أن تترك فاس خلف ظهرك وتتجه صوب إفران فهذا يعني شعوراً أستثنائياً بالنسبة لي، ليس لأن إفران تدعى بسويسرا المغرب، حيث الطبيعة والمياه، بل أنها بداية لشق عباب المغرب من وسطه، حيث جبال الأطلس المتوسط التي انتقل من أعلاها إلى أسفلها ومن أسفلها إلى أعلاها، كما لو كنتُ بسفينة تلاعبها الأمواج المتلاطمة في عمق المحيط الأطلسي، هناك حيث تتوسط المغرب كله، وتتنفس هواءه بنقاء، وحيث الأمازيغ دون أن يمسهم تلوث العالم المادي الجديد، حيث الروح التي تتجلى على صفحة الوجه، والبراءة التي تحكم الأفعال والحركات، حيث الكرم والترحاب والأريحية، حيث النية المتجلية في أعماق الصدور، أول علاقة لي بالأمازيغ كانت قبل أكثر من 12 سنة، حيث التلقائية في الكلام والطهر المشع من العيون قبل الكلام، كانت في قرية مريرت M'rirt ، حيث قلب الشلوح، ولكل مافيها ينطق الأمازيغية حتى الجمادات تكاد تتحدث لغتهم، وبعدها توالت طيوف من الأمازيغ على مر تلك السنين، حتى عرفتهم ولازلت أفرح بلقائهم، وبتُ أعرف أشكالهم وألوانهم وعيونهم وقبل ذلك كله روحهم التي أكثر ماتتجلى في حركات رموش عيونهم.

اتجهت صوب إفران، وودعت فاس النظيفة النقية التي مُلئت بالأعلام البراقة المغربية الحمراء، سالكاً طريقاً وطنياً فرعياً، وهكذا سأسير بهذا الطريق حتى أًصل إلى مراكش حيث ستكون السرعة القصوى والتي اعتمدتها لنفسي هي 60 كيلو متراً بالساعة، ليتسنى لي تأمل تلك الأرض الطيبة، سرتُ مايقارب الخمسين كيلو متراً حتى وصلتُ إفران تلك التي تكتسب أهمية كبيرة من حيث الطبيعة والأشجار الخضراء المنتشرة دون قصد، والعيون التي تنبع وتعطي بسخاء كأهلها، ومقصد المغاربة كلهم في فصل الشتاء والتزلج في الثلوج، كنتُ قد حجزت عن طريق ال Airbnb ، كأغلب حجوزاتي في المغرب، كانت عبارة عن فلة جديدة اسماها صاحبهها Little Switzerland، يسكن صاحبها الأمازيغي الذي كان مديراً لأحد البنوك في إفران و تقاعد قبل أكثر من سنة وزوجته في أعلى الفلة بينما أنا سأسكن في الدور الأرضي، الذي يتكون من ثلاث غرف وصالون وكوزينة، كان الرجل يدعى لحسن ، رقيقاً هادئاً خجولاً مبتسماً راقياً، لاتملك أمامه إلا أن تخفض جناحكَ وتحاول أن تصل لرقته رغم أنكَ تدرك صعوبة ذلك، استقبلني وشرح لي طبيعة المنزل ومحتوياته، كان مضيافاً بكلامه قبل فعله، دخلت الفلة وغيرت ملابسي، ولما خرجت رأيته قد بادر واستقبلني ببراد آتاي وبعض الحلويات المغربية والسناك، لم يكن هذا واجبٌ عليه أمام شخصٍ جاء ليستأجر من بيته، لكنه الذوق والكرم، جلستُ وأياه في فناء البيت، مقابل شجرة الكرز أو حب الملوك كما يسميه المغاربة، وأخذنا نتحدث، وكعادتي لاحديث يعلو فوق صوت الحديث عن المغرب وثقافته وشعبه وأرضه وتاريخه وتراثه وأعراقه، لم يكن يصدق لحسن تلك الثقافة التي اكتسبتها عن المغرب، كان مدهوشاً أن عرفتُ تفاصيل كثيرة قد تخفى على بعض المغاربة أنفسهم، تناولنا الحديث والحلويات وشربنا الآتاي حتى انتهى، وترجاني أن يصوب آتاياً آخر، إلا أني رفضت ذلك، وأخذتُ منه الكثير من المعلومات عن إفران وعن أبرز الأماكن التي أضفتها لقائمتي التي أعددتها مسبقاً عن إفران، ودعته بعد مضئ ساعة من لقائنا، وخرجت أتوجه أتجول في المدينة قبل أن يداهمني الظلام..

سأكمل قصة إفران بعد قريباً جداً...

__________________
ياصبحِ لاتِقبل !!
عط الليل من وقتك..