منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - الفقه الميسر ثم فتاوى العثيمين
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-2018, 10:08 AM
  #204
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: الفقه الميسر ثم فتاوى العث

فضيلة الشيخ، تحدثنا عن الأخطاء التي يقع فيها الحجاج في بعض أعمال الحج، وفي بعض المشاعر أيضاً، بقي علينا أن نعرف إذا كانت هناك أخطاء يقع فيها الحجاج بالنسبة للهدي؟
الجواب: نعم يرتكب بعض الحجاج أخطاء في الهدي.
منها: أن بعض الحجاج يذبح هدياً لا يجزئ، كأن يذبح هدياً صغيراً لم يبلغ السن المعتبر شرعاً للإجزاء، وهو في الإبل خمس سنوات، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الضأن ستة أشهر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) (مسلم) ومن العجب أن بعضهم يفعل ذلك مستدلاً بقوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (البقرة: 196) ، ويقول: إن ما تيسر من الهدي فهو كاف، فنقول له: إن الله قال: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) و ((أل)) هذا لبيان الجنس، فيكون المراد بالهدي: الهدي المشروع ذبحه، وهو الذي بلغ السن المعتبر شرعاً، وسلم من العيوب المانعة من الإجزاء شرعاً، ويكون معنى قوله: (فَمَا اسْتَيْسَرَ) أي: بالنسبة لوجود الإنسان ثمنه مثلاً، ولهذا قال: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) (البقرة: 196) فتجده يذبح الصغير الذي لم يبلغ السن، ويقول: هذا ما استيسر من الهدي، ثم يرمي به، أو يأكله أو يتصدق به، وهذا لا يجزئ؛ للحديث الذي أشرنا إليه.
ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الهدي: أنه يذبح هدياً معيباً بعيب يمنع من الإجزاء، والعيوب المانعة من الإجزاء ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام حين تحدث عن الأضحية وسئل: ماذا ينقّى من الضحايا؟ فقال: ((أربع)) وأشار بيده عليه الصلاة والسلام: ((العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والهزيلة - أو العجفاء- التي لا تُنقي)) (قال الترمذي: حسن صحيح.
) ، أي: التي ليس فيها نِقْي، أي: مخ، فهذه العيوب الأربعة مانعة من الإجزاء، فأي بهيمة يكون فيها شيء من هذه العيوب أو ما كان مثلها أو أولى منها، فإنها لا تجزئ في الأضحية ولا في الهدي الواجب؛ كهدي التمتع والقران والجبران.
ومن الأخطاء التي يرتكبها الحجاج في الهدي: أن بعضهم يذبح الهدي ثم يرمي به، ولا يقوم بالواجب الذي أوجب الله عليه في قوله: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج: 28) فقوله تعالى: (وَأَطْعِمُوا) أمر لابد من تنفيذه؛ لأنه حق للغير، أما قوله: (فَكُلُوا مِنْهَا) فالصحيح أن الأمر فيه ليس للوجوب، وأن للإنسان أن يأكل من هديه، وله أن لا يأكل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث بالهدي من المدينة إلى مكة ولا يأكل منه، فيذبح في مكة ويوزع ولا يأكل منه؛ لكن قوله: (وَأَطْعِمُوا) هذا أمر يتعلق به حق الغير، فلابد من إيصال هذا الحق إلى مستحقه.
وبعض الناس ـ كما قلت يذبحه ويدعه؛ فيكون بذلك مخالفا لأمر الله تبارك وتعالى، بالإضافة إلى أن ذبحه وتركه إضاعة للمال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال (البخاري) ، وإضاعة المال من السفه؛ ولهذا قال الله تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء: 5) .
وهذا الخطأ الذي يقع في هذه المسألة يتعلل بعض الناس بأنه لا يجد فقراء يعطيهم، وأنه يشق عليه حمله؛ لكثرة الناس والزحام والدماء واللحوم في المجازر، وهذا التعليل ـ وإن كان قد يصح في زمن مضى ـ لكنه الآن قد تيسر؛ لأن المجازر هذبت وأصلحت، ولأن هناك مشروعا افتتح في السنوات الأخيرة، وهو أن الحاج يعطي اللجنة المكونة لاستقبال دراهم الحجاج؛ لتشتري لهم بذلك الهدي وتذبحه وتوزعه على مستحقه، فبإمكان الحاج أن يتصل بمكاتب هذه اللجنة، من أجل أن يسلم قيمة الهدي، ويوكلهم في ذبحه وتفريق لحمه.
ومن الأخطاء أيضا: أن بعض الحجاج يذبح الهدي قبل وقت الذبح، فيذبحه قبل يوم العيد، وهذا ـ وإن كان قال بعض أهل العلم في هدي التمتع والقران ـ فإنه قول ضعيف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذبح هديه قبل يوم العيد، مع أن الحاجة كانت داعية إلى ذبحه، فإنه حين أمر أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ أن يحلوا من إحرامهم بالحج ليجعلوه عمرة ويكونوا متمتعين، وحصل منهم شيء من التأخر، قال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت)) (البخاري ومسلم) ، فلو كان ذبح الهدي جائزا قبل يوم النحر، لذبحه النبي عليه الصلاة والسلام، وحل من إحرامه معهم تطييبا لقلوبهم، واطمئنانا لهم في ذلك، فلما لم يكن هذا منه صلى الله عليه وسلم، علم أن ذبح الهدي قبل يوم العيد لا يصح ولا يجزئ.
ومن العجب: أنني سمعت من بعض المرافقين لبعض الحملات التي تأتي من بلاد نائية عن مكة، أنه قيل لهم ـ أي لهذه الحملات ـ: لكم أن تذبحوا هديكم من حين أن تسافروا من بلدكم إلى يوم العيد، واقترح عليهم هذا أن يذبحوا من الهدي بقدر ما يكفيهم من اللحم لكل يوم، وهذا جرأة عظيمة على شرع الله وعلى حق عباد الله، وكأن هذا الذي أفتاهم بهذه الفتوى يريد أن يوفر على صاحب هذه الحملة الذي تكفل بالقيام بهذه الحملة، أن يوفر عليه نفقات هذه الحملة؛ لأنهم إذا ذبحوا لكل يوم ما يكفيهم من هداياهم، وفروا عليه اللحم، فعلى المرء أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن لا يتلاعب بأحكام الله، وأن يعلم أن هذه الأحكام أحكام شرعية، أراد الله تعالى من عباده أن يتقربوا بها إليه على الوجه الذي سنه لهم وشرعه لهم؛ فلا يحل لهم أن يتعدوه إلى ما تمليه عليه أهواؤهم.
فضيلة الشيخ، هناك بعض الحجاج إذا أراد أن يحج، دفع نقوداً لبعض المؤسسات الخيرية التي تتولى ذبح هديه في أماكن المجاعة في شرق الأرض وغربها، فما حكم هذا العمل، أثابكم الله؟
الجواب: أقول: إن هذا عمل خاطئ مخالف لشريعة الله وتغرير بعباد الله عز وجل؛ وذلك أن الهدي محل ذبحه مكة؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما ذبح هديه بمكة، ولم يذبحه في المدينة، ولا في غيرها من البلاد الإسلامية، والعلماء نصوا على هذا وقالوا: إنه يجب أن يذبح هدي التمتع والقران والهدي الواجب لترك واجب يجب أن يذبح في مكة، وقد نص الله على ذلك في جزاء الصيد، فقال: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) (المائدة: 95) ، فما قيد في الشرع بأماكن معينة لا يجوز أن ينقل إلى غيرها، بل يجب أن يكون فيها، فيجب أن تكون الهدايا في مكة، وتوزع في مكة، وإن قدر أنه لا يوجد أحد يقبلها في مكة وهذا فرض قد يكون محالاً فإنه لا حرج أن تذبح في مكة، وتنقل لحومها إلى من يحتاجها من بلاد المسلمين، الأقرب فالأقرب، أو الأشد حاجة فالأشد، وهذا بالنسبة للهدايا.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس