منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - صحيح السيرة النبوية
عرض مشاركة واحدة
قديم 24-02-2019, 09:10 PM
  #52
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

المبحث الثاني: آثار غزوة أحد
طمع الأعراب والمنافقين واليهود في المسلمين
لقد كان لغزوة أحد من الآثار الشيء الكثير إذ انتقض على الإِسلام وأهله كثير ممن هادنهم أو مالأهم خوفًا منهم، وعلى الرغم مما فعله النبي - عليه السلام - وأصحابه من الخروج إلى حمراء الأسد وما أظهروه من مظاهر البأس، إلا أن ما حدث في أحد جعل الأعراب يتجرأون ويبدأون بمحاولة مهاجمة المدينة والإغارة عليها ونهب أموالها وخيراتها.
ولقد جرأت الحادثة أيضًا اليهود في المدينة ليظهروا حقدهم الدفين على الإِسلام وأهله، ويسخرون من المسلمين علانية، ويكررون محاولاتهم الغادرة للكيد للإسلام وأهله، ولقد جرأت الحادثة أيضًا المنافقين ليظهروا نفاقهم، وينبثوا بين صفوف المسلمين يشيعون الشائعات والدسائس محاولين بذلك تمزيق الصف الإِسلامي.
1 - اغتيال المسلمين لابن سفيان الهذلي لحشده لقتال المسلمين:
394 - من حديث عبد الله بن أنس رضي الله عنه قال: "دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إنه قد بلغني أن خالد بن سفيان بن نبيح يجمع لي الناس ليغزوني، وهو بعرنة فأته فاقتله)، قال: قلت: يا رسول الله انعته حتى أعرفه، قال: (إذا رأيته وجدت له قشعريرة).
قال: فخرجت متوشحًا بسيفي، حتى وقعت عليه بعرنة مع ظعن يرتاد لهن منزلًا، وحين كان وقت العصر، فلما رأيته وجدت ما وصف لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من القشعريرة، فأقبلت نحوه، وخشيت أن يكون بيني وبينه محاولة تشغلني عن الصلاة، فصليت وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي الركوع والسجود.
فلما انتهيت إليه قال: من الرجل، قلت: رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك لهذا، قال: أجل أنا في ذلك، قال: فمشيت معه شيئًا، حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف حتى قتلته، ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه، فلما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرآني فقال: (أفلح الوجه)، قال: قلت: قتلته يا رسول الله، قال: (صدقت)، قال: ثم قام معي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل في بيته فأعطاني عصا، فقال: (أمسك هذه عندك يا عبد الله بن أُنيس).
قال: فخرجت بها على الناس، فقالوا: ما هذه العصا؟، قال: قلت: أعطانيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمرني أن أمسكها، قالوا: أولا ترجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتسأله عن ذلك؟ قال: فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله لم أعطيتني هذه العصا؟، قال: (آية بيني وبينك يوم القيامة، إن أقل الناس المختصرون (1) يومئذ يوم القيامة)، فقرنها عبد الله بسيفه فلم تزل معه، حتى إذا مات أمر بها، فضمت معه في كفنه، ثم دفنا جميعًا" (2).
2 - قصة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرجيع:
395 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة عينًا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب، حتى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزلٍ نزلوه.
فقالوا: تمر يثرب فاتبعوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا أيديكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا.
فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم، أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، ثم قال: اللهم أخبر عنا نبيك - صلى الله عليه وسلم -، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصمًا، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها.
قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء أسوة -يريد القتلى- فجروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم (فقتلوه)، فانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبًا -وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر بن نوفل يوم بدر- فلبث خبيب عندهم أسيرًا حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدبها، فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك.
قالت: والله ما رأيت أسيرًا، قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا من عنب في يده، وإنه لموثق بالحديد، وما بمكة من ثمرة.
وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبًا، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق من
هم أحدًا، ثم أنشأ يقول:
فلست أبالي حين أقتل مسلمًا ... على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله، وكان خبيب سن لكل مسلم قتل صبرًا الصلاة، وأخبر -يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف -وكان قتل رجلًا عظيمًا من عظمائهم- فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئًا" (3).
وقد أورد ابن إسحاق رحمه الله في السيرة أن عددهم كان ستة وأن أميرهم كان مرثد بن أبي مرثد الغنوي، والمقدم عندنا ما في الصحيح أن عددهم كان عشرة وأن أميرهم كان عاصم بن ثابت الأنصاري والله أعلم.
3 - قصة أصحاب رسول الله في بئر معونة:
أ - سبب خروج القراء من أصحاب رسول الله:
396 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "إن رعلًا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عدو، فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار، ويصلون بالليل، حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقنت شهرًا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب، على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان" (4).
ب - جوار ملاعب الأسنة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
397 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: (جاء ملاعب الأسنة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بهدية، فعرض عليه الإِسلام فأبى أن يسلم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فإني لا أقبل هدية من مشرك، قال: فأبعث إلى أهل نجد من شئت فأنا لهم جار، فبعث إليهم بقوم فيهم المنذر بن عمرو، وهو الذي يقال له -المعتق ليموت -أو -أعتق عند الموت-، فاستجاش (5) عليهم عامر بن الطفيل بني عامر فابوا أن يطيعوه، وأبوا أن يخفروا ملاعب الأسنة، فاستجاش عليهم بني سليم، فأطاعوه، فاتبعهم بقريب من مائة رجل رام فأدركهم ببئر معونة، فقتلوهم إلا عمرو بن أمية" (6).
398 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "جاء ناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أن ابعث معنا رجالًا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلًا من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام، يقرأون القرآن، ويتدارسون بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فعرضوا لهم فقتلوهم، قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا، أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا، قال: وأتى رجل حرامًا خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: (إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا: اللهم! بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك، فرضينا عنك ورضيت عنا) (7) ".
............................................
(1) المختصرون: أو المتخصرون: المتكئون على المخاصر: جمع مخصرة وهي ما يمسكه الإنسان بيده من عصا وغيرها. والمراد هنا: الذين يأتون يوم القيامة ومعهم أعمال صالحة يتكئون عليها.
(2) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب صلاة الطالب حديث رقم: 1249، بإختصار أحمد في المسند: 3/ 496 البيهقي في السنن: 3/ 256، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 1/ 295، إسناده جيد، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: 2/ 350، إسناده حسن، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 203 - 204رواه الطبراني ورجاله ثقات، واللفظ لأحمد.
(3) أخرجه البخاري في المغازي باب فضل من شهد بدرًا رقم: 3989، وباب غزوة الرجيع ورعل وذكوان رقم: 4086، أبو داود في الجهاد باب في الرجل يستأسر رقم: 2660، 2661، وعبد الرزاق في المصنف رقم: 9730، وأحمد في المسند: 2/ 295 - 315 والبيهقي في الدلائل: 3/ 323 - 325 والطبري في تاريخه: 2/ 538 - 541، وأبو داود الطيالسي رقم: 2349، 2/ 101.
(4) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة بني الرجيع: 4090، وقد جاء أيضًا في الوتر باب القنوت قبل الركوع وبعده، الجهاد، باب دعاء الإمام على من نكث عهدًا، الدعوات باب الدعاء على المشركين، مسلم في المساجد باب استحباب القنوت في جميع الصلاة، إذا نزلت بالمسلمين نازلة رقم: 677، وأحمد في المسند: 3/ 167، 255، ابن سعد في الطبقات: 2/ 51 - 54 والبيهقي في الدلائل: 3/ 338 - 344 والطبراني ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 126 - 127.
(5) استجاش: طلب لهم الجيش وجمعه.
(6) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: 9741، والطبراني في الكبير: 19/ 70 - 72 رقم: 138، 139، 140، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 126 - 127، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(7) أخرجه مسلم في صحيحه في الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد رقم: 677، ص: 1511 طبعة فؤاد عبد الباقي، وأبو نعيم في الدلائل: ص: 513، والبيهقي في الدلائل: 3/ 347.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس