منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - رحلة الأحلام في المغرب
عرض مشاركة واحدة
قديم 25-07-2017, 10:05 AM
  #123
Neat Man
كبار شخصيات المنتدى
 الصورة الرمزية Neat Man
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 4,683
Neat Man غير متصل  
رد: رحلة الأحلام في المغرب

فاس

وبفــاس العز في آثارهـــا = عشتُ بالتاريخ عبر الحُقبِ

تواعدت أنا وعمر أن نلتقي على الإفطار في كوفي شوب ليس ببعيدٍ عن المكان الذي سكنتُ فيه في مكناس، وكنتُ قد واعدته في التاسعة والنصف ولكني وصلتُ للمكان الساعة التاسعة والربع، وإذا بمقابل الكوفي شوب صالون حلاقة، وكنتُ قد نويت أن أحلق بعد أن أصل فاس، ولأنه تبقى ربع ساعة على مجئ عمر استغليت الفرصة والوقت لأحلق قبل مجيئة، ولما دخلت الحلاق وإذا هو خاوي وبه ثلاثة شبان حلاقين، فسلمت وقلت لهم أنا مستعجل وأريد أن أحلق بالزربة، فكم دقيقة تأخذ الحلاقة، راح الحلاق يقلب عينيه ويمط شفتيه وقال تقريباً ستة دقائق، فقلت ستة دقائق حقيقية ولا ستة دقائق مغربية، فخرّ جميع الحلاقين ضاحكين..، المهم أن الحلاقة أخذت أكثر من عشرين دقيقة، فقلت له عارف أنها ستة دقائق مغربية، المهم أنه برر لكي تكون الحلاقة جميلة,,
تناولت الأفطار مع عمر وصديقه عثمان، وتودعنا، واقفلت إلى فاس.
كان يتطلب علي أن أسلك الطريق السيار، إلا أن الجي بي أس أو الجارمن أخذني بطريق الوطنية أي الطريق الصغير ذو المسارين المعاكسين، وصلتُ فاس التي ملئت أعلاماً مغربية، ويبدو أن هناكَ اهتماماً بها كبيراً من قبل الدولة يوازي سمعتها التاريخية ومجدها الكبير، وكثرة زوارها من مختلف بلدان العالم، كنتُ قد حجزتُ عن طريق البوكينج رياضاً صغيراً مدخله من باب عجيسة، وهو في قلب المدينة القديمة والوصل إليه يتطلب بالمرور بأزقة وشوارع ضيقة وهو رياضٌ يبعد عن جامع القرويين مسافة ثمان دقائق راجلاً، دخلت الرياض واستقبلتني عجوزاً تجاوزت الستين عام وقاربت على السبعين قد تساقطت جميع أسنانها، بابتسامتها الوادعة الحنونة وكلماتها الرقيقة، جلستُ في الصالون واحضرت لي الآتاي الذي لم تجيده جيداً، ولما شربت منه شرفة عرفت أني لم أتقبله فقلت لها هذا ليس آتاياً حقيقياً ديري لي شي واحد قاصح شوية، فابتسمت وعرفت أن خبرتي القليلة في الآتاي قد توازي خبرتها كاملة، وفعلاً عملت براداً جديداً، ورحتُ أهدر معاها بالدارجة فقالت تبارك الله عليك تهدر بحالنا متزوج لك شي مغريبية، قلت لها لا لم أتزوج بعد، ولكن كنموت عليكم بزاف حيت لي يحبكم كيتعلم هدرتكم، هذه العجوز تسكن المدينة وولدت فيها كأغلب أهل فاس الأصليين ممن قابلتهم فقد ترعروا بين جدران المدينة القديمة ببيوتهم الصغيرة والفسيحة روحها وجدرانها المتلاصقة واحداثتها المتنوعة من فرح ودراما، كانت الجدران والبيوتات تنطق بقرون من الحياة الاجتماعية التي تضج بحياويتها والاحتكاك الكبير بين الجيران الذي لايمكن لعينك أن تنكره، تتأمل الحياة قبل عشرات السنوات قبل عقود من الزمن قبل قرون من التاريخ، كيف يختلط الناس مع بعضهم وكيف يتفاعلون كيف يقضون أيامهم، المدينة القديمة في فاس لعلها أكبر المدن القديمة في المغرب، لقد سكنتُ ثلاثة أيامٍ هناك، قبل أن أعود إليها بنهاية رحلتي لحدثٍ سأذكره مستقبلاً لكم.
في العشية وتحديداً الساعة الخامسة كنتُ على موعد مع صديق آخر تعرفتُ عليه، تجولنا جولة عامة في فاس وذهبنا إلى المول (مول البرج) لنتاول القهوة في احد الكوفيهات، حتى جائنا الليل وتعشينا وتودعنا على أن نلتقي بالغد، نعست حتى جاء الصبح ففقت، ثم رحتُ أتجول بالمدينة القديمة متجهاً صوب جامع القرويين، كلما اقتربت منه كلما انتشرت المحلات وأصبحت الشوارع الضيقة عامرة بالناس، في طريقك تجد كل مايمكن شراؤوه، كل محل يبيع شيئاً مختلفاً عن الآخر، دخلت مدرسة المارينيين، وابهرني كما كنتُ مبهوراً من قبل بدقة الابداع الموجودة على الحيطان كالنقوش والزخارف والزليج والخشب والرخام والزجاج الملون والتصاميم التي تلجب الألباب وتجعلك مشدود العينين ومبهوراً بما يحويه هذا الصرح العظيم والجميل الذي يتوسطه نافورة كعادة البيوتات في الأندلس والمغرب، وما أن انتهيت حتى ذهبت إلى جامع القرويين ذلك الذي عرفته منذ أن أعرف المغرب أو حتى قبل أن أعرفها، تجولت في ذلك المسجد الجميل والهادئ الذي استقبل المصلين على مدار أكثر من أثنى عشر قرناً، تمشيت في داخله وفي ساحته التي ينبع منها الماء باتجاهين مختلفين ومنه يتوضئ المصلين لآداء الصلاة، ونافورة في الوسط تزينه، جلستُ فيه مايقارب الساعة حتى رحتُ اتجول بالمدينة واسواقها.
في المدينة القديمة، يوجد في كل جهة أهل صنعة، فتجد محلات النحاسين، وللصباغين محلاتهم وللخشابين، وللدباغين مقرهم، والحدادين، وغير ذلك من حرف مختلفة ومتنوعة، كانت هذه المقرات كما هي منذُ قرون عرفوا بها ولازالوا معروفين يتوارثونها من أجدادهم ويعلم الأجداد الأبناء والأحفاد، حتى بقت عوائل كثيرة تعرف بصنعتها، بعد ذلك ذهبتُ إلى واحدٍ من أشهر المعالم في فاس وهي دباغة الجلود، وفاس يعرف عنها الابداع في أشياء كثير خاصة صناعة الجلود مروراً بصناعة الأواني المغربي واللباس المغربي وليس نهاية بالشباكية اللذيذة، زرتُ مقر دباغة الجلود وتتبعت مراحل صناعته مع أحد المسؤولين هناك، منذ أن يدخل جلد الأغنام أو البقر أو غيره من حيوانات، إلا أن جلود الغنم هي الأكثر استعمالاً، ويصنع منها كل الجلديات المختلفة كالشنط والفرش حتى البلغة المغربية وغير ذلك، وتمشيت في ذلك رغم بعض الروائح النتنة التي تخرج من جلد الأغنام والحيوانات إلا أنها تستحق التجربة والمشاهدة، وعملية الدباغة تمر بمراحل كثيرة حتى تصل إلى أن تكونَ منتجاً مستخدماً، وكل مرحلة تجد مجموعة مسؤولين عنها ويقومون بالعمل بها، وهو عمل شاقٌ في كل مراحله.
بعد ذلك واصلت المسير وتجولت في الأسواق، حتى وقفت على مكتبة تبيع الكتب المستعملة فألقيتُ عليها نظرة وإذا بعيني تسقط على كتاب كنتُ أبحث عنه من زمن وهو كتاب للملك الحسن الثاني (حياة ملك) قرأت نصفه وأنا عائد بالطائرة للسعودية، والنصف الباقي بعد ماوصلت إليها.
في المساء تقابلت مع صديقي مرة أخرى وتجولنا في شارع محمد الخامس، وهو أكثر شارع يفد إليه الناس حيث يحوي الكثير من المقاهي والمطاعم، يأتيه الناس ليغيروا من جو أحيائهم وبيوتهم، وهو شارع راقي فسيح يتوسطه مقاعد وحدائق صغيرة وألعاب مائية صغيرة للأطفال، حتى جاء الليل وعدتُ للرياض الصغير.
في الغد تناولت الإفطار مع صديقي في أحد الكوفيهات أو المطاعم الجديدة، حتى جاء الظهر وودعته، واتجهت صوب إفران في رحلة أشق فيها قلب المغرب في مكانٍ ينبض بهِ قلبي.

سوافيكم بالصور الخاصة قريباً جداً إن شاء الله، وفي حال أن نسيت شيئاً سأذكره مع صورته.
__________________
ياصبحِ لاتِقبل !!
عط الليل من وقتك..
رد مع اقتباس