غير متزوجات لكن سعيدات3
تكملة
صرخة عانس
في باب "إن مع العسر يسرا"، في مجلة "الدعوة" السعودية، الذي يحرره فضيلة الشيخ مازن بن عبد الكريم الفريح، نشرت رسالة فتاة اقتربت من الثلاثين من عمرها دون أن تتزوج، على الرغم من كثرة الخاطبين. وهي ترد السبب في ذلك إلى أبيها، وتحمله مسؤولية بقائها دون زواج حتى تلك السن.
وقد رأيت نشر رسالة الفتاة، ورد فضيلة الشيخ عليها، لعل الآباء الآخرين يتداركون أنفسهم وبناتهم قبل أن يلاقين ما لاقته تلك الفتاة، ويصيبهم ما أصاب ذاك الأب من ندم.
السؤال:
* أنا فتاة على مقربة من الثلاثين من عمري، ومشكلتي أنني إلى الآن لم أتزوج، والسبب في ذلك والدي- هداه الله- حيث كان لا يهتم بأي خاطب يأتيني أثناء دراستي، وذلك بعذر إكمال الدراسة، حيث كان يرد أي خاطب بدون السؤال عنه، وبدون إخباري بذلك. وكنت أظن أنه لا يأتيني خطاب، ولكن علمت فيما بعد من أشخاص خارج العائلة أنهم (الخطاب) أتوني، ولكن والدي كان يردهم واحدا تلو الآخر.
وبعد التخرج أخذ يعرض علي بعض الخطاب، أما البعض الآخر فلا أدري لماذا يردهم، وأنا أعلم أن منهم من يرضي دينه وخلقه، والمعلومات تأتيني من أناس آخرين.
وطبعا والدي؛ الشيء المهم عنده هو المركز الاجتماعي لعائلة الخاطب، لكن الخاطب ليس مهما عنده.
المهم أنه لم يقدر لي الزواج من أي خاطب لعدة أسباب منها رفضي للبعض لأسباب شرعية ومنها رفض والدي ولا أدري لماذا؟
وبعد أن مرت السنون وعرف والدي أن تصرفه هذا خاطىء، عدل عن هذا التصرف، ولكن ليس معي بل مع أختي التي تصغرني بحوالي خمس سنوات، وطبعا تم لها عقد النكاح وأنا على هذه الحالة، ولا اعتراض على قدر الله فأنا مؤمنة بقضاء الله وقدره، وأن هذا هو المكتوب، وطبعا أنا أتمنى الخير لأختي وأتمنى ألا تتكرر مأساتي معها. أرجو من فضيلتكم إخباري كيف أرد على من يسألني لماذا لم أتزوج وأختي الصغرى تزوجت؟.
ا. ن. ب
الجواب:
- لقد تعددت النوازغ الآثمة والشهوات المحرمة التي تدفع بعض الآباء للتعنت في تزويج بناتهم ومن ولاهم الله أمرهن.. فهذا أب جشع يرد الخاطب تلو الآخر لأنه ليس من أصحاب الأموال أو موسري الحال.. وأب ثان يرده لأن زواج ابنته يعني أنه سيفقد راتبها الذي يستولي عليه في آخر كل شهر.. وثالث يطلب مهرا خياليا ويضع شروطا تعجيزية لا يستطيع تحقيقها إلا القليلون.. ورابع يريد الخاطب من قبيلته أو أبناء قرابته ولو كان من أضعف الناس دينا وأسوئهم خلقا..
وهكذا يعبث هؤلاء بمصير بناتهم ويهدرون حقوقهن في حياة زوجية سعيدة..
ألا ما أشنع هذا الظلم وأقبحه يوم يجني الأب على من وثقوا به وسلموا أمرهم إليه فيخون أمانتهم ويحطم حياتهم بشحه وجشعه.. ألا ما أعظم هذا الظلم وأخطره يوم أكرهت بعض الفتيات على العنوسة فراحت من ضعف إيمانها تلبي شهوات نفسها الأمارة بالسوء بطريق الحرام ومعصية رب الأنام.. وكم من الأعراض فتكت والأسر الشريفة دنست يوم غفل بعض الآباء أو تجاهلوا خطر وعاقبة تعنتهم في زواج بناتهم.. ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حذر كل ذي لب من خطر التعنت في تزويج الشباب والفتيات فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ". قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه؟ قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه " كررها ثلاث مرات صلوات ربي وسلامه عليه.
أيتها الأخت.. لا أجد عزاء لك ولغيرك ممن هن على شاكلتك إلا أن أقول: اصبرن واحتسبن واتقين الله، فإنه {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً}، ثم عليكن بتجاوز الأب أو الأخ أو أولياء أموركن- متى ما ثبت أنهم متعنتون في تزويجكن لغير سبب شرعي إلى الأم أو الأقرباء ولو اقتضى الأمر التوجه إلى المحكمة لعل ذلك يكون رادعا لنفوسهم الضعيفة التي لا تعرف إلا مصلحتها الذاتية وشهواتها المادية.
أما ما ذكرته حول سؤال الناس عن سبب عدم زواجك فعليك أن تعلمي وتخبري غيرك أن الزواج رزق يسوقه الله عز وجل إلى من يشاء من عباده، وبهذا يكون جوابك لهم، بعد حمد الله أن هذه مشيئة الله وقدره، وكما جعل الله أناسا أغنياء وآخرين فقراء وأناسا يهبهم القدرة على الإنجاب وآخرين عقماء. فكذلك اقتضت مشيئته وحكمته أن يجعل منهم متزوجين وآخرين أيامى لينظر كيف يعملون.. فلقه الحمد على قضائه والشكر له على إحسانه ونعمائه والله تعالى أعلم.
* "تذكرة وتحذير: دعاء عانس على أبيها!! ".
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإني لا زلت أذكر تلك الفتاة التي تسبب أبوها في عنوستها وهي على فراش الموت.. إذ همست بصوتها الخافت تدعو أباها للاقتراب منها.. فقالت له بعد أن اقترب منها: قل آمين!! فقال الأب: آمين.. فقالت البنت وهي تودع هذه الحياة: اللهم كما حرمني من الزواج بغير حق فاحرمه من السعادة.
قلت: وبغض النظر عن صحة موقف الفتاة في دعائها على أبيها إلا أن الموقف يكشف لنا مدى الظلم الذي يجنيه بعض الآباء على أنفسهم وعلى غيرهم يوم يكونون سببا في عنوسة بناتهم.
تنتظري في قلق !
هل تتملكك قناعة بأنه ما عاد هناك أمل بزواجك؟ بعبارة أخرى: هل أصبحت يائسة من أن تتزوجي، وترزقي بأطفال، تعيشين معهم حياة سعيدة بهيجة؟
هل تجاوزت العشرين من عمرك؟ أم لعلك تجاوزت الثلاثين؟ وقد تكونين تجاوزت الأربعين؟ ولا أمل إذن، بعد هذه السن، من الزواج!
لا. اسمحي لي أن أقول لك: لا يأس. لا يأس مهما مضى من عمرك. وأحسبك توافقينني على أن هناك الملايين تزوجن بعد سن العشرين، وملايين غيرهن تزوجن بعد الثلاثين، ومئات الآلاف تزوجن بعد الأربعين، وعشرات الآلاف تزوجن بعد الخمسين... وقد تكونين واحدة من هؤلاء.. فلا تيأسي.
ولكن، هل تمضين حياتك الحالية وأنت تنتظرين في قلق، وتوتر، وحزن؟! هل يقدم القلق ذاك التاريخ؟ هل يخفف التوتر من ضيق الانتظار؟ هل يغير الحزن من الواقع شيئا؟
كوني مؤمنة بأن المقدر كائن " فلماذا التضجر؟! ولماذا الشكوى؟! لماذا لا تسلمين أمرك إلى الله تعالى، وتريحين نفسك من مشاعر الكآبة، والتشاؤم، والسوداوية؟
ألا يريحك، ويطمئن نفسك، ويطيب خاطرك... أن الله تعالى عالم بحالك، مثيب لك على صبرك؟! عن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " رواه مسلم.
إذن؛ فأنت بصبرك على عدم زواجك، ورضاك بما قسم الله لك وكتب علينا، إنما تكسبين خيرا، وهذا الخير الذي تكسبينه قد لا تكسبه الزوجة (إذا كانت عاصية زوجها مثلا).
وفي الحديث المتفق عليه؛ عن أبي سعيد الخدري يقول صلى الله عليه وسلم: "... ومن يتصبر يصبره الله. وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر".
لاحظي، أختي المؤمنة، قوله صلى الله عليه وسلم: "... ومن يتصبر يصبره الله " أي أنك عندما تعملين على أن تصبري، وتجاهدين نفسك من أجل ذلك الصبر، فإن الله تعالى سيعينك عليه، وييسره لك، فتكونين - بتوفيق الله وعونه- قادرة على الصبر.
وتأملي ثناءه صلى الله عليه وسلم على الصبر "وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر" فهو، أي الصبر، خير تكسبينه، وسعة في النفس، وسعة في الحياة، قد لا تظفر بهما المتزوجة غير الصابرة.
هكذا، أختي الغالية، تتغلبين على مشاعر الإحباط التي قد تسيطر على نفوس كثيرات من العوانس الساخطات. هكذا، تنجحين، بعون الله وتوفيقه، في أن تكوني مؤمنة راضية بعدم زواجك حتى الآن.
الساخطة لن يفيدها سخطها شيئا، ولن يجلب لها زوجا، بينما الراضية تكسب رضا الله تعالى، وتعيش هانئة مطمئنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
املئي قلبك رضا، وسيرضيك الله تعالى إن شاء في الدنيا والآخرة، وسيسعدك، ويجزل لك الثواب والأجر.
وتذكري، دائما، قوله صلى الله عليه وسلم: "من رضي.. فله الرضا".
حتى لا يهرب الخاطبون
من الأخطاء التي ترتكبها الفتاة، فتصرف الخطاب عنها؛ ارتفاعها عليهم بعلمها، أو عقلها، أو نفسها. والرجل لا يحب التي تتعالى عليه وترتفع؛ فيعدل عن خطبتها ويبحث عن غيرها.
هذا محام، اسمه عمرو عبد الصادق، يؤكد أنه لا يمكن أن يفكر في الزواج ممن تتفوق عليه. ويذكر أنه خطب فتاة تتمتع بذكاء حاد، فكان لا يتمكن من مسايرة تعليقاتها وسرعة بديهتها في الرد على أي سؤال يطرحه. ولذلك تركها وعدل عن الزواج منها.
والمهندس مدحت عبد الهادي، يذكر أنه تزوج امرأة، قالت له في اليوم الثاني من زواجهما، أن أظافر يده اليسرى أطول قليلا من يده اليمنى، ولم يكن هو قد لاحظ هذا من قبل، فلم يكن الفرق بينهما واضحا إلا إذا تم قياسهما بمسطرة! وهذه الملاحظة الدقيقة من الزوجة طبعت حياتها كلها مع زوجها.. فضاق منها حتى اضطر إلى طلاقها.
ويتحدث الباحث القانوني محمد فوزي عن خطبته طبيبة لم يتزوجها بعد ذلك، لأنها كانت- رغم جمالها- عقلا فقط، "تمشي وهي تفكر، تأكل وهي تجري حسابات رياضية لكل ما حولها، تتكلم معي وعقلها لا يتوقف عن التفكير في أشياء عدة. كانت هي التي تحدد الموضوعات التي نتحدث فيها، وهي التي تدير الحوار، وكان حوارا من طرف واحد.. لأنني لم أكن أتكلم كثيرا".
ويعلق الدكتور سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس فيقول: إن الرجل يفضل فعلا الزواج من امرأة محدودة الذكاء، ولا يرحب بالزواج من الذكية. ولذلك فإن أكثر النساء معاناة من العنوسة هن اللواتي يتسمن بذكاء حاد.
لكن الدكتور سيد صبحي يستدرك فيقول: كثيرات من النساء يدركن بفطرتهن أنهن يجب أن يظهرن بدرجة ذكاء أقل من الرجال، ولهذا يحرصن على عدم الدخول مع الخاطب في حوار أو جدال، أو يبدين ملاحظات على ما يسمعنه ويرينه منه، حتى لا ينفر منهن، ويعدل عن خطبتهن.
وهذا هو الذكاء الحقيقي؛ أن لا ترتفع المرأة على الرجل، ولا تتعالى عليه، ولا تتعالم على علمه، بل تتجاهل له، وتتغابى ليظهر ذكيا، وتتضعف ليبدو قويا. هذا الذكاء الفطري تستطيعه كل امرأة، تفوق ذكاؤها العقلي أم ضعف، وهي به تضمن لنفسها راحة بال، وتكسب عن طريقه رضا خطيبها الآن، وزوجها فيما بعد.
ومنتهى الغباء أن تظهر المرأة ذكاءها العقلي في محاورة زوجها، بحيث تبدو مصححة كلامه، مصوبة رأيه، مستدركة عليه.
وأرجو ألا يفهم من هذا أني أدعو المرأة إلى إخفاء آرائها السديدة، وكتم مشورتها الحكيمة، وحبس نصيحتها الرشيدة... لا، ولكني أدعوها إلى إبداء رأيها في لطف، وعرض مشورتها في مودة، وإسداء نصيحتها من غير نقد.
بهذا لا ينفر الخاطب ممن يتقدم إلى خطبتها، ولا يضيق الزوج من زوجته حين تشير عليه أو تنصحه.
مواصلة الدراسة أم الزواج؟
قمنا بقراءة سريعة لسجلات بعض المأذونين، في المدن والقرى، فاكتشفنا أن متوسط سن الزواج للفتيات في القرية ما زال منخفضا عنه في المدن.. ففي الأعوام العشرة الماضية، برزت ملاحظة مهمة وجديرة بالدراسة، وهي أن متوسط سن الزواج في المدينة، بالنسبة إلى الفتاة، يتراوح بين 25 إلى 30 سنة.. وبالنسبة إلى الشاب فيبدأ سن الزواج من 30 سنة ويصل إلى 40 أحيانا.
وقد اتفق جميع المأذونين، الذين اطلعنا على دفاترهم، على أن ارتفاع سن الزواج في المدينة عن القرية؛ سببه إصرار الفتاة على استكمال تعليمها من جهة، وقلة إمكانات الشباب في توفير المسكن أو تأسيسه من جهة أخرى.
يقول الشيخ محمود عبد المتعال، مأذون قرية الربانية بسوهاج: إن هذه المشكلات لا وجود لها في الريف، لأن الفتاة تفضل الزواج على استكمال التعليم. كما أن أهلها يحرصون على تزويجها مبكرا.
وتقول السيدة عدلات يوسف مديرة عام جمعية تدعيم الأسرة في القاهرة: إن مشروع "الرباط المقدس)" الذي تنظمه الجمعية، يكشف لنا مأساة يعيشها المجتمع المدني، ويؤكد تفشي ظاهرة العنوسة بشكل واضح في القاهرة والجيزة، حيث يستقبل المشروع أعدادا كبيرة من فتيات تخطين سن الأربعين، وبعضهن الخامسة والأربعين، من دون زواج.