الخطوبة
فترة الخطبة من أهم وأخطر الفترات التي يمر بها الشباب من الجنسين، فهي مهمة لكونها فرصة للتعارف والتفاهم واكتشاف الأخلاق والطباع، لا سيما أن الخطيبين من بيئتين مختلفتين، كل منهما خضع لتجارب وأساليب تربوية مختلفة لا يعرفها الآخر، فقد تكون بعض العادات والتصرفات عند البعض غير مقبولة نهائيا، ولكنها مقبولة عند الطرف الآخر بلا أي قيود. ولذلك ترى أن لكل منهما طريقة وأسلوبا في الحياة، بل إن هناك أيضا مرجعا فكريا وعقليا لكل منهما يتصرف من خلاله ويوجهه في ركب الحياة.
أما خطورة هذه الفترة -التي ربما لا يدركها الكثيرون- فهي كثرة المجاملات والتصرفات المصطنعة، وغيرها من الأمور التي قد تكون غير موجودة عندهما أصلا؛ الأمر الذي يؤدي إلى بناء تصورات غير صحيحة عن الشريك، حيث يرسم به قصورا من الأحلام والآمال والأماني المستقبلية والأسرية، ولكن سرعان ما يتبخر كل شيء بعد فترة الزواج الأولى؛ لأن الطبع سيغلب على التطبع.. عندها لا مجال للخداع.
--------------------------------------------------------------------------------
فسخ عقد الزواج
في آثار بطلان عقد الزواج وانفساخه وفسخه أنقل لكم ما يلي :
ومرادنا به ذكر أثر البطلان والإنفساخ والفسخ عند عروض موجباتها، وهو ما نفصّله كما يلي:
أولاً: في أثر البطلان:
في كل مورد ينكشف فيه بطلان العقد منذ وقوعه، بحيث يكون وجوده كعدمه، فإنه لا تترتب عليه آثاره التالية:
أ - لا تحدث به قرابة المصاهرة، فلا تحرم أم الزوجة ولا بنتها من هذه الجهة، كما لا يحرم بالعقد الباطل والد الزوج ولا ولده.
بـ - لا تُطالِبُ الزوجة بالمهر إذا لم يكن قد دخل بها، وكذا إن كان قد دخل بها وكانت عالمة ببطلان العقد، أما إذا تحقق منه الدخول، وكانت جاهلة بفساد العقد، كان لها مهر أمثالها، لا المهر الذي سمَّاه لها في ذلك العقد الفاسد. وإذا كان قد دفع لها المهر جاز له استرجاعه في الموارد التي ليس لها مهر فيها، حتى لو كانت قد أتلفته أو نقلته عن ملكها بناقل جائز أو لازم، كما يجوز له استرجاع ما زاد عن مهر المثل مما دفعه إليها.
جـ - ليس لها مطالبته بما لم ينفقه عليها مما هو واجب عليه لو كان الزواج صحيحاً،
كما وأنه ليس له استرجاع ما أنفقه عليها إلا إذا كانت عالمة بفساد العقد.
د - لا يتوارثان، وإذا كان قد ورث أحدهما الآخر قبل انكشاف بطلان الزواج استُرجِع منه ما أخذه مع وجوده، وإلا رجع بمثله أو قيمته يوم أدائه.
أما النسب فإنه يثبت بالعقد الفاسد، بل بالزنى، كما سيأتي. وأما العدة فإنها تثبت مع الدخول لا بدونه بنفس ثبوتها في العقد الصحيح ما عدا عدة الوفاة فإنها لا تثبت في العقد الفاسد مع عدم الدخول.
لا يختلف الحكم المذكور في المسألة السابقة باختلاف موارده، وموارده كثيرة، منها:
1 - كل مورد عقد فيه شخص على أحد محارمه بنسب أو رضاع أو مصاهرة، أو على واحدة ممن ذكرنا حرمتها قبل العقد لإحرام أو كفر أو إحصان بالزواج أو العدة أو لواط أو زناً بمَحْرم، أو لكونها مطلقة ثلاثاً أو تسعاً أو لغير ذلك من موارد الحرمة الأبدية أو المؤقتة، السابقة على العقد.
2 - كل مورد فقد العقد فيه أحد أركانه، سواءً من جهة العقد أو المتعاقدين، كأن فقد القصد أو الإختيار أو كان بغير اللفظ المطلوب، ونحو ذلك.
3 - وفاة الزوج المريض خلال مرضه قبل الدخول.
وغير ذلك مما ينطبق عليه كونه من العقود التي وقعت فاقدة لشرط صحتها، بحيث لم ينشأ بها عُلْقة زوجية بين المتعاقدين.
ثانياً: في أثر الإنفساخ:
نريد بـ(الإنفساخ): (إنفساخ العقد الصحيح بعد عروض ما يوجب بطلانه قهراً)، وكنا قد ذكرنا: «أن الزواج ينفسخ عقده ويبطل عند عروض الرضاع المحرم لأحد الزوجين على الآخر، أو عند ارتداد أحدهما عن الإسلام، أو حدوث اللعان، أو قذف الرجل زوجته الخرساء»؛ وهي بعض الأمور التي عرضنا لها تفصيلياً في المطلب الأول من هذا المبحث الثالث، ونريد - هنا - أن نبيّن أثر هذا الإنفساخ على الزوجين، على النحو التالي:
لما كان عقد الزواج في مقامنا هذا قد وقع صحيحاً إلى حين انفساخه فإن جميع الآثار تترتب عليه خلال فترة انعقاده؛ فتثبت به القرابة الموجبة للحرمة؛ وتستحق المرأة خلالها نفقتها الواجبة التي لم تأخذها؛ وتستحق - أيضاً - على زوجها نصف مهرها المسمى لها إذا كان الإنفساخ قبل الدخول بها، وتمام مهرها المسمى لها إذا كان بعد الدخول؛ وعلى المرأة أن تعتد منه بكيفية معينة نذكرها في المسألة التالية، إضافة إلى النسب والتوارث؛ وجميع ذلك يثبت هنا بنحو ثبوته لو بقي العقد.
في كل مورد ينفسخ فيه العقد تقع البينونة الدائمة بين الزوجين إذا كان سبب الإنفساخ من موجبات الحرمة الأبدية بينهما، كالرضاع واللعان ونحوهما، أو تقع به البينونة المؤقتة، كما في الإرتداد؛ وحينئذ يجب على المدخول بها - إذا لم تكن صغيرة ولا يائسة - أن تعتد عدة الطلاق في جميع حالات الإنفساخ، بما في ذلك حالة ارتداد الزوجة عن ملة أو عن فطرة وحالة ارتداد الزوج عن ملة، ما عدا حالة ارتداد الزوج عن فطرة، إذ يجب فيها على زوجته عدة الوفاة ولو كانت صغيرة أو يائسة أو غير مدخول بها.
رغم أن المرضعة هي السبب في انفساخ عقد الزواج في موارد إرضاعها الناشر للحرمة بين الزوجين، فإنها لا تضمن ما يدفعه الزوج من المهر إلا إذا حدث الإرضاع والإنفساخ قبل الدخول، فتضمن له نصف المهر الثابت لزوجته قبل دخوله بها، أما إذا حدث الإرضاع بعد الدخول فلا ضمان على المرضعة لمهر مَنْ تسببت بحرمتها على زوجها.
ثالثاً: في أثر الفسخ:
بعد ما تقدم منا في المطلب الثاني ذكر أن عقد الزواج لازم لا ينفسخ إلا بثبوت خيار العيب أو التدليس، وبعدما بيّنا موارد ثبوت خيار العيب وكيفية حدوث التدليس، بقي أن نعرض في هذا المطلب الثالث لبيان أحكام الفسخ وأثره، وذلك في المسائل التالية:
إذا ثبت خيار الفسخ بالعيب أو التدليس لأحد الزوجين فاختار فسخ العقد، لزمه أن يظهر رغبته بإيقاع الفسخ بكل ما يدل عليه من قول أو فعل، دون حاجة لقبول الطرف الآخر به. والفسخ ليس بطلاق، فلا يشترط فيه الخلو من الحيض والنفاس، ولا شهادة العدلين، ولا يحسب مع الطلقتين بحكم الطلاق الثالث كي يحكم بحرمة المرأة المطلقة مرتين إذا رجع إليها في المرة الثانية ثم فارقها بفسخ العقد بالعيب، بل يصح له التزوج منها دون حاجة لأن تتزوج غيره، بل ولا غير ذلك من آثار الطلاق وشروطه.
إذا رغب صاحب خيار العيب بالفسخ، لزمته المبادرة العرفية إلى الأخذ به، فلا يبقى حقه في الفسخ إذا علم بالعيب وعلم بثبوت حقه في الفسخ فتباطأ عنه من دون عذر، فإن أخره لعذر، كحضور من يستشيره، أو ليفكر في مدى صلاح الفسخ له، أولجهله بالعيب أو جهله بثبوت الخيار أو غفلته عنه أو نسيانه له، لم يسقط حقه في الخيار، ولزمته المبادرة حين ارتفاع العذر أو حين علمه به وتذكره له.
يستثنى من لزوم المبادرة ما لو كان العيب هو (العنن) في الرجل، فإنه لا يصح للمرأة - التي لا تريد أن تصبر على هذا العيب من زوجها وترفض العيش معه بهذا الوضع - أن تبادر إلى الفسخ، بل يجب عليها رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي فيؤجله إلى سنة من تاريخ طلبها، فإن قدر على وطئها هي - بخاصة - خلال السنة سقط حقها في الفسخ، وإن لم يقدر على وطئها - ولو مع قدرته على وطء غيرها - حتى انقضى العام كان لها أن تفسخ حينئذ، مع لزوم المبادرة إليه بالنحو المذكور. هذا، ولا يجب عليها الصبر أكثر من سنة إذا عُلِم بارتفاع العنن بعدها؛ ولو فرض امتناع الزوج عن الحضور معها لرفع الأمر إلى الحاكم، صح أن تنفرد هي باحتساب السنة من حين امتناعه، حيث يصح لها المبادرة في نهاية السنة إلى الفسخ.
لا يعتبر في الفسخ بالعيب إذن الحاكم الشرعي، بما في ذلك ما لو كان العيب هو العنن، وإنما ترجع المرأة مع العنن إلى الحاكم الشرعي من أجل ضرب الأجل لا من أجل أن يكون الفسخ بإذنه، لذا فإنه إذا انقضى العام جاز لها الإستقلال بالفسخ من دون مراجعة الحاكم.
إذا فسخ الرجل بأحد عيوب المرأة، فإن كان الفسخ بعد الدخول استحقت المرأة تمام المهر وعليها العدة إلا إذا كانت صغيرة أو يائسة كما في الطلاق، وإن كان الفسخ قبله لم تستحق شيئاً ولا عدة عليها. هذا إذا لم يكن تدليس، وأما مع التدليس وتبيّن الحال للرجل بعد الدخول، فإن كان المدلِّس نفس المرأة واختار الفسخ لم تستحق المهر، وإن كان قد دفعه إليها جاز له استعادته، وإن اختار البقاء فعليه تمام المهر لها كما مر، وإن كان المدلِّس غير الزوجة فالمهر المسمى يستقر على الزوج بالدخول، ولكن يحقّ له بعد دفعه إليها أن يرجع به على المدلِّس.
هذا، ولا فرق في هذا الحكم بين موارده المختلفة، بما في ذلك ما لو تزوجها على أنها بكر فبانت ثيباً، نعم إذا اختار - في هذا المورد - البقاء على الزوجية، أو لم يكن له أن يفسخ العقد فيه لعدم ابتناء العقد على كونها بكراً، فإن له أن يُنْقِصَ من مهرها المسمى بنسبة ما به التفاوت بين مهر مثلها بكراً وثيباً، فإذا كان المهر المسمى ألف ليرة ذهباً، وكان مهر مثلها بكراً ثمانمئة وثيباً ستمئة، فمقدار نسبة التفاوت بين مهري المثل هي الربع، فيَسْقُط من المهر المسمى المذكور رُبْعُهُ، وهو مئتان وخمسون ليرة ذهباً.
من يكون تدليسه موجباً للرجوع عليه بالمهر هو الذي يسند إليه التزويج، من وليّها الشرعي أو العرفي كأبيها وجدّها وأمّها وأخيها الكبير وعمها وخالها ممن لا تصدر إلاّ عن رأيهم ويتصدون لتزويجها وترجع إليهم فيه في العرف والعادة، ومثلهم على الظاهر بعض الأجانب ممن له شدة علاقة وارتباط بها، بحيث لا تصدر إلاّ عن رأيه، ويكون هو المرجع في أمورها المهمة ويُركن إليه فيما يتعلق بها، بل لا يبعد أن يُلحقَ بمنْ ذُكر، الأجنبيُّ الذي يُرادُ عند الطرفين ويسعى في إيجاد وسائل الإئتلاف ويتولى بيان الجهات ذات العلاقة بهذا الأمر.
لا ينحصر إيقاع الفسخ بمن له الخيار، بل يجوز له توكيل من يوقعه عنه، كما يجوز للولي إيقاعه عن القاصر إذا انكشف له ما يوجب الخيار في الطرف الآخر، فإن لم يكن له ولي متصدٍ لشؤونه، أو كان له ولي ولم يكن عالماً بالعيب مدة ولايته، أو عَلِم به ولم يفسخ مع وجود مفسدة في إمضاء العقد، صح للمولَّى عليه بعد كماله أن يفسخ العقد.
يتبع..