منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - ملف شامل عن النمو الإنساني والمراحل التي يمر بها....
عرض مشاركة واحدة
قديم 18-03-2004, 05:14 AM
  #2
شموخ
كبار شخصيات المنتدى
تاريخ التسجيل: Aug 2003
المشاركات: 1,107
شموخ غير متصل  
3- آيات الله في نمو الإنسان بعد الولادة :

يذكر القرآن الكريم المراحل التي يمر بها نمو الإنسان بعد الولادة والملاحظة التي تدهش الباحث العلمي بالإعجاز البديع في القرآن :

أن القرآن الكريم لا يفصل بين مرحلتي ما قبل الولادة وما بعدها، وإنما يربط بين المرحلتين برباط وثيق، يوضحه قوله سبحانه وتعالى : { ...حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا... } ( الاحقاف : 15) .
ومعنى ذلك أننا لو طرحنا فترة الرضاعة هذه ومقدارها 24 شهرا وهذه المدة حددتها الآية القرآنية التي تقول : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } ( البقرة : 233)، فلو طرحناها من الفترة الكلية للحمل والرضاعة (30 شهر) يمكن أن نستنتج أن الطفل يحتاج للبقاء داخل رحم الأم في أثناء فترة الحمل على فترة زمنية لا تقل عن ستة أشهر حتى يولد ويبقى حيا بعد ولادته، وبالطبع فإن فترة الحمل قد تمتد إلى مدة تمام الحمل ( 280 يوما في المتوسط أي حوالي 40 أسبوعا )
ثم يحدد القرآن الكريم المراحل الثلاث الكبرى للنمو بعد الوالدة في قوله تعالى : { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير } ( الروم : 54 ) .

وهذه المراحل الكبرى الثلاث هي التي تسمى بالأعمار الثلاثة للإنسان وهي كالتالي:

أولا: مرحلة الضعف الأول للإنسان :

وهي مرحلة طفولة وصبا طويلة يصفها القرآن الكريم بأنها مرحلة ضعف وهو ضعف يشمل أيضا مرحلة ما قبل الولادة كما هو واضح من التداخل بين مرحلتي ما قبل الولادة و ما بعدها والذي أوضحناه فيما سبق ويصفها الفرآن الكريم وصفا مطلقا بأنها مرحلة طفولة في قوله تعالى : { ... ثم نخرجكم طفلا .. } ( الحج : 5 ) ، { ...ثم يخرجكم طفلا ... } ( غافر : 67).

ويميز القرآن الكريم في هذه المرحلة الكبرى بين أربع مراحل هي :

1- الرضاعة : ومدتها القصوى عامان كما أوضحت الآيات الكريمة في سورة البقرة آية 233 .
2- الطفل غير المستأذن (غير مميز للعورة) : وتمتد من الفصام(الفطام) وحتى سن الإستئذان (التميز المبكر للعورة) ثم يقول الله تعالى : { ... أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ... } ( النور : 31) .
3- الاستئذان ( التميز ) : وهي المرحلة التي يعقل فيها الطفل معاني الكشفة والعورة ونحوها، يقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات ... } ( النور : 58 ) .
4- بلوغ الحلم : وهي مرحلة هامة تتحدد فيها مستويات قريبة من مستويات الكبار حيث الاستئذان على وجه الإطلاق وليس لفترات محدده كما هو واضح من الآية السابقة، والتي يتبعها قوله تعالى : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ... } ( النور : 59 ).

ثانيا : مرحلة قوة الإنسان :

وهي مرحلة التحول إلى الرشد، ويصفها القرآن الكريم بالقوة ويقسمها إلى ثلاث مراحل فرعية هي :

أ- مرحلة قوة الإنسان :

يقول الله تعالى : { فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك } ( الصافات : 102 )
ويذكر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن في تفسير ذلك فلما بلغ معه المبلغ الذي يسعى مع أبيه في أمور دنياه له على أعماله قال : أي شب وأدرك سعيه .

ب- بلوغ الرشد :

يقول الله تعالى : { ... ثم لتبلغوا أشدكم ... } ( الحج : 5)، { ... ثم لتبلغوا أشدكم ... } (غافر : 67) .
وذكر القرطبي في هذا الصدد أن بلوغ الأشد هو بلوغ القوة، وقد تكون في البدن، وقد تكون في المعرفة بالتجربة، ولابد من حصول الوجهين فإن الأشد وقعت هنا مطلقة وتعني ـ والله أعلم ـ البلوغ على إطلاقه وهو هنا البلوغ الجنسي والجسمي والعقلي وهو معنى الرشد، وقد جاءت كلمة الرشد في بيان حالة اليتيم في سورة النساء مقيدة قال تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا ... }
( النساء : 6) .
فجمع بين القوتين، قوة البدن وهو بلوغ النكاح وقوة المعرفة وهو ايناس الرشد، فلو مكن اليتيم من ماله قبل حصول المعرفة وبعد حصول قوة البدن لاذهبه في شهواته وبقي صعلوكا، ومن الإرشادات القرآنية اللطيفة هنا طلب ايناس، الرشد والتعرف على علاماته ومؤشراته، وهذا يعني أن الرشد ليس له حدود زمنية محددة يصل اليها الجميع في زمن واحد.

جـ- بلوغ الأشد ( اكتمال الرشد وبلوغ سن الأربعين) :

وهي مرحلة المسئوليات الكبرى لأنها عصر الرسالة والنبوة، يقول الله تعالى : { حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك ... } ( الأحقاف : 15)، { ولما بلغ أشده واستوى } ( القصص : 14) .
عن ابن عباس قال: الأشد: مابين الثماني عشرة إلى الثلاثين، والاستواء: مابين الثلاثين والأربعين، فإذا زاد على الاربعين أخذ في النقصان.
ولعل هذا هو مايشير اليه القرآن الكريم ـ والله أعلم ـ بمرحلة الكهولة بقول الله تعالى : { ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين } ( آل عمران : 46)، { إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا } (المائدة : 110).
ويذكر القرطبي أن الكهولة فيها المجتمع الأشد، وهي سن التكليف بالمسئوليات الكبرى، فقد كلف الرسل بحمل الرسالة في هذا السن.

ثالثا : مرحلة الضعف والشيبة :

على الرغم من أن هذه المرحلة هي مرحلة ضعف، إلا أنه ضعف مختلف عن الضعف الأول السابق على سن الرشد، فالقرآن الكريم يضيف إلى هذه المرحلة وصف الشيبة والتي تحمل معنى الخبرة والحكمة إلى جانب التقدم في السن.

ويقسم القرآن الكريم هذه المرحلة الكبرى إلى مرحلتين فرعيتين:

أ- مرحلة الشيخوخة : يقول الله تعالة { ... ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا... } ( غافر : 67) .
ب- مرحلة أرذل العمر ( الهرم) : يقول الله تعالى: { ... ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ... } ( الحج : 5) .
ويذكر القرآن الكريم شواهد كثيرة على خصائص مرحلة الضعف والشيبة، ومن ذلك قوله تعالى في تحديد المعالم الجسمية الرئيسة للمرحلة وهي وهن العظام وشيبة الرأس { قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا } ( مريم : 4) .
وكذلك خاصية انقطاع خصوبة المرأة والرجل، بقوله تعالى: { قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا } ( هود : 72)، { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا } ( النور : 60) .
وانتكاس الخصائص النفسية والجسمية المختلفة إلى مراحل سابقة، وخاصة عند أولئك الذين يبلغون من العمر ارذله، يقول الله تعالى : { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا } ( الحج : 5).
وقد نبه القرآن الكريم إلى أن هذه المرحلة فيها اعتماد جديد، كما كان الحال في مرحلة الطفولة والصبا، إلا أن الاعتماد في مرحلة الضعف الأولى كان على الأبناء، ومعنى ذلك أن هذه المرحلة هي أقرب إلى رد دين الأبناء إلى الوالدين، وكما تحددت حقوق الأبناء على والديهم في المرحلة الأولى، يحدد القرآن الكريم حقوق الوالدين على أبنائهم في المرحلة الثانية : يقول الله تعالى :
{ إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف } ( الإسراء : 23) .

هذا هو الجزء الأول من الموضوع وقد وضحت فيه كيفية تقسيم نمو الإنسان من يوم تكونه في بطن أمه إلى أن يصبح شيخا وكل ذلك بإثبات من القرآن الكريم .. وفي الأجزاء القادمة بإذن الله سوف أكتب عن كل مرحلة عمرية ومطالب النمو في كل مرحلة ... وفي نفس هذا الموضوع ...

راجية من الله أن أكون قد أفدتكم .....

مع فائق إحترامي وتقديري .....

أختـكم : شمـــــــــــوخ ......