أبو سلطان يحتل مقعد القيادة

التفت إلينا البريفسور (ماير) وسأل : كيف حال الوالدة ؟! .. قلت: إلى الآن والأمور طيبة والأعراض التي تشكو منها قد تضاءلت رغم أننا لم نبدأ بأي علاج !! .. ولا ندري هل سيستمر هذا التحسن إذا عدنا إلى الرياض أم تعود الأعراض من جديد ؟! .. أجابني بأن الأعراض التي تشعر بها الوالدة في طور الخمول بسبب تغير المكان ولكن من المتوقع أن تعود الآلام في أي لحظة وبشدة أكبر !! .. سترك يا رحمن !! .. طلب منا أن نجري تخطيطا للدماغ وتم إعطائنا موعد لمراجعة مركز قريب من مقر سكننا في جود سبيرج لعمل هذا التخطيط!! .. وهذه صورة الشقة الأولى التي سكنا فيها وتقع في الطابق الثاني ويلاحظ النافذة المفتوحة



ثم أخرج من جيبه ستة حبات من الدواء وأعطاها للوالدة وأخبرها عن طريق المترجم ( صابر ) أن توقف تناول جميع الأدوية التي تتناولها وتقتصر على هذا العلاج لمدة ثلاثة أيام بواقع حبتين يوميا إلى أن تصل نتيجة تخطيط الدماغ !! .. سأل ( ماير ) بعض الأسئلة واستفسر عن بعض النقاط المبهمة في تاريخ الوالدة المرضي وعاد بذاكرتها إلى أيام مضت كما يفعل أي طبيب نفسي عندما يترك المريض يعبر ويتحدث عن الماضي في محاولة للتوصل لأسباب المرض وبداياته الأولى .. طبعا استمرت المقابلة ما يقارب الساعتين بسبب أن الدكتور يسأل باللغة الألمانية والمترجم صابر يترجم للوالدة السؤال .. ثم تجيب الوالدة باللغة العربية ويترجم صابر الجواب للطبيب الذي يعود إلى السؤال من جديد وهكذا إلى أن انتهت المقابلة وتحدد الموعد الجديد بعد ثلاثة أيام !! ..

انتهينا من زيارة المستشفى قريبا من الظهر وعدنا إلى الشقة .. كان بقية الجيش العرمرم يشعر بالملل بانتظار عودتنا من زيارة الطبيب ولم يكن في بالي مكان معين نذهب إليه إلا أنني طلبت من صابر أن يسير بنا نحو النهر لنستمتع بالنظر إليه ونجلس على أحد المقاهي نتأمل المياه !!.. معليش أخوكم أبو سلطان محروم من الماء والخضرة !! .. حتى الزرع في حوش بيتنا ميت ويابس !! .. أصلا بيتنا ما فيه حوش !!! .. مجرد حوض ترابي مترين في متر أتخيل أنه مملوء بمختلف أنواع النباتات عندما أتأمله وأنا صاعد السلم أو أثناء النزول !! .. الحمد لله على نعمة الأحلام .. أحلام اليقظة وأحلام المنام !! ..
وصلنا إلى ضفة نهر الراين من جديد .. لم أمل من منظر النهر طوال فترة وجودي بألمانيا وهل يمل أحد من رؤية الأنهار ؟! .. عندي استعداد أن أتأمل صفحة المياه بدون كلل ولا ملل إلى ما شاء الله !! .. وصلنا إلى الضفة ورأينا تلك العبارات الصغيرة التي تنقل السيارات إلى الضفة الأخرى مثل هذه العبارة :



فقفزت الفكرة إلى راسي مباشرة لماذا لا نجرب العبارة وننتقل بها إلى الضفة الأخرى من النهر ؟! .. تحدثت إلى صابر فتوجه إلى الضفة وانتظرتنا العبارة عندما تعود مرة أخرى لكي نستقلها .. كانت العبارة تتسع لحوالي ثمانية إلى عشرة سيارات في الرحلة الواحدة على ما أظن .. إضافة إلى بعض الراجلين .. وبعض الذين يركبون الدراجات الهوائية أو النارية .. كانت العبارة أسرع وسيلة لاختصار الوقت بدلا من الدوران حول النهر للوصول إلى الضفة الأخرى .. كان شعورا ممتعا ورائعا وأنت تركب سيارتك والعبارة تعبر بك بكل هدوء وسلاسة!! ..
وصلنا الضفة الأخرى وكانت الشمس مشرقة أوقفنا السيارة قريبا من أحد المقاهي المطلة على النهر وجلسنا نستمتع بالنسائم العليلة .. صحيح أنها ليست نسائم نجد !! .. ولكن نسائم ألمانيا تؤدي الغرض على كل حال !! .. لا سيما في الصيف !!
تجولنا على أرجلنا نستكشف المكان الذي لم يكن فيه ما يثير الاهتمام .. والتقطت صورة لأخي أما إحدى السفن الراسية عند النهر .. سوف تلاحضون أوزة تسبح في النهر ( خلاص غيرت البط إلى الأوز هل تسمعني يا بحار الشبكة ؟! ) ..



ثم تجولنا بالسيارة حول المنطقة ودخلنا بعض الضواحي القريبة التي كانت هادئة .. ومررنا على مناطق قريبة من النهر مخصصة للتخييم .. ومناطق أخرى مخصصة للمشي وأخرى لقيادة الدراجات .. تذكرت حينها حال كورنيش أبحر الشمالية بمدينة جدة وكيف أنك تسير المسافات الطوال للبحث عن موطئ قدم لم تحتله الشاليهات فلا تجد !! .. أذكر مرة أنني قطعت مسافة كبيرة جدا بحثا عن مكان رملي أستطيع أن أقضي فيه أنا وعائلتي بعض الوقت فلم أجد!! .. مساحات كبيرة من أبحر احتلت !! .. وأقيمت عليها شاليهات بأسعار خيالية !! .. حرمت المواطن المسكين محدود الدخل بالاستمتاع بالبحر مثل بقية خلق الله .. مما أدى إلى تدخل الأمير عبد الله ومنع أي منح للأراضي في أبحر !! ..
تذكرت مدينة جدة وأنا أرى المساحات الخالية حول نهر الراين بألمانيا وكيف تهتم بها بلدية بون حتى يستمتع الجميع ولا تكون الأماكن حكرا على البعض دون البعض الآخر !! .. على العموم ما زلنا ندعم السياحة الداخلية رغم كل هذه الأمور ولعله تتم معالجة مثل هذه السلبيات ..



أعدت السيارة صبيحة اليوم التالي واستبدلتها بسيارة أصغر من نوع فولكس واجن جولف وأعطيت صابر إجازة لمدة يومين !! .. إذ كان مرتبطا بأعمال مع والده على أن يمر علينا بعد ثلاثة أيام عندما يحل موعد الوالدة مع الطبيب !! .. كانت هذه هي المرة الأولى التي أقود فيها في ألمانيا ..إذ كان صابر هو المسئول عن القيادة طوال الأيام التي قضاها معنا منذ وصولنا ..
وكان أول مكان نتوجه له هو المرتفع الذي حدثتكم عنه في حلقة سابقة إذ فضلت أن أزور نفس الأماكن التي زرناها في السابق حتى أتعود تماما على نظام القيادة .. في اليوم التالي ذهبت الوالدة إلى العيادة وأجرت تخطيط المخ في المركز الذي كان قريبا من شقتنا ويحتل مبنى من مباني حي جود سبيرج وبعد ان أنتهينا من إجراء التخطيط أخبرونا بأنهم سوف يرسلون النتائج إلى الطبيب .. فتوكلت على الله وتوجهت بعائلتي نحو المرتفع ذو الإطلالة الجميلة على النهر !! .. المرتفع الذي حدثتكم عنه من قبل هل تذكرونه ؟! .. قضينا بعض الوقت ثم توجهت إلى كولون متتبعا ومستذكرا الطريق الذي سرنا معه في المرة الأولى مع صابر !! .. أخي يجلس بجانبي ووالدتي وزوجتي وأختي في المقعد الخلفي وأنا أقود متجها إلى كولون من جديد ..
وأود أن أبين هنا نقطة وهي أن أخوكم أبو سلطان أكثر الناس جهلا بقراءة الخرائط !! .. إذا أردت أن تراني والعرق يتصبب مني وأنا أبحلق بكل بلاهة وبلادة !! .. فأعطني خريطة واطلب مني أن استخدمها للوصول إلى وجهة معينة !! .. أتمنى أن يأتي اليوم الذي أتعلم فيه قراءة الخرائط !! .. لم يعلمونا في المدارس في مادة الجغرافيا كيفية قراءة خرائط المدن بالقدر الذي أشبعونا فيه شرحا للرياح الجنوبية والشمالية الغربية .. فتخرجنا من المدارس لا نعرف من اتجاهات الريح سوى المثل الذي يقول : الباب الذي يأتيك منه الريح سده واستريح !! .. أوقفت السيارة في أحد مواقف السيارات المنتشرة وترجلنا دون هدف محدد اللهم التعرف على البلد وقضاء بعض الوقت .. دخلنا بعض المحلات وتسكعنا هنا وهناك ثم عدنا إلى بون مرة أخرى .. كانت الشمس قد شارفت على المغيب فمررنا بأحد المطاعم على الطريق وتناولنا عشاء خفيفا عائدين إلى قواعدنا استعدادا ليوم أخر جديد

استودعكم الله وأراكم في حلقة جديدة والسلام عليكم ورحمة الله ..