منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - رحلة الأحلام في المغرب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-08-2017, 01:17 PM
  #166
Neat Man
كبار شخصيات المنتدى
 الصورة الرمزية Neat Man
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 4,683
Neat Man غير متصل  
رد: رحلة الأحلام في المغرب

وصلتُ مراكش داخلاً إليها من شرقها بعد أن أتيتُ من شلالات أوزود قبل أن يحل الظلام، تدخل مراكش بشوارعها الفسيحة النظيفة المرتبة، وتشعر بشيء من المدنية والأصالة التي لايمكن أن تنفك عن المغرب والمغاربة حتى ولو كانوا خارج ديارهم، وصلتُ المكان الذي أستأجرته من رجلٌ لطيف يسكن هو وزوجته في الدور الأعلى وأنا سأكون في الدور الأسفل، كنتُ قد استأجرتُ داره عن طريق Airbnb، وكنتُ أول شخصٍ يستأجر عنده بعد أن شارك في هذا الموقع ليعرض بيته للآجار، كان الثمن رخيصاً مقارنة بالأثمان الشائعة هناك بالنسبة للسياح، وكعادتي في ذلك الموقع أسعى لأن اقتنص المكان الجيد والنظيف مع السعر الرخيص أو العادل، كان قد استقبلني الرجل بشيءٍ من العصير والكيك والشوكلاتة، نزلت أغراضي ورحتُ أتفقد ذلك البيت الذي يضم من خلفه فناءً قد زُينَ ببعض الأشجار، جلستُ قليلاً حتى اقتربت الساعة من التاسعة ليلاً، خرجتُ من البيت والهواء العليل يستقبلني بنقاءه، ركبتُ سيارتي وتجولتُ قليلاً في بعض الشوارع القريبة مني حتى بلغت العاشرة، سلكتُ طريقاً يسمى طريق أسفي، شعرتُ بالجوع، ورحتُ أبحثُ عن مطعماً أو كوفي أجلس فيه وآكل منه شيئاً، كان لابد أن آكل شيئاً خفيفاً حيث أنه يفترض أن أنام الساعة 11 أو أكثر بقليل، بالفعل وجدتُ مقهىً جديداً ويبدو أنه راقياً، جلستُ في فناءه المطل على شارع أسفي، كان الجو يميل للبرودة، ولكن كان ممتعاً بالرغم من برودته، طلبتُ بيتزأ وآتاي، وقف عليَ شابٌ أسمه هشام يتسم باحترافية في التعامل وتقديم الخدمة، كان فعلاً أنيقاً في طريقته بالكلام وفي حركات جسده التي يتقنها موظفو أو عمال الأماكن الراقية في طريقة التقديم والحديث والشرح بالإضافة إلى بشاشته ونقاء سريرته التي تبدو لكَ مباشرة، ورحنا نتحدث قليلاً، حتى جاء لي بالطلب وتركني لوحدي آكل وأراقب الشارع والسيارات التي تمر من أمامي والناس الذين تلحفوا بردائهم لمقاومة البرد، وما أن فرغت وأشعرت بأنه حان الوقت للعودة والنوم، حتى طلبت من هشام أن يأتي ليا بالفاتورة، فدفعت المبلغ وأضفت إليه مبلغاً لهشام، عدتُ إلى الدار، ولبستُ ملابس النوم، ونمتُ تحت البطانية والبرد يحاول أن يتسلل من تحتها فوجدتني أغطُ في نومٍ عميق.

قمتُ من نومي في الصباح قرابة الساعة الثامنة، وأخدتُ دشاً وارتديتُ ملابسي، واتجهت إلى الشارع الأشهر جليز ، هناك أفطرتُ في ستاربكس ومكثتُ أكثرَ من ساعة، ثم رحتُ أتجول بحي جليز حتى عدتُ إلى سيارتي، فتوجهت إلى قصر الباهية، ذلك القصر الفسيح الجميل والمرصع بالنقوش والنحت والصخور والزجاج والزليج والنوافير والأشجار والألوان، كان قصراً مهيباً جميلاً بني قبل أكثر من 130 سنة في عهد الدولة العلوية، يضم غرفاً متنوعة وفناء داخلي كبير في وسطه تتمركز به نافورة، وفي جوانبه حديقة غنّاء لاترتد عينيك عنها، بعد أن قضيتُ فيها أكثر من ساعتين، توجهتُ إلى حديقة ماجوريل، هذه الحديقة أحد معالم مراكش الذي أسسها الرسام الفرنسي جاك ماجوريل عام 1924 ، ويحوي أشجار وورود تم نقلها من جميع القارات الخمس وفيها أكثر من مئتي نوع من الشجر، رحتُ أتنزه بها وأتأمل أشجارها واستمتع في المشي بين ممراتها وتحت ظلال أشجارها التي تحجب بعض أشعة الشمس وتسمع لبعضها بالمرور، كانت المياه التي تسير عبر جداولها وبركها تضفي بعداً جميلاً على الحديقة.
خرجتُ من الحديقة القريبة جداً من البيت، وجلستُ قليلاً هناك، ثم رحتُ في جولة عامة على مراكش لاكتشف شوارعها واتحسس جدرانها، حتى اقترب الليل فهذبت لمطعم الحاج بوجمعة أحد أشهر المطاعم الشعبية في مراكش وتناولت هناك عشائي المكون من السلطة واللحم المشوي، الذي تختاره أمامك ثم تطلب شواءه.

في اليوم الثالث كان جدولي مصمماً بأن أزور ثلاثة أماكن مهمة وهي حدائق المنارة ومسجد الكتبية ومقابر السعديين العجيبية، ذهبتُ في الصباح إلى حدائق المنارة الفسيحة ورحتُ أتجول بها، كانت شبه خالية إلا من قليل من السياح والباعة، كانت الحديقة كبيرةٌ جداً أكثر ماينتشر فيها أشجار الزيتون، وفي وسطها، يتوسطها بركة كبيرة جداً أنشئها الموحدون لتدريب الجنود على السباحة، تجولت على جانب البركة التي أحتاج إلى أكثر من ربع ساعة لأقطع جميع جوانبها، ثم جلستُ تحت ظل شجرة أشرب عصير البرتقال من الشخص الذي يعصر البرتقال بخمسة دراهم للكأس الواحد، بعد أن أمضيتُ وقتاً هناك أكملت المسير إلى جامع الكتبية ومنارته الشهيرة الذي بني في عصر الموحدين قبل تسع مائة سنة تقريباً على يد الخليفة عبدالمؤمن الكومي، وكان الجامع كبيراً وجميلاً وكعادة الكثير من الجوامع في المغرب خصوصاً القديمة قد زينت بالأحجار الكريمة والنقوش الجميلة والزخارف الرائعة، وصليتُ هناك الظهر، كانت المنارة أو كما يسميها المغاربة الصومعة شاهقة عتيقة شاهدة على القرون الماضية تضل رافعاً رأسكَ تحدق النظر إليها لعلها تكشف ذلك الزمن القديم على جدرانها، خلف المسجد حديقة جميلة وممتعة ومرتبة ونظيفة حجمها متوسط، وفيها مقاعد يجلس الناس عليها، في وسطها ممر مائي طويل يخرج من نافورة كبيرة في آخرها، تسمى حديقة الكتبية، قضيتُ هناكَ بعضاً من الوقت، غادرت الحديقة وأنا لا أريد، ولكن كان لابد لأنه يجب أن أذهب لمقابر السعديين.
كنتُ قد عرفتُ أن أحد المعالم التي يجب أن أزورها في مراكش هي مقابر السعديين، ولم أدرك ذلك السر بشكل عميق، وهذه المقابر تحوي قبور السلاطيين السعديين وابنائهم وعائلتهم، لاتملك إلا الانبهار من العناية بها حيث بناها السلطان عبدالله الغالب قبل خمس مائة سنة تقريباً ووسعها السلطان أحمد المنصور، هذه المقابر منتشرة في ذلك السور الذي يحيط هذه المقبرة وهناك بعض الغرف التي فيها بعض النساء المتوفيات وكذلك الرجال، هناك غرفة صغيرة وكبيرة، كلها مزينة بالنقوش والزخارف على الجبس والخشب، وفيها آيات قرانية، والعبارة الشهيرة في مراكش أو المغرب قاطبة وهي (العافية الباقية) التي يقابلها في الاندلس (لاغالب إلا الله) كعبارة تنقش على الجدران، وتبقى الحجرة الكبيرة التي تضم كبار السلاطين هي الأكثر دهشة وهي المسماة بالحجرة ذات الأثنى عشر عاموداً ويحوي قبر السلطان أحمد المنصور، حيث تلمع داخل هذه الحجرة كل الألوان والزخارف في السقوف والاخشاب العتيقة على جوانبها والنقوش المتناسقة والزليج بألوانه على الأرض، هذه الغرفة هي أكثر الجماليات التي شاهدتها في المغرب قاطبة من حيث النقوش والزخارف والخشب ودقة الابداع والفن في تصميمها، فرحم الله من حوته تلك المقبرة، خرجت من المقبرة في العشية وذهبت إلى الدار وأخذتُ دشاً وارتحت قليلاً في الصالون حتى جاء الليل واتجهت إلى المقهى الذي ذهبتُ إليه في أول يوم، وهناك قابلتُ هشام مرة أخرى، استقبلني ببشاته ورحابة صدره وابتسامته اللطيفة، كان فرحاً بي كما لو كنتُ شخصاً يعرفه منذُ زمن، قام بالاهتمام بي كما كان لقائي به أول مرة بل أكثر من ذلك، طلبتُ سندوتشاً بالدجاج ومعه إبريق آتاي، وكنتُ قد أخذت جهاز الكمبيور اللاب توب الخاص بي لأقضي بعض الأعمال الخاصة بي، وكان الجو بارداً فدخلت داخل المقهى بدلاً من فنائه وقضيتُ مدة ساعتين حتى جائني النعاس وعدتُ للبيت لأنام.

في اليوم الرابع خرجتُ في الصباح أتجول بسيارتي بنواحي مراكش، حتى اقترب الظهر فهذبتُ للمنارة مول، وهو مول يبدو أنه جديد، يحوي الكثير من المحلات المختلفة كحال المولات في العالم، متوسط الحجم، وفي خارجه تصطف المقاهي الراقية والكبيرة، كل مقهى أخذ مساحة كبيرة ممتدة إلى خارجه مقابل شارع الملك محمد السادس، رحت أتمشى في المول بالرغم من أني لستُ من هواة المولات، ولما حانت الساعة الرابعة ذهبتُ إلى مقهى اسمهى فيكتور Victor ، وهو واحداً من الكوفيهات المصطفة أمام المول ويقابلكَ شارع محمد الخامس وفندق الماريدين، جلستُ خارجاً وطلبتُ قهوة وبعضاً من الفطائر، مكثتُ طويلاً في المقهى حتى اقترب الليل، فتوجهت إلى جامع الفنا، وهي ساحة شاسعة تقريباً أشهر من رأس على علم بمراكش، فلا يمكن لأي زائر لمراكش أن يغادرها دون أن يذهب لساحة جامع الفنا، بنيت قبل أكثر من ألف سنة على يد المرابطين، وتتخذ في تلك الفترة لاستعراض الخيول وجمعها قبل الذهاب إلى المعارك، ثم أصبحت مكاناً للاستعراض والفرجة والضحكة والاستمتاع فكل شخص أو جماعة يستعرضون مواهبهم وغرائبهم، وهناك من يستعرض طريقة تعامله وترويضه للثعابين وهناك من يتجمع الناس حوله فيروي لهم القصص التي لاتخلو من غرائب وضحك، ومهمته فقط طول العام رواية القصص ليدخل السرور على الناس وبالتالي يعطونه مبلغاً من المال كلٍ على قدر مايستطيع، وهناك من يحاول أن يراقص الأفاعي ويتعامل معها كما لو كان يتعامل مع الحبال، وهناك مجموعة معها الطبلة والعود وتغني ويتحلق الناس حوله ويطربون معه يغنون بعض الاغاني المغربية الشعبية أو الصحراوية أو الامازيغية طامعين بأن يجود عليهم الناس فيعطونهم مبلغاً بعد أن أطربوهم، وهناك مجموعة غريبة كبار من السن تأتي إليه فيرفع صوته ويدعو لك بلهجة مراكشية صرفة بنفس الطريقة التي كانت تحدث في القدم في مراكش، ويدعو للرجل لكل من يريد أن يقول له أدع لي فيدعو له وزوجته واطفاله وأمه ومستقبله ورزقه بصوت ملفت للانتباه وبطريقة جميلة كطريقة العجائز وكبار السن حين يدعون للأطفال أو لأبنائهم أو لمن يقابلونهم وبجانب هذا الرجل مجموعة من الرجال يرددون خلفه آمين آمين، كان المشهد جميلاً وممتعاً في الوقت نفسه، وبنهاية الدعاء يعطي الرجل المدعو له مبلغاً لهذا الداعي، وفي مكان آخر ليس ببعيد عنه، يجلس ذلك الرجل الصحراوي بعمماته وبشرته السوداء وقد وقف الرجال والشباب حوله فقط، ويتحدث بطريقة سريعة ومرتبة دون توقف وبأسلوب آخاذ عن الجنس وكل مايهم الرجال والشباب، ويدعوهم بأن يكونوا رجالاً مع زوجاتهم وأن يقوم بواجبهم وآداء مهتهم كما ينبغي، ويجب ألا تذهب ليلته دون أن يظهر فحولته، ومعه ضباً ورجل نعامة يرمز بهما أثناء حديثه، وفي الوقت نفسه يعرض لهم بطريقة جذابة أن يبيع لهم علاجاً يساعدهم ويعزز من آدائهم، والرجال والشباب يضحكون من طريقة وصفه وكلامه ونكاته التي تأتي عرضاً أثناء الحديث، وقد تأتي بالغلط إمرأة فرنسية أو أجنبية لتنظر مايدور ومايجري فيحدثها هو بالفرنسية ويخبرها مالديه فتهرب ضاكحةً ويضحك الجميع، في جامع الفنا كل شيء تجده من مأكولات ومشاوي وعصائر ومكسرات وباعة ملابس وبهارات وأواني وشحاذين وشفارين، التجول في ساحة جامع الفنا لايمل ويمكنك أن تقضي فيه ساعات طويلة دون أن تشعر بالوقت ولكن رد البال كما يقول المغاربة حين ينبهوكَ من مكان مزدحم قد تتعرض فيه للنشل أو للسرقة.

في اليوم الخامس ذهبتُ إلى شلالات أوريكا التي سمعتُ عنها كثيراً، هذه الشلالات تقع على بعد أكثر من ساعة من جنوب مراكش على جبال الأطلس الكبير حيث الأمازيغ، ذهبتُ الساعة العاشرة صباحاً، وكنتُ أتجول مستمتعاً بالجبال التي أعرج عليها، والقرى الصغيرة التي يسير فيها الأطفال إلى مدارسهم، وبعض الباعة المنتشرين على طول الطريق، والمياه التي تجري أحياناً بجانبك أثناء سيرك، حتى وصلتُ إلى سيتي فاطمة داخل أوريكا، وهي المنطقة التي تتواجد بها الشلالات، هناك استقبلني شاباً يدعى عبدالمؤمن، وقال لي هل تريد مرشداً، قلت هل تقصد أنكَ ستكون مرشداً قال نعم، قلت وما أجرتك، قال أعطني ماتريد، قلتُ هيّا معي، ذهبنا معاً وكان يجب أن نقطع وادياً صغيراً تجري به المياه بسرعة على جانب الطريق، قطعناه عن طريق الخشب الذي أعد فوقه لخمسة عشر متراً تقريباً، لتقابلنا المطاعم التي يجب أن نتجاوزها لنسير فوق الجبل حتى نصل إلى الشلال، كان الطريق ممتعاً وكنا نقفز من صخرة إلى صخرة كما لو كنّا غِزلان، وكنتُ أسأل عبدالمؤمن عن بعض المكان وطبيعته ووصف لي أنها منطقة للأمازيغ وهو أمازيغي، وأنه لايعمل هنا سوى أهل البلد، وهو ولد ويعيش في قرية صغيرة جداً وقريبة من هنا، حتى وصلنا للشلال المتدفق، لم يكن طويلاً بحجم شلالات أوزود ولا بجمالياته، إلا أنه كان رائعاً وكان هناك من يسبح بالرغم من برودة الماء، وكان لي نصيب من تبليل قدماي بوسطه مقاوماً صقيع هذا الماء، كان هناك بعض الأجانب يقومون بالسباحة، وجلستُ أنا وعبدالمؤمن بالقرب منه حتى كادت أن تحرقنا الشمس، وكنتُ أثناء رحلتي قد تغيرت لون بشرتي إلى الاسمرار جراء تجولي في الصباح والظهر أثناء رحلتي، ثم قلت لعبدالمؤمن هيا بنا نصعد الجبل من الجهة الأخرى، وكنا بالفعل قد مشينا وساعدني هو أيضاً بمعرفته لطبيعة هذا الجبل كيف لا أسقط فجأة دون أن أعلم، وكنا نسير حتى توقفنا عند أعلاه، وإذا بنا نرى قرىً صغيرة ممتدة فقال لي أن قريته هي الثانية، وأن التنقل بين هذه الطرق لايمكن أن يتم إلا عن طريق الحمير والخيول ولايمكن لأي عربة حديثة أن تقطعه وأراني طريق طويل جداً، يمشي به الناس، فقال أن هذ الطريق يأخذك إلى أعلى قمة في أفريقيا وهي قمة توبقال أعلى قمة في شمال أفريقيا وثاني أعلى قمة في أفريقيا، حيث يبلغ طول أكثر من أربعة آلاف متر عن سطح البحر، الوصول إليها يتطلب خمسة أيام مشياً على الأقدام، وأثناء المشي ستجد قرىً قد وضع أهلها أماكن للمبيت، حيث يبيت فيها المغامرون بأجرةٍ معلومة، وحدثني عبدالمؤمن عن كرم أولئكَ الناس وطيبته وعطائهم رغم قلة مامعهم من مال، عدنا ونزلنا من الجبل حتى وقفنا عند رجلٍ يبيع الكرز وهو قت طلوعه، فاشتريت منه، ثم ذهبنا إلى المطعم لنتناول الكسكوس والطاجين، وهناك جاء رجلٌ يبيع الزعفران آتى به من مدينة تالوين المشهورة بالزعفران أو الذهب الأحمر كما يقال، واشتريت منه عدة علب اهديتها لأهلي وأخواتي، أكلنا غدائنا وكان لابد من وداع عبدالمؤمن واعطائه اجرته، وذهب معي إلى سيارتي حاملاً قرعتي التي ملئتها من الماء، وإذا بي أدخل محلاً يبيع أملو ويصنعه أمامي، وفي داخله شاب وشابة، كنت أعتقد أنهم أجانب، فحييتهم وسلمت عليهم، واستقبلوني بابتسامة ورحبا بي، وكنتُ أكلمهم باللغة الانجليزية، حتى قلتُ للرجل أن زوجتكَ جميلة You got a beautiful wife كعادتي حين أرى زوجين لأدخل السرور عليهما وهو أمر اعتيادي أن يقال ذلك في الغرب فابتسما وشكراني ، وسألني من أين فقلت من السعودية، فقال أنا مغربي، وهذه زوجتي فرنسية، ثم تحدثت الفرنسي هي بالدارجة المغربية، فقلت تهدري بالدارجة!؟ فقالت شوية، وأنها نشأت في المغرب منذ أن كان عمرها عشر سنوات وأنها اسلمت وتزوجت هذا الرجل، وتحدثنا قليلاً حتى ودعتهما، ووصلت سيارتي وأعطيت عبدالمؤمن مائة درهم، وعدتُ لمراكش قبل أن يحين الليل، ذهبتُ إلى الدار وجلست ساعة زمن، حتى أتى الليل وذهبت مرة ثالثة إلى المقهى حيث هشام الجميل بروحه وابتسامته وحسن استقباله، دخلتُ وطلبتُ آتاي، وراح نتحدث ونتجاذب أطراف الحديث، فقلت له فجأة أين صاحب المطعم!؟ فقال أنه غير موجود، ولكن يوجد المدير؟ هل هناك سبب هل واجهت أي مشكلة!؟ قلت لا، ولكن قل لمديركَ أن زبوناً يريد الحديث معك، جاء المدير وبجانبه هشام، فسلم ورحب بي، فقلت له، ذهبتُ إلى دولاً كثيرة وعشتُ في أمريكا وتجولت بأروبا وذهبت لآسيا وأنا من السعودية ورحت لدول عربية عديدة، لم أجد حقيقة مستوى من الخدمات وحسن التعامل والاحترافية والعناية بالعميل كما هو عند أمريكا وعند هشام، فابتسم هشام وخجل، وقلت له أنا أؤكد لك ولدي تجربة كبيرة أن المستوى الذي يصنعه هشام في طريقة تعامله مع الزبون مستوى عالي جداً، لذلك يجب أن تحتفظوا به وإلا أخذته معي، فضحك المدير وقال أصلاً هو مايقدر يتركنا، ثم تحدثت للمدير عن المعنى الغائب في دولنا لأهمية العميل وكيفية التعامل معه وكيفية كسبه وإرضاءه وتعويضه فيما لو تعرض لموقف أو خطأ من الموظفين، واتفق معي على أهمية ذلك، ذهب المدير، وبقي هشام يتحدث لي ثم علمت منه أن سبق وأن عمل بفندق راقي واكتسب تلك الخبرة وطريقة التعامل منه، وقلتُ له أن للفندق دور كبير ولكن لو لم تكن شخصيتك بتلك الأرياحية لما وصلتَ إلى هذه المرحلة، أخذت الفيس بوك الخاص به وأصبحَ صديقاً لي، وودعته.

بالغد حزمتُ حقائبي، وكان يجب أن أغادر مراكش لأذهب إلى أكادير أو أغادير، حيث سأمضي ثلاثة أيامٍ هناك، قبل أن أواصل رحلتي محاذياً المحيط الأطلسي متجهاً باتجاه الشمال.
__________________
ياصبحِ لاتِقبل !!
عط الليل من وقتك..
رد مع اقتباس