حين أتذكر أيام الطفولة والشقاوة أشعر أني فعلاً عشت طفولتي ومراهقتي كما ينبغي بالرغم مما يحتويها من أكشن وإجرام لا يعادله سوى مايصدر عن هوليود، وبالرغم من تلك الإقدام والمشاغبة الطفولية والقصص والحكايا التي استرجعها مع أصدقاء الطفولة حين ألتقي بهم فلا نملك إلا أن نخرّ ضاحكين من جراءة صنعنا فقد كنتُ أبدو في أعين من لم يتعمق في خباياي ذلك الطفل الوديع المؤدب الهادى إذ ألزم الصمت وأرتدي ثوب الخجل الذي يبدو أني كنتُ استعيره من أمي الحبيبة في حضرة أصدقاء أبي أو أخي الأكبر أو غيرهم من أساتذة ومعلمين وغرباء.

ولأني كثير الفلسفة في تلك المرحلة واتخاذ القرارات التي كنت أتخيل صوابيتها وابتكاريتها، فلقد ولجت المطبخ ذات ظهيرة وعلى حين غفلةٍ من أمي، وإذا بالغداء المعتاد وهو الأرز يتربع على الفرن، امتدت إليه يداي معتقداً أني سأضفي عليه لمستي السحرية ليصبح أكثرَ لذة، رفعت الغطاء ورحت أسكب عليه بضع كأسات شاي من الماء حتى اعتلى الماء مايحويه القدر، ولما سمعتُ خطوات أمي مقبلةً لتطمئن على صنعها الذي أعدته لأبي والذي سيأتي منهكاً من عمله كعادته، أخذت أمي نظرةً على الطعام متوقعةً أن الأرز قد تشرب الماء وإذا به يغرق، وأنا أرقب مشهد والدتي، إذا بها تعيد الغطاء للقدر ممتعضةً دون أن تدركَ فعلتي، فأيقنت أني في الطريق الصحيح نحو الفلسفة، وحين جاء أبي قال لأمي آتينا غدائنا قد لقيت من عملي هذا نصبا، ذهبت أمي المسكينة التي لا تعلم بعبث أبنها، وراحت تضع الأرز في الصحن ومن فوقه اللحم، ولما قدمته لأبي - وكعادتنا نحن الرجال باللوم على زوجاتنا حين لايحسن طبخهن- تذمر أبي بشدة من أمي كون الأرز أصبح ليناً غير مستساغ، وبينما أمي دخلت في حيرة تقلب يديها لاتدري بما تجيب، ولأني لم أتقبل أن أرى أمي في موضع كهذا ينالها التقريع، أخذتني الشجاعة بالمواجهة والاعتراف، وقلت أنا من أضاف الكثير من الماء على الأرز فانهال أبي عليّ لوماً وعتابا شديدين، وزجرني على ألا أعود لفعلتي مرة أخرى، ونجت أمي الطيبة ورحتُ ضحية ما اقترفته يداي من فلسفة لم أتب منها بعد

__________________
ياصبحِ لاتِقبل !!
عط الليل من وقتك..