إلا هــــــــذا . . .
جاءني ثائراً كالبركان يصيح بكل ما وهبه الله من رجولة:
هذه هي حياتي ولن أتنازل عنها ، وهي تريد الطلاق ، أرجوك عجّلي بموضوعي أريد أن أدخل للقاضي حالاً .
قلت: تفضل بالجلوس و أرجوك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، أرغب بالتحدث معك قبل دخولك للقاضي .
أجاب:
هي التي تريد الطلاق وأنا اليوم مقتنع بذلك تماماً وسوف ألبي لها ذلك ، أريد أن ارتاح من هذه المشاكل التي لا تنتهي .
سألته : أين هي زوجتك ، هل هي موجودة معك الآن ؟ . .
أجابني:
نعم إنها في الخارج وأرجوك أنا لا أريد أي وساطة وليس هناك مجال للصلح بيننا ، فالأمور وصلت لقمتها واستحالت الحياة بيني وبينها .
رددت: أرجوك أريد أن أرى زوجتك لعلني أريحك من هذه المشاكل وأصلح لك بعض أمورها .
وافق على مضض وذهب لإحضار الزوجة ، وبقي هو في الخارج .
هي في الثانية و الثلاثين من العمر ، جامعية ، مثقفة ، غاية في الجمال والأنوثة ، ومع ذلك لا تكاد تقوى على السير . دخلت الغرفة وقد سبقتها دموعها ووجهها الحزين ، كادت أن تنهار فور جلوسها ، تركتها تبكي بل وحثثتها على ذلك عسى أن تشعر بالراحة ، مرت الثواني والدقائق وهي على هذه الحال إلى أن هدأت .
قالت :
أرجوكِ أريد الطلاق ! تعبت كثيراً مع هذا الرجل لا أجد وسيلة أحل بها مشاكلي معه ، عملت كل ما بوسعي لإسعاده ، حاولت جهدي أن أبعده عن الجو الذي يعيشه . . أن أكسبه بجانبي ، أن يشعر بوجودي ويحسه ، ولكني للأسف فشلت . . كان حديثها ممزوجاً بالبكاء و النحيب ، سارعت إلى تهدئتها وقلت : لا تثقلي على نفسك بالهموم ، واجعلي ثقتك و اعتمادك على الله و اعلمي أن الله لا يخذل من يلجأ إليه ، ولنتعاون أنا وأنت في إيجاد مخرجاً لأزمتكما الزوجية .
هنا تشجعت وبدأت تسرد وتقص ، قالت :
أحببته وهو من قبيلة أخرى غير قبيلتي ، لم يوافق أهلي في البداية على زواجي منه ، عملت كل ما بوسعي ليوافقوا على زواجنا إلى أن تم ذلك ، لقد كان إنسانا ممتازاً في بداية حياتنا ، وبعد فترة تغير كل شيء ، بدأ يتأخر ويسهر ، أخذ يكثر من الشرب ، يأتيني كل ليلة لا يستطيع السير أو الحديث ، وفي هذه الفترة كنت قد أنجبت منه طفلين فصبرت على أمل أن يعود لرشده ، كما أنني لم أستطع الشكوى أو التحدث لأحد لأنني تزوجته رغماً عن أهلي .
ومرت الأيام وكل يوم أقول عسى أن يأتي الغد أفضل من سابقه ، ولكن كان أملي دائماً يخيب ، فلم يعد يكتفي بالشرب والسهر بل تتطور ( المحترم ) وأصبح له عدداً من الصديقات والخليلات كل يوم واحدة ، بدأ يقتّر علينا بالمصروف فاعتمدت عل عملي بشكل كلي وتحملت جميع المصاريف دون تذمر أو شكوى . . و في يوم حدثت الكارثة حدث الشيء الذي لم أكن أتوقعه عندما جاءت قوة من المباحث تبحث عن زوجي ولم أكن أدري لماذا . . ومنذ ذلك اليوم لم أره إذ تم القبض عليه خارج البيت وسجن بقضية شيكات من غير رصيد وطرد من عمله .
وأصبحت أواجه الحياة لوحدي مع أربعة أطفال . . احترت كثيراً ماذا أفعل ؟ هل أطلب الطلاق أم لا ؟ وقررت أن أقف بجانبه أساعده وأنقذه ، لعله بعد ذلك يقدّر عملي هذا ويرجع إلى صوابه وأبنائه ، الذين هم في أمس الحاجة إليه ولوجوده بجانبهم ، كما أنني لا أخفي عليكِ حبي له ، فعلى الرغم من كل ما فعله مازال حبه ينبض بقلبي ، فقد وكلت محامياً للدفاع عنه ، ولكننا خسرنا القضية وثبتت التهمة على زوجي وعشت فترة سجنه وحيدة حزينة أواجه حياة عصبية بأربعة أبناء ولوحدي ، إلى أن خرج زوجي من السجن ، لقد كانت فرحتي لا توصف بذلك ، حيث كان أملي بأنه قد تاب وأصلح السجن منه ، لكنني أصبت بخيبة الأمل الكبرى عندما وجدته قد عاد أسوأ كثيراً مما سبق ، فهو الآن لا يفيق من السكر كما أنه يبذل كل ما لديه ووسعه لصديقته التي يجاهر بعلاقته بها دون أدنى احترام لي . . هل تصدقي يا أختي بأنه طلب مني يوماً مبلغاً من المال و أعطيته وفجأة اكتشفت بأنه أخذه ليشتري لصديقته شقة ويجهزها لها ، وبالفعل فقد اشترى هذه الشقة وقد عرفت ذلك من أوراق ومستندات وجدتها معه . . وأخيراً بالأمس شاهدته على فراشي مع إحدى صديقاته ! كل شيء أتغاضى عنه إلا هذا . . هل وصلت به الجرأة أن يأتي بهذه الأشكال إلى بيتي ؟! وعلى فراشي؟!. .
وهنا رجعت تبكي بشدة وبدأت أهدأ من روعها أحاول تخفيف حزنها . . سألتها أريدك أن تجيبي بكل صراحة . . هل أنت فعلاً راغبة في الطلاق . . قالت
إنني أحبه و لا أتمنى أن يفرق شيء بيننا ، ولكنني أتمنى أن يهديه الله وأن أعيش حياة هادئة مستقرة معه ، كما إنني لا أريد أن أفصل أبنائي عن والدهم وخصوصاً إنني عشت حياتي أراوح بين أمي وأبي لأنهما كانا مطلقين ، وإنني أرفض تماماً أن يذوق أبنائي ما ذقته و عانيته في طفولتي ، فدعوت لها أن يثيبها الله على كل ما قامت به وعلى وقفتها بجانب زوجها وتضحياتها من أجل أبنائها ، وهنا طلبت أن أجلس مع الزوج لأحدثه . .
دخل الغرفة وهو يشعل سيجارته وقد هدأت ثورته . . قلت : إنني فعلاً أحسدك على هذه الزوجة المحبة لك ، يا لها من امرأة لا تطلب من الله ولا تتمنى غير رضاك وحبك ، يالك من إنسان محظوظ يحسدك كثير من الرجال على هذه النعمة ، نادراً ما نجد في أيامنا هذه زوجة يصل بها الحب والإخلاص والتضحية لهذه الدرجة . . ألا توافقني الرأي ؟ وبعد تفكير قليل
أجاب بأنها فعلاً تحبه وأنه يظلمها كثيراً لو قال إنها إنسانة سيئة ، على العكس فهي زوجة مطيعة محبة ، ولكن أنا إنسان أحب التمتع بحياة الحرية كاملة دون أن تتدخل الزوجة ، كما أنني لا أقصر معها مادياً ولها كل متطلباتها ، فلماذا لا تتركني أعيش حياتي كما يحلو لي .
قلت : هذا فيه ظلم كثير لها ، فالمرأة عندما تتزوج تريد أن يكون زوجها ملكاً لها دون غيرها وهي التي تقوم بكل الوسائل للدفاع والذود عنه ليبقى ملكاً لها وحدها ، وقد تنازلت زوجتك عن أشياء كثيرة مقابل أنها تحبك وترغب بالاستمرار معك ، أفليس من حقها أن تكون لها وحدها ؟ أن تعود لبيتك وأطفالك وأن تعيش مع أسرتك حياة هادئة مستقرة ؟! فرد:
أتمنى ذلك ولكنني لا أعدك بأنني سأقلع عن حياتي الخاصة بهذه السرعة ، وإن كنت سأحاول بكل صدق وإخلاص . .
هنا جمعتهما معاً وتحدثت مع الزوج و الزوجة وكان تركيزي كله على الأبناء الأربعة وضرورة إبعادهم عن جو مشاكلهما الخاصة ، والتنازل قدر الإمكان من قبل الطرفين ، وقد تم الصلح وعاد الزوج وبصحبته زوجته إلى البيت ولم يرجعا إلى المحكمة ولا أعلم عن أخبارهما شيئاً ، ولكن كلي أمل أن يكون الزوج فعلاً قد عاد لصوابه .