منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - جولة في اسمه تعالى الفتاح
عرض مشاركة واحدة
قديم 17-04-2010, 05:44 PM
  #2
عبدالرحمن آدم
موقوف
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 12
عبدالرحمن آدم غير متصل  
ومنهم من فتح له أبواب العلوم الغامضة كالمشتبه، { أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} (سورة آل عمران: 7)، فمنهم من فتح له أبواب الغوامض المستعصية، والأقفال المستغلقة فطوعها له، وسهلها عليه وهذا شأن المحققين من العلماء، ولذلك كان الموفق منهم من يلجأ إلى الله كلما استغلقت عليه المسائل.

"كنت كلما أتحير في مسألة أتردد إلى الجامع وصليت وابتهلت إلى الله حتى يفتح لي المنغلق منه" هكذا يقول أحدهم، إن عجزت عن علم فقلت: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني، وهكذا لا يقدم العالم على ما لم ينفتح له، وإنما يتريث ويتأنى ويسأل ربه حتى يفتح عليه.

ومن الناس من فتح له في العلم في تصنيفه وجمعه، ولذلك تراهم يسمون كتبهم فتح الباري، فتح المنعم، فتح المغيث، فتح الوهاب، فتح المعين، فتح القدير، فتح العزيز، فتح المجيد، فتح رب البرية، الفتح الرباني، وهذه كلها أسماء كتب من كتب المسلمين.
وأحياناً يخفى الحق على بعض الناس، أو يترددون فيه، فيفتح الله على بعضهم فتحاً عظيماً تكون له المسألة فيه واضحة، فيمضي الناس بعده على إثره، كما حدث للصديق رضي الله عنه في قتال المرتدين ومانعي الزكاة.

يقول عمر: فو الله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق" { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ}(سورة الزمر: 22)، والفتح الذي يفتح الله به على عباده يكون له علاقة مباشرة بطهارة قلوبهم، واتّباعهم لما يحبه، واجتنابهم لما يبغضه.

ويكون من الفتح أيضاً الإلهام الذي يلهمه الله تعالى من يشاء من عباده، فيكون ملهماً موفقاً مصيباً للحق لا يختار بين أمرين، إلا اختار الأصوب، قال عليه الصلاة والسلام: ((لقد كان فيمن كان قبلكم رجال محدثون – يعني ملهمون– يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإنه عمر بن الخطاب)) رواه البخاري(3486)، ومسلم(6357)، فيجري الصواب على لسانه، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (( إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه)) قال ابن عمر: "ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال عمر فيه، إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر" رواه أحمد(9213)، والترمذي(3628)، وهو حديث صحيح.

ولذلك كثرت موافقاته لربه، كما كان يتمنى أن تنزل الصلاة عند مقام إبراهيم فنزلت، قال: يا رسول الله: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (سورة البقرة: 125)، قلت: يا رسول الله: لو أمرت نسائك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت هذه الآية على لفظ عمر، وكذلك وافق ربه في شأن أسارى بدر، وجاءت موافقته في منع الصلاة على المنافقين، وأيضاً في تحريم الخمر، قال ابن حجر رحمه الله: وقفنا منها على خمسة عشر موضعاً، وكان لعمر بصيرة نافذة، وفراسة ثاقبة، قال مرة لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، قال: مِن مَن؟ قال: من الحرقة، هذا البطن الذي هو منه من القبائل، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرّة النار، قال: بأيها - حرة النار واسعة – قال: ذات لظى، قال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا، فذهب الرجل فكان كما قال عمر رضي الله عنه" رواه مالك في الموطأ (1753).

هذه أنوار يقسمها الله كيف يشاء، { وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (سورة النور : 40).

أسباب فتح الله على العبد

إن للفتح من الله على العبد أسباباً لا بد أن تتوفر عند العبد فمنها:
التوكل عليه واللجوء إليه، ودعاؤه والطلب منه، والركون إلى جنبه، فإن العبد إذا عقد أمله بالله، ولم يرج إلا الله، ولم يدع غيره، ولم يثق إلا به، ولم يتوجه إلا إليه، فتح الله عليه ما أغلق من الأبواب، وما استعصى من المسالك، وهذا الصدق في قلب العبد هو السبب في توفيق الرب سبحانه وتعالى، فإذا ركن العبد إلى ربه، فتح عليه من رحمته، وسكون قلبه، وطمأنينة نفسه، حتى لو كان مسجوناً مأسوراً في جب عميق،{ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا } (سورة الكهف: 16)

