منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - صحيح السيرة النبوية
عرض مشاركة واحدة
قديم 23-03-2019, 08:05 PM
  #58
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

الفصل السادس غزوة الأحزاب
المبحث الأول: أحداث ما قبل المعركة
1 - وقت الغزوة وسببها:
اختلف في وقتها وتاريخها على قولين أحدهما قول ابن إسحاق أنها في سنة خمس:
423 - عن محمَّد بن إسحاق قال: كانت الخندق في شوال سنة خمس وفيها مات سعد بن معاذ رضي الله عنه (1) قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (وكانت في سنة خمس من الهجرة في شوال على أصح القولين إذ لا خلاف أن أحدًا كانت في شوال سنة ثلاث، وواعد المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العام المقبل وهو سنة أربع ثم أخلفوه، لأجل جدب تلك السنة، فرجعوا، فلما كانت سنة خمس جاءوا لحربه، هذا قول أهل السير والمغازي (2).
وذهب إلى هذا القول ابن سعد في الطبقات, والبيهقي في السنن وقطع به الذهبي، واعتمده الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وأبي عبيد في كتاب الأموال (3).
وقال ابن كثير: وقد كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة نص على ذلك ابن إسحاق وعروة ابن الزبير وقتادة والبيهقي وغير واحد من العلماء سلفًا وخلفًا، وقد صرح الزهريّ بأن الخندق قد كانت بعد أحد بسنتين،ولا خلاف أن أحدًا في شوال سنة ثلاث" (4).
والقول الآخر: أنها كانت في شوال سنة أربع للهجرة، قال بذلك موسى بن عقبة في مغازيه، وتابعه على ذلك مالك بن أنس، ومال البخاري إلى ذلك، وقد رد ابن حجر في فتح الباري على القائلين بهذا القول، وبين ضعفه، وبأنه غير معتمد، وناقش ذلك حجة بحجة ودليلًا بدليل فانظره (5).
424 - قال ابن إسحاق حدثنا يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن كعب بن مالك، ومحمد بن كعب القرظي، والزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر وغيرهم من علمائنا، كلهم قد اجتمع حديثه في الحديث عن الخندق قالوا:
"إنه كان الذين حزبوا الأحزاب نفرًا من اليهود، وكان منهم سلام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير، فلما قدموا على قريش، فدعوهم إلى حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: إنا سنكون معكم عليه، حتى نستأصله.
فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا يختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه، فهم الذين أنزل الله فيهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} (6) (7).
2 - حفر الخندق:
425 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق فإذا المهاجرين والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال: (اللهم إن العيش عيش الآخرة فأغفر للأنصار والمهاجرة) فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما بقينا أبدًا
وفي لفظ آخر قال: "جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة، وينقلون التراب على متونهم وهم يقولون:
نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الإِسلام ما بقينا أبدًا
قال يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يجيبهم (اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة، فبارك في الأنصار والمهاجرة) قال: يؤتون بملء كفي من الشعير، فيصنع لهم بإهالة (8) سنخ توضع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن" (9).
426 - من حديث البراء بن عازب قال: "لما كان يوم الأحزاب، وخندق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رأيته ينقل من تراب الخندق، حتى وارى عن التراب جلدة بطنه -وكان كثير الشعر- فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل من التراب يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزل سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا
قال: ثم يمد صوته بآخرها" (10).
3 - معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب:
أ - إبصاره قصور الملوك وإعطاؤهُ مفاتيح ملكهم:
427 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "لما كان حين أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءنا فأخذ المعول فقال: (بسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلثها، وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية، فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض، ثم ضرب الثالثة، وقال: بسم الله فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة) " (11).
ب - تكثيره الطعام:
428 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "احتفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق، وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (هل دللتم على أحد يطعمنا أكلة) قال رجل: نعم، قال: (أما لا فتقدم فدلنا عليه). فانطلقوا إلى رجل فإذا هو في الخندق يعالج نصيبه فيه، فأرسلت إليه امرأته أن جيء فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أتانا فجاء الرجل يسعى.
فقال: بأبي وأمي، وله معزة وجديها فوثب إليها, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الجدي من ورائنا) فذبح الجدي، وعمدت امرأته إلى طحينة لها فعجنتها وخبزت، وأدركت وتردت، فقربتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصبعه فيها فقال: (بسم الله، اللهم بارك فيها، اللهم بارك فيها اطعموا) فأكلوا منه حتى صدروا, ولم يأكلوا إلا ثلثها وبقى ثلثاها، فسرح أولئك العشرة الذين كانوا معه أن اذهبوا، وسرحوا إلينا نغديكم، فذهبوا وجاء أولئك العشرة مكانه، فأكلوا منها حتى شبعوا، ثم قام ودعا لربة البيت وسمَّت عليها وعلى أهلها، ثم مشوا إلى الخندق فقالوا: اذهبوا بنا إلى سلمان، وإذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها، فقال النبي لأصحابه: (دعونى فأكون أول من ضربها فقال: بسم الله) فضربها فوقعت فلقة ثلثها فقال: (الله أكبر قصور الروم ورب الكعبة)، ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة فقال: (الله أكبر قصور فارس ورب الكعبة)، فقال عندها المنافقون: نحن نخندق وهو يعدنا قصور فارس والروم (12).
429 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: "لما حفر الخندق رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمصًا (13) فانكفأت (14) إلى امرأتي، فقلت لها: هل عندك شيء؛ فإني رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمصًا شديدًا، فأخرجت لي جرابًا (15) فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة (16) داجن (17)، قال: فذبحتها وطحنت، ففزعت إلى فراغي، فقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالت: لا تفضحني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه، قال: فجئته فساررته، فقلت: يا رسول الله! إنا قد ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعًا من شعير كان عندنا، فتعال أنت في نفر معك، فصاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: (يا أهل الخندق! إن جابرًا قد صنع لكم سورًا (18) فحيهلا بكم).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم، حتى أجيء) فجئت وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقدم الناس، حتى جئت امرأتي. فقالت: بك وبك (19)، فقلت: قد فعلت الذي قلت لي. فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيه وبارك، ثم قال: (ادعي خابزة فلتخبز معك، واقدحي في برمتكم (20) ولا تنزلوها) وهم ألف. فأقسم بالله إلا أكلوا حتى تركوه وانحرفوا (21)، وإن برمتنا لتغط (22) كما هي، وإن عجينتنا -أو كما قال الضحاك- لتخبز كما هو" (23).
.................................................. ..................
(1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 142، رواه الطبراني ورجاله ثقات، سيرة ابن هشام: 2/ 214.
(2) زاد المعاد: 3/ 269.
(3) السيرة النبوية ابن هشام: 2/ 214، طبقات ابن سعد: 2/ 65، المغازي النبوية ص: 79، كتاب الأموال ص: 135، فتح الباري: 7/ 393، المغازي باب غزوة الخندق، دلائل النبوة للبيهقي: 3/ 393 - 397.
(4) سيرة ابن كثير: 3/ 180 وانظر الرد على القائلين بغير القول عند ابن إسحاق.
(5) فتح الباري: 7/ 393، المغازي باب غزوة الخندق وهو غزوة الأحزاب.
(6) الآيات من سورة النساء: 51 - 54.
(7) السيرة النبوية ابن هشام: 2/ 214 - 215 بإسناده ورجاله ثقات وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث ولكنه مرسل، وقد وصله السيوطي من رواية ابن إسحاق عن ابن عباس في لباب النقول، لأسباب النزول ص: 17، رواه الطبراني في الكبير: 11/ 251، وقال الهيثمي في المجمع: 7/ 6 وفيه يونس بن سليمان الجمال ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح.
(8) الإهالة: الدهن الذي يؤتدم به سواء كان زيتًا أو سمنًا أو شحمًا.
(9) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق حديث رقم: 4099 - 4100، مسلم في صحيحه الجهاد والسير باب غزوة الأحزاب وهي الخندق حديث رقم: 1805، الفتح الرباني: 21/ 77.
(10) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق حديث رقم: 4106، 4104، مسلم في صحيحه الجهاد والسير باب غزوة الأحزاب رقم: 1803، الفتح الرباني: 21/ 77، وكذلك جاء شبيهًا بالحديثين من حديث سهل بن سعد الساعدي عند البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4098، ومسلم رقم:1804.
(11) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 303 والنسائي في الجهاد باب غزوة الترك: 6/ 43 - 44، والبيهقي في الدلائل: 3/ 417 - 418 ,وحسن إسناده الحافظ في الفتح 7/ 397، حيث قال ووقع عند أحمد والنسائي في هذه القصة زيادة بإسناد حسن عن البراء فذكر الحديث وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 130 - 131 رواه أحمد وفيه ميمون أبو عبد الله وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات.
وللحديث شواهد من حديث ابن عباس عند الطبراني كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 131 - 132، سنورد تخريجه في الحديث التالي برقم: 428، ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال الهيثمي في المجمع: 6/ 131، رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما حيي بن عبد الله وثقه ابن معين وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح، وله شاهد من حديث جابر في الصحيحين سيأتي ذكره وبهذا يكون الحديث كما قال الحافظ أو أكثر.
* السمت: الدعاء.
(12) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 131 - 132 رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد ابن حنبل ونعيم العنبري وهما ثقتان.
(13) خمصًا: خلاء البطن من الطعام.
(14) انكفأت: فرجعت وانقلبت.
(15) الجراب: الوعاء من الجلد.
(16) البهيمة: السخلة الصغيرة من ولاد المعز.
(17) داجن: ما ألف البيوت.
(18) السور: الطعام الذي يدعى إليه.
(19) بك وبك: ذمته ودعت عليه.
(20) اقدحي في برمتكم: أي اغرفي.
(21) تركوا، وانحرفوا: شبعوا وانصرفوا.
(22) لتغط: تغلي ويسمع غلبانها.
(23) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4102 ورقم: 4101، مسلم في صحيحه كتاب الأشربة باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه حديث رقم: 2039، الفتح الرباني: 22/ 60، والحاكم في المستدرك: 3/ 30 - 31، وأحمد في المسند: 3/ 30 مختصرًا والدارمي في المقدمة باب ما أكرم به النبي في بركة طعامه: 1/ 19 - 12 والطبراني في الأحاديث الطوال برقم: 51، 25/ 302.

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس