منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - هنا تستقبل الأسئلة والاستفسارات الشرعية ليجيب عليها فضيلة الشيخ سعد بن مطر العتيبي
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-09-2008, 05:23 PM
  #83
الشيخ/سعد بن مطر العتيبي
عضو هيئة التدريس بقسم السياسة الشرعية بالمعهد العالي للقضاء
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 70
الشيخ/سعد بن مطر العتيبي غير متصل  
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مهره مشاهدة المشاركة
شيخنا الفاضل..

في كل رمضان يتكرر سؤال عام حول المفطرات .. وتدور بعض الأسئلة عن بععض الحالات الخاصة وما إذا كان ينتقض معها الصوم أم لا ... من ذلك: دخول الماء في الأذن خلال الاستحمام أو السباحة مثلاً .. أو وصول ماء الاستنشاق عبر الأنف إلى الحلق .. أو دخول الغبار أو الدخان إلى الجوف .. وغيرها من حالات قرأت عنها أو سمعت بها وكان الرأي الشرعي هو عدم جواز ذلك وبطلان الصوم عنده!

وحقيقةً فإنني أستغرب من هذا الرأي لسببين:

الأول أن الصوم يفترض أنه امتناع عن الأكل والشرب ... بمعنى عدم إشباع غريزة الجوع والعطش ... فأين الإشباع في ماء دخل عبر الأذن أو عبر الأنف .. وأين الإشباع في دخان أو غبار؟؟

وقد فاجأتني فقرة قرأتها عن مبطلات الصوم جاء فيها (ويشمل ما ينفع ومايضر,ومالا ينفع ولايضر,,فما ينفع كاللحم والخبز وماأشبه ذلك,ومايضر كالحشيشة ونحوها,ما لانفع فيه ولاضرر مثل أن يبتلع خرزة سبحة أو نحوها,ووجه العموم إطلاق الآية{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ} وهذا يسمى أكلاً.

فكيف يكون ابتلاع خرزة أكلاً؟!!!!!!!


الثاني هو إغفال النية .. بمعنى أن من تحدث معه مثل تلك المواقف العرضية فإن نيته لا تكون إبطال صيامه ولا تناول أي مفطر .. وإذا كنا نعرف أن من أكل ناسياً فإن صيامه لا يبطل فكيف نقول إن من دخل جوفه شيء من ماء أو غيره بدون قصد أو نية للإفطار يكون صيامه غير صحيح؟؟؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله !
مع تحفظي على ما جاء في السؤال من إطلاقات وما ذكر في التسبيب من تعليل ، ألخص جواب أصل الاستشكال ببيان أمرين رئيسين :

الأول : التفريق بين نص الشارع ، وفهم الفقيه له .
فقد يكون الفقيه عالما بالنصوص والآثار ، ملتزما بأصول الاستنباط الصحيحة ، مجتهدا في تحري الأصوب منها باجتهاد معتبر ، وقد يكون فقيها مقلدا يأخذ الفقه كما يتلقاه من مذهبه ، ويخرِّج ما يجد من أحكام على ما تعلمه بغض النظر عن مسألة التمحيص و التحقيق . ومن هنا ظهر بعد مدة من التقليد عدد من المجددين المحققين من أهل العلم بالنصوص والآثار الفقه وأصول الاستنباط . ووجدنا المحققين يشددون النكير على المقلدة ممن يقفون عند نصوص الفقهاء التي جاءت في سياق يناسبها ليعمموها على ما لا يقبله أولئك الفقهاء الكبار . وممن شدد النكير على هؤلاء القرافي وابن القيم والشوكاني وغيرهم .
وغالب الغرائب الفقهية توجد في كتب المقلدة ، كمن يقول : إن من أخرج لسانه من فيه ثمر رده إلى فيه وابتلع ما كان عليه فقد أفطر ! وهذا تنطع عجيب بعيد عن مقاصد التشريع وفقه نصوصه ، التي أتت بالمضمضة التي يتبقى منها بعد مج الماء شيء منه ، لكن لم يأمر الشارع بالتنطع في إخراجه خشية الفطر .

الثاني : التنبه إلى مأخذ الحكم عند الفقيه ، فقد يضيّق في معنى المفطرات وقد يوسع وقد يتوسط ، وهذا أمر له أسباب كثيرة تتعلق بنشأته البيئية وملكته الاستنباطية ومدرسته الفقهية ، وهي مما يطول الحديث فيه .

وكثير من هذه الأسباب موجودة عند كل من يريد فهم نص على أصول معينة ، سواء كان نصا شرعيا أو غير شرعي . ومن أمثلة ذلك : نظر الفقيه لدلالة الكلمة في اللغة العربية الأصيلة وفي الاصطلاح الشرعي والاصطلاح الفقهي والاصطلاح العرفي . فهل الأكل مثلا هو لما يطعم فقط ؟ أو أنه يشمل كل ما أدخله الإنسان في فيه وابتلعه ؟!
وتتلخص مدارس الفهم عند المسلمين وغيرهم في ثلاث مدارس رئيسية :
الأولى : مدرسة الحرفية الظاهرية . ويمثلها بشكل عام : مدرسة الفقه الظاهري . وهي كما أسلفت موجودة عند المسلمين وغير المسلمين ، ولها أنصار في كل الأمم . ولو كان المجال يسع لمثلت لذلك بأثلة إسلامية وغير إسلامية .
الثانية : مدرسة التوسط في الفهم جمعا بين الدلالة النصية والملابسات الأخرى . وهذا ما عليه جمهور المدارس الفقهية من المالكية والشافعية والحنابلة . ولها مسميات مختلفة في المدارس الأجنبية .
الثالثة : مدرسة التوسع في المعاني . ويمثلها في الجملة المدرسة الحنفية .

وهنا ينبغي على طالب العلم : الاهتمام بفقه وفتاوى المحققين من أهل العلم . لأنها تمحص كل ما صدر عن تلك المدارس من فقه ضخم ، وتحقق ما يترجح وفق أصول الاستنباط ؛ لجمعها للنصوص ، وإفادتها من المدارس الفقهية والحديثية ، وإجراء المقارنة الفقهية بين مناقشاتها لبعضها في حراكها العلمي الهاديء ، وقياس الصواب منها وفق أصول الاستنباط المعتبرة عند العلماء .

والمناسبة لا تسع لأكثر من هذا ، وإلا ففي جواب هذا الاستشكال مباحث ومسائل لطيفة وظريفة وبيان لفلسفة التشريع وأهميتها .

التعديل الأخير تم بواسطة الشيخ/سعد بن مطر العتيبي ; 11-09-2008 الساعة 05:25 PM