قال شيخ الإسلام، وهو في حبسه بالإسكندرية: "إني والله العظيم في نعم من الله ما رأيت مثلها في عمري كله، وقد فتح الله سبحانه من أبواب فضله ونعمته، وخزائن جوده ورحمته، ما لم يكن بالبال، ولا يدور في الخيال، ثم قال: فإن اللذة، والفرحة، والسرور، وطيب الوقت، والنعيم الذي لا يمكن التعبير عنه، إنما هو في معرفة الله وتوحيده والإيمان به، وانفتاح الحقائق الإيمانية والمعارف القرآنية، ألا ترى أن بعض الناس إذا قرؤوا القرآن انفتح لهم في معانيه، انفتح لهم في أسراره، شيء عظيم، وذلك بما لديهم من العلم بلغة العرب، وأسباب التنزيل، وآلات التأويل والتفسير، مع الصدق مع الله واللجوء إليه، فاتخذ الأسباب بامتلاك الآلة، وتوكل على الله فانفتحت المغاليق، { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} (سورة البقرة: 282)، فالتقوى من أعظم أسباب الفتح من الرب، في الرزق والبركة والعلم والطمأنينة، والدليل على ذلك قول الله تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(سورة الأعراف: 96)، فبالتقوى يأتيك الرزق، ويفتح الله عليك من أبوابه ما يفتح، من تجارات، وبركة في بيعك وشراء وصفقات، وتوفيق وإلهام، وحدس صحيح فيما تختار من أنواع الاستثمار مثلاً، فتجد أن الأرباح تأتي فيه والتيسير من الله بما تُرزقه منه سبحانه وتعالى، فيفتح الله لبعض الناس في الصناعة، ولبعضهم في الزراعة، ولبعضهم في التجارة، فهذا في المستوردات، وهذا في العقار، وهذا في اللباس، وهذا، وهذا.. من الأنواع المختلفة، ويدعي بعض المنحرفين أن عندهم فتوحات إلهية، وليس عندهم إلا بدع شيطانية، وإرث شركي من أهل الجاهلية، ولذلك حذر علماؤنا منهم فقالوا: "لو رأيتم الرجل يطير في الهواء، ويمشي على الماء، فلا تغتروا به، حتى تنظروا أين يقع من أوامر الله ونواهيه، وما هي متابعته للنبي صلى الله عليه وسلم" ولذلك يكون عند الدجالين من الخوارق، والاتصال بالشياطين، ما يغرون به كثيراً من الناس، فيظنونه فتحاً إلهياً وهو في الحقيقة أحوال شيطانية، وقد يفتح الله على بعض أهل المعاصي من الرزق ما يغترون به، ويكون سبباً في هلاكهم، وهذا من مكر الله بهم، كما قال سبحانه: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } (سورة الأنعام: 44)، فتأمل في هذه الأحوال، وكيف انتقل القوم بها من حال إلى حال، باستدراج من الله ومكر، أولاً: نسوا ما ذكروا، أعرضوا، عصوا، تأبوا وتمردوا وعاندوا.

المرحلة الثانية: فتحنا عليهم أبواب كل شيء، فظنوا أنه راض عنهم، فلماذا أعطاهم إذا كان ساخطاً عليهم؟، فجاء التلبيس من إبليس.

ثالثاً: حتى إذا فرحوا بما أوتوا فجاءت مرحلة الفرح، عندما أتى هذا العطاء من أبواب متعددة، باب كل شيء، جاءت المرحلة الرابعة المفاجئة، أخذناهم بغتة، وفجأة، وانتقم منهم، وهم غافلون، فكان الوقع الأليم لهذا الانتقام فصاروا في المرحلة الخامسة، فإذا هم مبلسون، هالكون يائسون، فلا بد إذن أن يتمسك العبد بدين ربه، وأن يقبل عليه، وأن يتعلم كتابه، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ ليفتح ربه عليه، وإذا ضاقت عليك الأرزاق، وعظمت الهموم، وكثرت الغموم والديون، فاقرع بابه، ولا يخيب قارع الباب؛ لأنه الكريم الجواد، لم يقف أحد ببابه فرده، ولا رجاه عبد فخيبه، ولا طرق الباب مع الإلحاح أحد فأغلق دونه، من أدمن الدعاء، ولازم قرع الباب فتح له.

وعندما ندخل بيت ربنا نقول: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، ومن أعظم أسباب الفتح التزام السنة، من أمَّر السنة على نفسه، فجعلها أميرة تأمره وتنهاه، ويطيعها فتح الله عليه، { وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (سورة النور: 54)، وللخزائن مفاتيح، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحاً للخير، وبؤساً لعبد جعله الله مفتاحاً للشر.

اللهم نور قلوبنا بذكرك، وافتح علينا بطاعتك، اللهم إنا نسألك أن تجعل في أبصارنا نوراً، وفي أسماعنا نوراً، وفي قلوبنا نوراً، وفي ألسنتنا نوراً، وفي أيماننا نوراً، وفي شمائلنا نوراً، ومن أمامنا نوراً، ومن خلفنا نوراًَ، ومن فوقنا نوراً، ومن تحتنا نوراً، وأعظم لنا نوراً
اللهم افتح علينا بفتحك يا رب العالمين، وآتنا من الفتح المبين، اللهم افتح علينا بهداك، وافتح علينا برحمتك، اللهم افتح علينا خزائن رزقك، اللهم إنا نسألك أن تفتح قلوبنا بالإيمان، اللهم إنا نسألك أن تفتح بيننا وبين أعدائنا فتحاً وأنت خير الفاتحين، اللهم انصرنا على من بغى علينا، اللهم انصرنا على اليهود والصليبيين والمنافقين، وأهل البدعة المشركين، اللهم عجل نصر هذه الأمة يا رب العالمين، وارزقنا الأمن والإيمان في وطننا وأوطان المسلمين، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، وأحسن خاتمتنا، واقض ديوننا، وتب علينا، واشف صدورنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخائم قلوبنا، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ولوالدينا، ولإخواننا وأخواتنا من المؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

للإستماع للخطبة من الشيخ محمد المنجد حفظه الله , اتبع الرابط التالي :
http://islammedia.tv/ref/1914
http://www.wathakker.net/designs/images/broad4.gif
http://www.wathakker.net/designs/images/br6_1.gif
http://www.wathakker.net/designs/images/br4_1.gif
http://www.wathakker.net/designs/images/br2_1.gif
http://www.wathakker.net/designs/images/br17.gif