منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - أصول الإيمان
الموضوع: أصول الإيمان
عرض مشاركة واحدة
قديم 26-06-2018, 09:34 AM
  #19
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

قواعد في باب الأسماء والصفات
القاعدة الأولى: القول في الصفات كالقول في الذات
وبيانها: أن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا صفاته، ولا أفعاله. فإذا كان لله ذات حقيقية لا تماثل الذوات بلا خلاف فكذلك الصفات الثابتة له في الكتاب والسنة، هي صفات حقيقية لا تماثل سائر الصفات فالقول في الذات والصفات من باب واحد.
وهذه قاعدة عظيمة يناقش بها من ينكر الصفات مع إثباته الذات فإن إثبات الذات للرب عز وجل محل إجماع الأمة.
فإذا قال قائل: لا أثبت الصفات لأن في إثباتها تشبيهًا لله بخلقه.
يقال له: أنت تثبت لله ذاتًا حقيقية وتثبت للمخلوقين ذواتًا أفليس هذا تشبيهًا على قولك!! فإن قال: إنما أثبت ذاتًا لله لا تشبه الذوات ولا يسعه غير هذا. قيل له يلزمك هذا في باب الصفات فإن كانت الذات لا تشبه الذوات وهو حق فكذلك صفات الذات الإلهية لا تشبه الصفات. فإن قال: كيف أثبت صفة لا أعلم كيفيتها. قلنا: له كما تثبت ذاتًا لا تعلم كيفيتها.
القاعدة الثانية: القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر وشرحها: أن القول في بعض صفات الله من حيث الإثبات والنفي كالقول في البعض الآخر وهذه القاعدة يخاطب بها من يثبت بعض الصفات وينكر البعض الآخر. فإذا كان الرجل يثبت بعض الصفات كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر وغيرها ويجعل ذلك كله حقيقة ثم ينازع في صفة المحبة والرضا والغضب وغيرها، ويجعل ذلك مجازًا فيقال له: لا فرق بين ما أثبته وبين ما نفيته فالقول في أحدهما كالقول في الآخر. فإن كنت تثبت له حياة وعلمًا وقدرة وسمعًا وبصرًا لا تشبه ما يثبت للمخلوقين الذين يتصفون بهذه الصفات فكذلك يلزمك أن تثبت له محبة ورضًا وغضبًا كما أخبر هو عن نفسه من غير مشابهة للمخلوقين وإلا وقعت في التناقض.
القاعدة الثالثة: الأسماء والصفات توقيفية
أسماء الله وصفاته توقيفية لا مجال للعقل فيها وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله تعالى من الأسماء والصفات فوجب الوقوف على النص. قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء: 36) . وقد كان أئمة الإسلام على هذا المنهج. قال الإمام أحمد رحمه الله: (لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث) . وقرر بعض أهل العلم أن العلم بالشيء حتى يُمكن وصفه له ثلاثة طرق: إما رؤيتَه، أو رؤية مثيله، أو وصفه ممن يعرفه. وعِلْمُنَا بِرَبِّنا وأسمائه وصفاته محصور في الطريق الثالث وهو وصفه ممن يعرفه وليس أحد أعلم بالله من الله ثم رسله الذين أوحى إليهم وعلمهم فوجب لزوم طريق الوحي في أسماء الله وصفاته إذ لم نر ربنا في الدنيا فنصفه وليس له مثيل من خلقه فيوصف بوصفه، تعالى ربنا وتقدس.
القاعدة الرابعة: أسماء الله كلها حسنى
أسماء الله كلها حسنى أي بالغة في الحسن غايته. قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (الأعراف: 180) وذلك لدلالتها على أحسن مسمى وأشرف مدلول وهو الله عز وجل ولأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه لا احتمالا ولا تقديرًا.
مثال ذلك: (الحي) اسم من أسماء الله تعالى متضمن للحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال. الحياة المستلزمة لكمال الصفات من العلم والقدرة والسمع والبصر وغيرها. ومثال آخر: (العليم) اسم من أسماء الله تعالى متضمن للعلم الكامل الذي لم يسبق بجهل ولا يلحقه نسيان. قال تعالى {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} (طه: 52) العلم الواسع المحيط بكل شيء جملة وتفصيلا سواء ما يتعلق بأفعاله أو أفعال خلقه. كما قال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (غافر: 19) .
والحسن في أسماء الله تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراد، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره فيحصل بجمع الاسم إلى آخر كمال فوق كمال.
مثال ذلك: (العزيز الحكيم) فإن الله تعالى يجمع بينهما في القرآن كثيرًا فيكون كل منهما دالا على الكمال الخاص الذي يقتضيه وهو العزة في
العزيز والحكم والحكمة في الحكيم. والجمع بينهما دال على كمال آخر وهو أن العزة لله تعالى مقرونة بالحكمة فعزته لا تقتضي ظلمًا وجورًا كما يكون من بعض أعزاء المخلوقين فإن بعضهم قد تأخذه العزة بالإثم فيظلم ويجور، وكذلك حكمه تعالى وحكمته مقرونان بالعز الكامل بخلاف حكم المخلوق وحكمته فإنهما يعتريهما الذل. هذا والله أعلم.
بعض ثمرات الأصل الأول (الإيمان بالله)
1 - أن العبد ينال بذلك سعادة الدنيا والآخرة، بل إن السعادة في الدارين متوقف الحصول عليها على الإيمان بالله، فحظ العبد منها بحسب حظه من إيمانه بربه وأسمائه وصفاته وألوهيته.
2 - أن إيمان العبد بربه وأسمائه وصفاته هو أعظم أسباب خوفه سبحانه وخشيته وتحقيق طاعته، فكلما كان العبد بربه أعرف كان إليه أقرب، ومنه أخشى، ولعبادته أطلب، وعن معصته ومخالفته أبعد.
3 - أن العبد ينال بذلك طمأنينة قلبه، وراحة نفسه، وأنس خاطره، والأمن والاهتداء في الدنيا والآخرة. والله تعالى يقول {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28) .
4 - أنَّ نيل ثواب الآخرة متوقف على الإيمان بالله وصحته، فبتحقيقه وتحقيق لوازمه ينال العبد ثواب الآخرة فيدخل جنة عرضها السماء والأرض فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وينجو من النار وعذابها الشديد، وأعظم من ذلك كله أن يفوز برضى الرب سبحانه فلا يسخط عليه أبدًا، ويتلذذ يوم القيامة بالنظر إلى وجهه الكريم في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
5 - أن الإيمان بالله هو الذي يصحح الأعمال ويجعلها مقبولة، فبفقده لا تقبل بل ترد على صاحبها وإن كثرت وتنوعت، قال تعالى {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة: 5) . وقال تعالى {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} (الإسراء: 19) .
6 - أن الإيمان الصحيح بالله يحمل صاحبه على التزام الحق واتباعه علمًا وعملًا، ويكسب العبد الاستعداد التام لتلقي المواعظ النافعة والعبر المؤثرة، ويوجب سلامة الفطرة، وحسن القصد، والمبادرة إلى الخيرات، ومجانبة المحرمات والمنكرات، ولزوم الأخلاق الحميدة، والخصال الكريمة، والآداب النافعة.
7 - أنَّ الإيمان بالله ملجأ المؤمنين في كل ما يلم لهم من شرور وحزن وأمن وخوف وطاعة ومعصية وغير ذلك من الأمور التي لا بد لكل أحد منها، فعند المحاب والسرور يلجؤون إلى الإيمان بالله فيحمدون الله ويثنون عليه ويستعملون نعمته فيما يحب، وعند المكاره والأحزان يلجؤون إلى الإيمان بالله فيتسلون بإيمانهم وما يترتب عليه من الأجر والثواب، وعند المخاوف والأحزان يلجؤون إلى الإيمان بالله فتطمئن قلوبهم ويزداد إيمانهم وتعظم ثقتهم بربهم، وعند الطاعات والتوفيق للأعمال الصالحات يلجؤون إلى الإيمان بالله فيعترفون بنعمته عليهم، ويحرصون على تكميلها، ويسألونه الثبات عليها والتوفيق لقبولها، وعند الوقوع في شيء من المعاصي يلجؤون إلى الإيمان بالله فيبادرون إلى التوبة منها والتخلص من شرورها وأوضارها، فالمؤمنون في جميع تقلباتهم وتصرفاتهم ملجؤهم إلى الإيمان بالله وحده.
8- أن معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته توجب محبة الله في القلوب إذ أن أسماء الله وصفاته كاملة من كل وجه والنفوس قد جبلت على حب الكمال والفضل فإذا تحققت محبة الله في القلوب انقادت الجوارح بالأعمال وتحققت الحكمة التي خلق العبد من أجلها وهي عبادة الله.
9 - أن العلم بالأسماء والصفات يورث قوة اليقين بانفراد الله تعالى بتصريف شؤون الخلق وانفراده بذلك لا شريك له وهذا مما يحقق صدق التوكل على الله في جلب المصالح الدينية والدنيوية وفي ذلك فلاح العبد ونجاحه فمن توكل على الله فهو حسبه.
10 - إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم، فإن المعلومات سواه إما أن تكون خلقا له تعالى أو أمرا، وهي إما علم بما كونه، وإما علم بما شرعه، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه. فمن أحصى أسماء الله كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم.
انتهينا بذلك من الأصل الأول (الإيمان بالله) وفي اللقاء القادم بمشيئة الله نبدأ في الأصل الثاني (الإيمان بالملائكة)
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس