكد لها لأنه مليء بالأمل والثقة . أما إذا لم تتوفر لديه الثقة الكافية فإن فاقد الشيء لا يعطيه .
ويخطئ الرجل عندما يعتقد أنه وفى للمرأة كل حاجاتها الرئيسية , وأن الأمر قد انتهى دون أن يستمر في التأكيد عليها , خاصة وأنه قد أخبرها أنه يحبها , وبذلك قد وصلت المعلومة , وليس الأمر كذلك , بل إن الزوجة تحتاج إلى التأكيد باستمرار (( إلى متى ؟ )) قد تسأل , والجواب : مدى العمر كله .
المطلوب أن تستمر المرأة بتشجيعه وتشعره فيه بالثقة والقبول والتقدير والإعجاب والإقرار , وأن يستمر الرجل بالتأكيد بالاهتمام والرعاية والفهم والاحترام والتفضيل والإثبات .
أفضل علاقة تلك التي يسد كلا الطرفين فيها حاجة الطرف الثاني , ويحدث خلل عندما لا يفهم كلا الزوجين هذه الحاجات الرئيسية . فالمرأة التي تعطي زوجها حباً مليئاً بالرعاية ظناً منها أن تلك حاجته , بدلاً من أن تعطيه حباً مليئاً بالثقة , قد تعرض تلك العلاقة إلى مشاكل كثيرة .
لا شك أن كلا من الرجل والمرأة يحتاجا إلى كل هذه الاحتياجات , لكننا نتحدث عن الاحتياجات الرئيسية . والذي نقصده بالاحتياجات الرئيسية أن هذه الاحتياجات يجب أن تسد قبل أن يتمتع الشخص بالاحتياجات الأخرى .
ومن دون معرفة المهم والأولى للطرف الثاني , فإن الرجال والنساء قد يجرحون بعضهم بعضاً دون علمهم أو قصدهم .
كثيرون يفقدون الأمل عندما يصعب الاتصال بين الطرفين . إن الاتصال يصعب عندما لا نتفهم احتياجات كلا الطرفين . ليس كم تعطي ولكن أين وماذا تعطي قد يعطي الرجل الكثير من الثقة للمرأة بتربيتها للأولاد والتشجيع لحسن علاقاتها من أهله , لكنه يهمل احترامها أو التوكيد المستمر لحبه لها , في هذه الحالة لو أعطاها جبلاً فلن ترضى . قد تعطي المرأة الكثير من الرعاية له , بتوفير الطعام والشراب والملابس والنظيفة مثلاً , لكن تهمل قبوله كما هو وتشجيع محاولاته , ولذلك فلن تحصل على الرضا لأن احتياجاته الرئيسية غير متوفرة له بعد .
للحصول على رضى الطرف الثاني . يجب أن تعلم احتياجاته أولاً . ثم تعطي , لا بكثرة العطاء وإنما بنوعية العطاء .
الرجل والمرأة في جو الخلاف
ينبغي التنبيه هنا إلى أن الجدل من المعوقات الرئيسية للحياة الزوجية . وينبغي التحذير من الجدل لأنه السبب الرئيسي في ضياع الحب وحصول الانفصال . فاوض واسأل ما تريد لكن لا تجادل . تعلم كيف تحاور وتعبر عن مشاعرك وتسأل ما تريد , لكن تجنب الجدال . وإذا سألك شخص : هل يوجد زواج من دون جدال ؟ فقل : نعم , الزواج السعيد . كلما زاد الجدل زاد الخلاف , وكلما زاد الخلاف تباعد الحب , وكلما تباعد الحب تباعدت الأرواح , وهذا الذي يوصل إلى وجود أجساد قريبة بأرواح متباعدة . إن الخلاف يحتاج إلى شخصين , بينما إيقاف الخلاف يحتاج إلى شخص واحد فقط , أفضل حل للخلاف هو تأجيل الحديث لوقت آخر تكون فيه النفوس غير مشدودة ولا قلقة . وقتها يمكن أن يبدأ حوار أو تفاوض .
في الحوار أو التفاوض أو حتى في الجدال ينبغي فهم سيكولوجية الرجل والمرأة . المرأة تود أن تفهم مشاعرها , والرجل يود أن تسمع تفسيراته , إن الرجل هنا يفكر , بينما المرأة تشعر , هو عندما لا يتفهم مشاعرها فإنه , عندها , لايهتم بها (( يرعاها )) , وبالتالي هو لا يحبها , لأن الذي يحب , عند المرأة , هو الذي يهتم لمشاعر الطرف الثاني , وهي عندما لا تستمع إلى تفسيراته وأفكاره فإنها , عنده , لا تثق به , وبالتالي هي لا تحبه , لأن التي تحب , عند الرجل , هي التي تثق بقدرات زوجها .
لهذا السبب فإن حوار المرأة مع الرجل يجب أن يكون في الجدال , في غالب الأحيان , فكرياً عقلانياً , وبالمقابل يتحاور الرجل , في الجدال , مع مشاعر المرأة , وهكذا يكون هناك انسجام في الحوار , كلا الطرفين يتفهم الطرف الآخر .
واحدة من أكبر مسببات الخلاف بين الزوجين أن تخفي المرأة ودون قصد , مشاعرها وتتظاهر بشيء آخر , فعندما يتأخر الرجل قد تشعر المرأة بالخوف من أن شيئاً قد حصل له , لكنه عندما يأتي فإنها لا تخبره بأنها كانت متخوفة عليه بل تسأله : (( ما الذي أخرك ؟ لماذا لم تتصل ؟ )).
الرجل عندما يسمع سؤالاً مثل هذا , فإنه يشعر بالهجوم , والهجوم عند الرجل لا بد له من دفاع , وقس على ذلك . الرجل هنا يشعر بالخيبة تجاه عدم إقراره على ما فعل (( تذكر أن ذلك حاجة رئيسية للرجل )) .
وغالباً الرجل لا يعترف بهذه الحاجة , فلربما قضى أوقاتا طويلة ليثبت أنه لا يهتم . السبب في أنه يود أن يظهر أنه لا يهتم هو لحاجته للاعتراف به وتأييد قراراته .
إن الإفصاح عما في النفس من مشاعر وبصدق يجب أن يكون إستراتيجية مطبقة دائما عند المرأة على أن تكون بلطف وتدرج .