منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - هنا تستقبل الأسئلة والاستفسارات الشرعية ليجيب عليها فضيلة الشيخ سعد بن مطر العتيبي
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-09-2008, 02:19 PM
  #28
الشيخ/سعد بن مطر العتيبي
عضو هيئة التدريس بقسم السياسة الشرعية بالمعهد العالي للقضاء
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 70
الشيخ/سعد بن مطر العتيبي غير متصل  
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مستشارالمنتدى مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،

فضيلة الشيخ بعض الأزواج والزوجات يضعون أرقاما سرية لهواتفهم النقالة وحواسبهم الشخصية . فيلجأ الآخر الى محاولة فك تلك الأرقام لمعرفة الأسرار التي يخفيها الطرف الآخر فهل هذا جائز شرعا ؟ وهل يعتبر من التجسس على الآخر ؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله !
في الغالب أن داعي التجسس سوء الظنّ ، فيكون الفاعل لذلك قد ارتكب – في الغالب - محظورين مؤكدين بالنص ، لا محظورا واحدا : الظنّ الآثم والتجسس .. وقد وردت النصوص الشرعية بالنهي عن تجسس المؤمنين على بعضهم بعد الأمر باجتناب الظنّ الآثم الذي هو أكثر الظنّ ، فقد قال الله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظنّ إن بعض الظنّ إثم ولا تجسسوا ) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إيَّاكم والظنّ فإنَّ الظنّ أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ، ولا تجسسوا ، ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ) رواه الشيخان واللفظ لمسلم ، ففيه التحذير من الظنّ وبيان كونه أكذب الحديث ، وفيه النهي عن التحسس والتجسس ، وقد فسره شراح الحديث بأنَّ التحسس بالحاء : الاستماع لحديث القوم ، والتجسس بالجيم : البحث عن العورات أو التفتيش عن بواطن الأمور ، وأكثر ما يقال في الشرّ ، وقيل : التجسس بالجيم : أن تطلب الأخبار الغائبة والأحوال لغيرك فيكون متضمنا معنى الغيبة أيضا ، والتحسس بالحاء أن تطلبه لنفسك ؛ كما أن فيه النهي عن التباغض الذي يؤدي إليه التجسس غالبا .
ومما قد يغفل عنه من يتجرأ على هذا السلوك المشين : أنَّ الجوالات النسائية لا تكاد تخلو من رسائل خاصة بين النساء ، مما لا يجوز له الاطلاع عليه ولو أذنت الزوج لزوجها بالاطلاع عليه ؛ لحق المرأة الغريبة عليه التي تراسلت مع زوجه في أمور تُعد من حديث المجالس الخاصة ؛ فبأي حق يطلع على رسائل امرأة غافلة ربما جاء فيها ما يسوغ بين النساء مما لا ترتضي النساء اطلاع الرجال عليه ، لما فيه من توسع في الحديث الخاص والمزاح ونحو ذلك .. وكذلك الحال بالنسبة لتجسس المرأة على هاتف زوجها .
وعلى كل حال ، فهذه النصوص من الكتاب والسنة وغيرها مما جاء في النهي عن تتبع العورات ، صريحة في النهي عن تجسس المؤمنين على بعضهم ، ومن ذلك الأزواج ، فلا مُخرِج لهم عن دلالة النهي في النصوص .
ومما يؤسِف أنَّ بعض النّاس يظنّ أن عقد النكاح يبيح ما لم يبحه الشرع به من المحرمات والخصوصيات ، وهذا تصور فاسد ، فعقد النكاح عقد انتفاع لا يجوز به إلا ما جوزه الشرع ، وما بقي يكون على أصل المنع ؛ ومثله ظنّ بعض الآباء جواز ظلمه لولده وتساهله في تجاوز حدوده في تربيته ، مع أن الله تعالى قد جعل حمايتهم من مسؤوليته التي يُسأل عنها بالسؤال عن رعيته ، وقد حرّم سبحانه الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده ؛ فليحذر المسلم من تجاوز حدوده اغتراراً بالأعراف الفاسدة والسلوك الخاطيء .
وقد يقول بعض الناس إنه يشك في زوجته لأمور ثبتت لديه ، وهنا يقال له يجب الانتقال إلى باب آخر وهو الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالدرجة التي يقتضيها الحال ، وفي حدود الرعوية الشرعية على الزوج ، على نحو ما ورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( من رآى منكم منكرا فليغيّره بيده ) . فإن لم ضاقت الأمور عن حلول شرعية يبقى معه عقد النكاح ، فقد جعل الله من أسباب الفرقة الشرعية ما تبقى معه صيانة الحرمات والتخلص من الآثام ، علما أن هذا هو آخر الحلول من طرف كلٍّ من الزوجين ، بطلاق أو خلع أو فسخ .
وفي المسألة تفاصيل في تطبيق النصح والإصلاح وكيفية معالجة بعض المواقف ، ينبغي أن يستشار فيها بخصوصها من كان على دراية بمعالجة مثل هذه الإشكالات ، نسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم من كل سوء ، والله تعالى أعلم .