منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - رحلة الأحلام في المغرب
عرض مشاركة واحدة
قديم 30-07-2017, 06:24 PM
  #138
Neat Man
كبار شخصيات المنتدى
 الصورة الرمزية Neat Man
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 4,683
Neat Man غير متصل  
رد: رحلة الأحلام في المغرب

غادرت لحسن وذهبتُ مباشرة إلى تمثال الأسد أو السباع كما يطلق عليه هناك، وهو في قلب مدينة إفران الصغيرة وحوله كوفيهات ومطاعم قليلة، وجدت حينها بعض العوائل وبعض المراهقين والمراهقات الذين يبدو أنهم كانوا في رحلة مدرسية يتسابقون على التصوير حوله، ورحتُ اتجول بالشوارع راجلاً حتى سألتُ عن مكان أزوره، فنصحوني بسوق البلد، وهو عبارة عن سوق للخضار واللحوم وحوله مطاعم منتشرة أقرب ماتكون إلى الشعبية وتبيع غالباً المشاوي إلى جانب الأكلات المغربية، ثم ذهبتُ إلى عين فيتال التي لاتبعد سوى بضعة كيلو مترات عن إفران إن لم تكن داخلها، عين فيتال جميلة أقصد غابتها، وهي تنشر خيرها على كافة الغابة حيث تجد الماء في كل مكان، العوائل منتشرة رغم قلتها، والأشجار تحيط بهم والأنهار الصغيرة تتجول ببرودتها بينهم.
بينما كنت أتنقل داخل الغابة والهواء اللطيف يداعب ملامحي، كل مايمكنك الشعور به حينها لاشيء عدا السعادة، وبينما أحاول أقفز بعض جداول المياه، وإذا ببائع عسل ينظر إليه ويبتسم ويرحب، وأدركت أنه عرفَ أني سائحُ يريد أن يستثمره ليبيع عليه، سألني من أين، فأجبته وما أسمي فقلت له، وقلت له ما أسمك أنتَ فقال مبتسماً أن أسمه عمر ابن الخطاب، فضحكت وضحك وقال هل تريد أن أريك بطاقتي، قلت له لا لقد صدقتك، وكان خفيف الظل مزوحاً، وقلت له من أين أنت، قال أنا من الشلوح، ولكن من شلوح أغادير وماحولها، ومن أي مدينة أنت؟ قال من آيت باها، قلت ومالذي آتى بكَ هنا، فقال الرزق، قلت من أين تأتي بالعسل، فقال من الجبل، وقال هل تريد عسلاً، فسألته عن أنواع العسل، وراح يشرح بهمة البائع الذي يريد أن يقنع المشتري ليبتاع معه عسلاً، خصوصاً عسل الداغموس الذي يستعمله الناس هناك كعلاج للصدر ونزلات البرد وغيره، وهو حين تأكله تشعر بحرارة أو حرقة في صدر والحلق وترغب أثنائها بشرب الماء، وقلت له ياعمر أنا لا أريد أن أشتري فلا تجهد نفسك، فقال ذوق فقط، قلت أنا لا أريد أن أذوق، ولا تتعب بفك العسل مادام أني لن أشتري ( عادة لا أثق بمن يبيع السعل أو الزيت أو غيرها من الأشياء التي يصعب التأكد من جودتها ونقائها)، المهم أنه فتح العسل وقال ذوق، ذقت بالفعل من عسل الداغموس، ثم فتح نوعاً ثانياً ثم فتح ثالثاً، والحقيقة اعجبتني السالفة وأنا أتذوق العسل، وحاول أن يبيعهم بسعر أقل بقليل، فرفضت، وقلت له أنه يالله جيت من فاس وكنت قبلها بمكناس وأهداني صديقي ثلاث علب من العسل، المهم أخذنا نتحدث حول المنطقة والأماكن التي يمكن زيارتها، وكان يتقبل الحديث بسعة صدر ويعطي نصائح أمينة ومفيدة، وقال لي بأنه يسكن بأزرو ويأتي إلى عين فيتال كل يوم في الصباح ويعود بالعشية ليبيع العسل، ومن أين تأتي بالعسل؟ قلت له. قال من الجبل ولم يرغب بأن يفصل، ففهمت ذلك ولم أزد بأسئلتي، وأعطاني الرجل من وقته وأحسست بالأمان معه، وراح يقفل عسله بعد أن بذل الجهد لاقناعي بالشراء ولم يفلح، فكسرَ خاطري ورقّ قلبي له، وقلتُ له يا عمر سأعطيك أجرَ ماذوقتني، ورفض وقال لا بعزة الإنسان، والحقيقة أني لم أتوقع رفضه لأنه على الأقل إذا لم ابتاع منه العسل فإنه خرجَ بمبلغٍ ولو كان يسيراً، فلسان حاله إما أن تتشتري وإما لا آخذ منك ماذوقته إياك بطيب خاطر، ثم سألته وأين أجد الشلال الكبير الذي تنبع منه العين، فقال هناك وأشار بيده، فقلت (كم يمكن؟) أقصد كم كيلو، فراح يضحك قال أنتَ قلتَ كمي، ونحن نقول بلهجتنا السوسية كمي للبنت يعني أنتي، فهم مني (كمي مكن)، قلتُ له البنت تقول لها في لهجتكم كمي يعني أنتي، قلت هذه أول كلمة سوسية أحفظها، فقال لما تشوف بنت قلها كمي توفلكيت، أي أنتي جميلة، قلتُ حسناَ، ومن هنا بدأت رحلت تعلمي للشلحة، وكان من تحتنا ماءٌ يجري قد تفرع وسلك طريقه قادماً من العين، وقريبٌ منّا ماء كثيف على شكل صنبور مندفع في علو ليس كبيراً، يفد إليه الناسُ بقرعاتهم ويأخذون منه، وكان هناك صبية يؤجرون الأكواب الخشبية المشهورة في تلك المنطقة لمن يريد أن يشرب الماء بها ممن لايملك قرعة في يده، ويعطيهم من يستأجرها ماتجود به يده، أخذت الكوب ورحت أشرب من الماء البارد واللذيذ والذي لاتمل الأرتواء منه، وكان عمر يمشي بجانبي، فكما أني أرتحت له فهو قد أرتاح لي، ولما فرغت من شرب الماء قلت له هيا بنا لعين وشلال تيفال، وفعلاً ركبَ معي وأثناء الطريق كنتُ أسأله عن السوق وتجارته، حتى وصلنا المكان ورحت أقبل على الشلال الذي يترأى لي من بعيد وحوله الناس يتأملون ويأخذون الصور فأقبلتُ عليه فرحاً كما لو كنتُ طفلاً قد أودعه أبيه إلى حديقة تتمركز في وسطها الألعاب، أخذت أقترب من الشلال أكثر ورذاذه يبللني، وعمر يلتقط الصور لي، وشربنا بعض العصائر حتى اقترب الليل وقلت له هيا بنا ياعمر، هل تريد أن أصلكَ إلى دارك؟ فقال إن داره في أزرو وقد يكونُ بعيداً عليّ ـ فقلتُ لابأس سأستغل الفرصة بالتعرف عليك أكثر والتعرف على المنطقة، وهي فرصة أن أزور أزرو، فأنتَ من أحسنتَ إليّ ولستُ أنا، ثم أريدُ أن أجازيكَ أجرّ ما صنعتَ لي، فأنتَ قد منحتني وقتكَ دون أي مقابل أو طمع، وبالفعل ذهبنا مع طريق مشوحاً بالأشجار المتنوعة حتى وصلنا أزرو فودعته وتجولتُ بها بسيارتي قليلاً وعدتُ أدراجي إلى إفران،
حتى جاء الليل، وتجولت قليلاً في قلب إفران ومررت مع تمثال الأسد مرة أخرى وكانت فرصة لألتقطَ صوراً أخرى، وكانت نفسي تراودني أن آخذ كوباً من القهوة، إلا أني تذكرت أن نومي قد اقترب والبرد بدأ يشتد، وكان علي أن أعود لأنام بهدوء كهدوء تلك المدينة ونقائها.
في اليوم التالي من الصباح كان علي أن أودعّ إفران، ولما صحيتُ من النوم وأخذت دشاً، وحزمت حقيبتي، وخرجتُ لأسلم المفتاح للحسن، وما أن فتحتُ بابي حتى أراد بأن يودعني بما استقبلني به، فإذ به يحمل صينيةً قد ملئتً فطوراً مغربياً وآتاياً سيروض ذهني ويعطيني شيئاً من النشاط، وقد أخجلني صنيعه الذي لم يكن شرطاً ولا واجباً عليه، فأعطاني أياها وترك لي راحتي بأن أفطر، حتى انتهي وبعد أن انتهي أدعوه ليستلم المفتاح، وكان ذلك..
ودعت ذلكَ الرجل الذي لاتملك أمامه إلا الخجل من حسن صنيعه ورقة طبعه ولين جانبه، متجهاً إلى قلب الأطلس المتوسط بل إلى ذلك الذي يتوق إليه قلبي وتستلم له روحي، حيث عيون أم الربيع والناس الذي لايمكنك إلا أن يتملكك حبهم، هناكَ حدثَ لي موقف كان من أبرز المواقف التي حدثت رغم أنه قد يكون اعتيادياً عند البعض إلا أنه عظيماً عندي.

سأضع صور رحلة إفران قريباً إن شاء الله..
__________________
ياصبحِ لاتِقبل !!
عط الليل من وقتك..
رد مع اقتباس