منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - صحيح السيرة النبوية
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-03-2019, 09:32 PM
  #54
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

المبحث الخامس: غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع
1 - وقت الغزوة:
اختلف العلماء في ذلك وانحصرت أقوالهم فيها في ثلاثة أقوال، فمن قائل أنها سنة ست، قال بذلك ابن إسحاق إمام المغازي، وتبعه على ذلك خليفة بن خياط، وابن جرير الطبري، وابن حزم، وابن عبد البر، وابن العربي، وابن الأثير، وابن خلدون، فقد صرح كل منهم بأن غزوة بني المصطلق كانت في شعبان من السنة السادسة للهجرة (1).
ولابن حزم رأي آخر، وافقه عليه عدد من العلماء، منهم مالك بن أنس وموسى بن عقبة، والبخاري، وابن قتيبة ويعقوب بن سفيان الفسوي والنووي، وابن خلدون أنها كانت في شعبان من العام الرابع للهجرة (2).
وذهبت طائفة إلى أنها كانت في شعبان من السنة الخامسة للهجرة وذهب إلى هذا القول: موسى بن عقبة، وابن سعد، وابن قتيبة، والبلاذري، والذهبي، وابن القيم وابن حجر العسقلاني، وابن كثير رحمهم الله ومن المحدثين الخضري بك، والغزالي، والبوطي، وأبو شهبة والشيخ الساعاتي، وهذا القول هو الأصح والأظهر، والله أعلم؛ لأن الأدلة كلها متظاهرة ومتفقة على تأييد هذا القول، ومن هذه الأدلة:
أ - روى البيهقي عن عروة، وموسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري أنه قال: "ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس" (3).
ب - قال ابن كثير: قال موسى بن عقبة عن الزهري: "هذه مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي قاتل فيها، يوم بدر في رمضان سنة ثنتين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق -وهو يوم الأحزاب وبني قريظة- في شوال أربع، ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس".
ثم أورد ابن كثير قول البخاري عن موسى بن عقبة "أنها سنة أربع" (4) وعقب عليه بقوله: هكذا رواه البخاري عن مغازي موسى بن عقبة أنها سنة أربع، والذي حكاه موسى بن عقبة، عن الزهري وعن عروة أنها كانت في شعبان سنة خمس (5).
وعقب ابن حجر العسقلاني في فتح الباري على قول البخاري "وقال موسى ابن عقبة سنة أربع" بقوله: "كذا ذكره البخاري، وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس، فكتب سنة أربع، والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق، أخرجها الحاكم، وأبو سعيد النيسابوري، والبيهقي في الدلائل وغيرهم سنة خمس.
ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب ثم قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس) ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد (عن ابن عمر أنه غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق في شعبان سنة أربع) ولم يؤذن له في القتال؛ لأنه إنما أذن له فيه في الخندق كما تقدم، وهي بعد شعبان سواء قلنا أنها كانت خمس أو سنة أربع).
وقال الحاكم في الإكليل: قول عروة وغيره أنها كانت في سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق.
قلت: ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك: أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك كما سيأتي، فلو كانت المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الإفك كان فيها، لكان ما وقع في الصحيح من ذكره سعد بن معاذ غلطًا، لأن سعد بن معاذ مات أيام قريظة، وكانت سنة خمس على الصحيح كما تقدم تقريره، وإن كانت كما قيل سنة أربع.
فيظهر أن المريسيع كانت سنة خمس في شعبان، لتكون قد وقعت قبل الخندق؛ لأن الخندق كانت في شوال من سنة خمس أيضًا، فتكون بعدها، فيكون سعد بن معاذ موجودًا في المريسيع ورُميَ بعد ذلك بسهم ومات من جراحته في قريظة، ويؤيده أيضًا أن حديث الإفك كان سنة خمس، إذ الحديث فيه التصريح بأن القصة وقعت بعد نزول الحجاب، والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة، فيكون المريسيع بعد ذلك فيرجح أنها سنة خمس" (6).
2 - سبب غزوهم:
كان لذلك أسبابًا عدة منها:
1 - تأييد هذه القبيلة لقريش وتكتلها معها في معركة أحد ضد المسلمين، وذلك ضمن كتلة الأحابيش (7) التي كانت في الجيش المكي.
2 - سيطرة هذه القبيلة على الخط الرئيسي المؤدي إلى مكة، فكانت حاجزًا منيعًا من نفوذ المسلمين إلى مكة.
3 - من أهم الأسباب في هذه الغزوة أن قبيلة بني المصطلق أخذت تجمع الجموع لغزو المدينة المنورة، وقد أطمعها في التفكير في غزو المدينة والتصميم على ذلك انتصار المشركين في غزوة أحد، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أعد عدته، واتخذ التدابير المناسبة، وباغتهم في مكانهم، وهزمهم شر هزيمة.
406 - قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ومحمد بن يحيى بن حبان، كل قد حدثني ببعض حديث بني المصطلق قال: "بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن بني المصطلق يجمعون له ... " فذكر الحديث (8).
407 - من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن ابن عون قال: كتبت إلى نافع فكتب إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغار علي بني المصطلق، وهم غارون وأنعامهم تسقي على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية، حدثني به ابن عمر وكان في ذلك الجيش" لفظ البخاري، وفي لفظ مسلم، قال ابن عون: "كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، قال: فكتب إلي إنما كان ذلك في أول الإِسلام، قد أغار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبي سبيهم" الحديث فذكر بقية الحديث" (9).
ترك الشيخ محمَّد الغزالي رواية البخاري ومسلم المتفق عليها في طريقة غزوه - صلى الله عليه وسلم - لبني المصطلق وأثبت أثرًا مخالفًا، وعلل ذلك بقوله "وفي الوقت الذي فسحت مكانًا لهذا الأثر -على ما به- صددت عن إثبات رواية البخاري ومسلم مثلًا للطريقة التي تمت بها غزوة بني المصطلق، فإن رواية الصحيحين تشعر بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - باغت القوم وهم غارون، ما عرضت عليهم دعوة الإِسلام، ولا بدا من جانبهم نكوص، ولا عرف من أحوالهم ما يقلق ... " إلى آخر كلامه (10) وقد جانب الشيخ الصواب لأسباب عدة منها:
1 - صحة حديث ابن عمر وصراحته في ذلك، وهو ثابت في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها، فلا يرده رأي يراه أي إنسان أو قول يحب أن ينصره.
2 - صرح كثير من العلماء بأن من بلغته الدعوة العامة إلى الإِسلام وقربت داره، أو حاول النيل من المسلمين أنه يجوز مباغتته على غرة (11).
3 - أن المستند الذي استند عليه الشيخ الغزالي حفظه الله لم تثبت صحته، في أثناء ذكره لسياق حديث غزوة بني المصطلق، وهو لا يقاوم الحديث الصحيح المسند المتفق على صحته إن كان صحيحًا فما بالك وهو ضعيف.
4 - ذكر الدكتور أكرم ضياء العمري حفظه الله أنه "لا يمكن معارضة آية قرآنية، أو حديث صحيح، برواية من كتب التاريخ والأدب.
وقال في موطن آخر "ولا شك أن مادة السيرة في كتب الحديث موثقة يجب الاعتماد عليها، وتقديمها على روايات كتب المغازي والتواريخ العامة، وخاصة إذا أوردتها كتب الحديث الصحيحة؛ لأنها ثمرة جهود جبارة قدمها المحدثون عند تمحيص الحديث ونقده سندًا ومتنًا. وهذا التدقيق والنقد الذي حظي به الحديث، لم تحظ به الكتب التاريخية".
- أحداث الغزوة:
408 - وعن محمَّد بن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله ابن أبي بكر ومحمد بن يحيى ابن حبان كل قد حدثني ببعض حديث بني المصطلق قال: "بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن بني المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار، أبو جويرية بنت الحارث، زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إليهم، حتى لقيهم على ماء لهم يقال له: المريسيع، من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس واقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق (وقتل الحارث بن أبي ضرار أبا جويرية)، وقتل من قتل منهم، ونفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبناءهم ونساءهم وأموالهم.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصاب منهم سبيًا كثيرًا، قسمه بين المسلمين (وكان فيما أصاب يومئذ جويرية بنت أبي ضرار سيدة قومها).
وقد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر، يقال له: هشام بن صبابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت، وهو يرى أنه من العدو فقتله خطأ، وقد وفد مقيس بن صبابة من مكة مسلمًا فيما يظهر، فقال: يا رسول الله جئتك مسلمًا، وجئت أطلب دية أخي، قتل خطأ.
فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدية أخيه هشام بن صبابة، فأقام عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير كثير، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدًا، وأصيب من بني المصطلق يومئذ ناس، وقتلَ علي بن أبي طالب منهم رجلين مالكًا وابنه، وقتل عبد الرحمن بن عوف رجلًا من فرسانهم يقال له: أحمر، أو أحيمر" (12).
وليس بين هذا الحديث وبين حديث ابن عمر في الصحيح تعارض، فقد جمع ابن حجر رحمه الله بينهما بقوله: "ويحتمل أن يكون لما دهم المسلمون بني المصطلق وهم على الماء ثبتوا قليلًا وقاتلوا، ولكن وقعت الغلبة عليهم" (13).
.................................................. ........................................
(1) تاريخ خليفة ص 80، جوامع السير ابن حزم ص: 206، الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر ص: 200 - 202، عارضه الأحوذي لابن العربي: 12/ 49، تاريخ ابن خلدون: 2/ 29، الكامل لابن الأثير: 2/ 192، تاريخ الطبري: 2/ 604.
(2) البداية والنهاية ابن كثير: 4/ 93 - 94، وفتح الباري: 7/ 428، والمعرفة والتاريخ للفسوي: 3/ 257، شرح صحيح مسلم للنووي: 4/ 532، وابن خلدون في تاريخه: 2/ 29، المعارف ابن قتيبة ص 70.
(3) البداية والنهاية: 3/ 242، 4/ 156، طبقات ابن سعد: 2/ 63، المعارف لابن قتيبة ص: 70، أنساب الأشراف البلاذري ص: 341، 343، العبر في خبر من غبر: 1/ 7، تاريخ الإِسلام: 2/ 272 وكلاهما للذهبي، ابن القيم رحمه الله (زاد المعاد: 3/ 256، نور اليقين: ص: 152، فقه السيرة الغزالي: 316، فقه السيرة البوطي القسم الثاني: 93، السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة: 196، الفتح الرباني ترتيب مسند أحمد الشيباني: 14/ 109، فتح الباري: 7/ 430.
(4) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 9/ 54: 130 البخاري في المغازي باب غزوة بني المصطلق فتح الباري: 7/ 428.
(5) البداية والنهاية: 3/ 242، 4/ 156.
(6) فتح الباري: 7/ 430، في المغازي باب غزوة بني المصطلق وغزوة أنمار.
(7) الأحابيش: هم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة، وسمو بذلك لأنهم تحالفوا وتعاقدوا مع قريش على أنهم يد على من سواهم، وكان ذلك عند جبل بأسفل مكة يقال له حبشي فنسبوا إليه، وقيل سموا بذلك لتجمعهم والتحبش التجمع، والحباشة الجماعة، لسان العرب ابن منظور: 8/ 166، القاموس المحيط الفيروز آبادي: 2/ 267.
(8) قال الهيثمي في المجمع 6/ 142، رواه الطبراني ورجاله ثقات، وانظر سيرة ابن هشام: 2/ 290، وسنده صحيح.
(9) أخرجه البخاري في العتق باب من ملك من العرب رقيقًا فوهب وباع رقم: 2541، وسلم في كتاب الجهاد باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام رقم:1730، أبو داود في الجهاد باب في دعاء المشركين: 2632، وأحمد في المسند: 2/ 31، 32، 51، شرح معاني الآثار للطحاوي كتاب السير: 3/ 209، السنن الكبرى للبيهقي: 9/ 54، 9/ 107، كتاب الأموال لأبي عبيد ص: 175.
(10) فقه السيرة محمَّد الغزالي ص: 10 تحت عنوان حول أحاديث هذا الكتاب.
(11) صحيح مسلم بشرح النووي: 4/ 343، شرح معاني الآثار للطحاوي: 3/ 207 - 210 المدونة الكبرى لمالك: 2/ 2 تحفة الأحوذي: 5/ 155 - 156، فتح الباري: 6/ 112، 7/ 340،445.
(12) ابن هشام في السيرة: 290 - 293، وسنده صحيح إلى ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 142، رواه الطبراني ورجاله ثقات، ومدار الحديث على ابن إسحاق ورجاله ثقات وهم رجال الصحيح غير أنه مرسل، ويشهد له حديث عبد الله بن عمر فإنه صريح في وجود القتل والسبي وبذلك يكون الحديث حسنًا لغيره.
(13) فتح الباري: 7/ 430 - 431، في التعليق علي حديث غزوة بني المصطلق في المغازي.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس