
آباء بلا مسؤولية !!!!!!!
بدأت الدكتورة "منيرة القاسم" (رئيسة اللجنة النسائية للندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض وعضو هيئة التدريس بكلية التربية الأقسام الأدبية) بتعريف مشكلة تخلي بعض الآباء عن مسؤولية تربية الأبناء بقولها: تتمثل هذه الظاهرة في أن الأم أصبحت هي المسؤولة عن كل صغيرة وكبيرة في تربية الأبناء، وقضاء حوائجهم ومتابعتهم، والأب يعيش في عالم آخر بعيدا عن أبنائه واحتياجاتهم ورعايتهم وهمومهم.
وأوضحت بأنها موجودة عند بعض الأسر في المجتمع السعودي كما توجد في غيره من المجتمعات الخليجية والعربية نظرا لتشابه الظروف والثقافات.
الأم ومسؤوليات لا تنتهي
ذكرت القاسم أبرز مظاهر هذه المشكلة بقولها: إن الأم مسؤولة عن الرعاية الصحية للأبناء، فهي لوحدها تتابع ذلك منذ صغرهم، ومن ذلك على سبيل المثال التطعيمات والفحوصات الدورية للطفل حتى يكبر، وهي التي تأخذه إلى الطبيب في حال مرضه، بل إن الأمر أصبح يتعلق حتى باتخاذ القرارات المتعلقة بإجراء العمليات الجراحية إذا استدعت الحاجة إلى ذلك، والأم هي التي تختار المستشفى والطبيب المعالج في ظل تخلي الأب عن هذه المسؤولية.
وأضافت بأن متابعة التحصيل الدراسي والتربوي أصبح من مهام الأم وليست عن البنات فقط بل طال الأمر الأبناء الذكور؛ حيث إن الأم أخذت على عاتقها متابعة الأولاد دراسيا في حل الواجبات اليومية وفهم الدروس، ومتابعتهم في المدرسة عن طريق الهاتف أو الرسائل الكتابية مع المدرسين والمشرفين.
وكذلك توفير مستلزمات الأبناء الضرورية والكمالية كالملابس والأحذية والأدوات المدرسية والألعاب وغير ذلك من قبل الأم؛ لأنها هي المطالبة بتوفيرها وشرائها لوحدها أو بصحبة أبنائها.. مراقبة وتوجيه سلوك الأبناء في البيت وخارج البيت نظرا لأن الأب أصبح بعيدا عنهم ببدنه أو باهتمامه، فلم تجد الأم بدا من أن تكون هي لوحدها مسؤولة عن ذلك لوحدها.
الترفيه العائلي أصبح من مسؤوليات الأم، فهي تأخذهم للتنزه خارج البيت والتخطيط للرحلات والزيارات العائلية.
السفر دون الأب برفقه الأم فقط أو مع أحد الأخوال، أو أن يأخذهم الأب للسفر ومن ثم يتركهم مع والدتهم وإرجاعهم مرة أخرى دون مشاركتهم رحلة السفر.. تفرد الأم في اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية في حياة الأبناء كاختيار الزوجة للابن، أو الموافقة على الشاب المتقدم للزواج من إحدى البنات..
اللامبالاة أم الحماس الزائد
وأوضحت د. منيرة القاسم أبرز العوامل التي تتعلق بالأب لنشوء مثل هذه المشكلة: جهله بواجباته ومسؤولياته الشرعية تجاه الزوجة والأبناء وعدم استشعاره بعظم هذه المسؤولية.
عدم تربية الزوج أساسا على تحمل المسؤولية "لامبالاة" فقد يكون نشأ في بيئة لم ترب فيه هذا الإحساس ولم تول إليه مسؤوليات في أسرته، لأنه كان معتمدا على والديه أو غيرهم في كل شيء.
كثرة المشاغل ومسؤوليات العمل وطول ساعات الدوام، وأيضا كثرة السفر لحاجة أو دون حاجة، حيث تتطلب بعض الأعمال كثرة السفر من بلد إلى آخر.
تعدد الزوجات وكثرة الأبناء، مما يجعل الزوج غير قادر على متابعة الأبناء وتلبية طلبات الزوجات وأبنائهن، أو اهتمامه بإحدى زوجاته وأولادها دون الأخرى أو الأخريات.
بخل الزوج وسوء خلقه أو انحرافه أو سوء تعامله، مما يجعل الزوجة تتجنب طلب أي شيء منه أو حتى مناقشته في هذا الموضوع.
تقليد الأصدقاء ومحاكاتهم الذين يشجعونه على ذلك، وقد يسخرون من قيامه بواجباته تجاه الزوجة أو الأولاد.
وأشارت القاسم إلى أن هناك بعض العوامل التي تتعلق بالزوجة (الأم) منها:
عدم إشراك الزوج في اهتمامات الأسرة وهمومها منذ بداية الحياة الزوجية، حيث تكون متحمسة لذلك ومستمتعة، ثم تجد نفسها بعد مدة ومع كثرة الأبناء غير قادرة على حمل العبء لوحدها بعد أن يكون الزوج قد اعتاد ذلك الأمر.
إحساس الزوجة بالمسؤولية أكثر من الزوج وقدرتها على تحمل المسؤولية مقابل سلبية الزوج وعدم مبالاته، مما يجعلها تتولى القيام بشؤون البيت والأولاد.
سلبية الزوجة وافتقادها لروح المبادرة يجعلها تتقبل الوضع.
الاستقلال المادي للزوجة وعدم الاعتماد على الزوج ماديا مما جعلها تستغني عن الزوج وترى عدم ضرورة تواجده في كثير من الحالات.
وأضافت بأن توفر السائق جعل الزوجة قادرة على قضاء حوائجها وحوائج أبنائها في أي وقت دون الحاجة إلى انتظار الزوج وموافقته.
وأيضا وجود ابن كبير للزوجين يدعو الأب لإلقاء مسؤولياته الخارجية على الابن والذي لن يكون بديلا ناجحا للأب.
كما أن التطور في وسائل الاتصال والتقنية الحديثة جعل الزوجة تستغني عن الزوج في كثير من الأمور فوجود تسهيل المعاملات البنكية للنساء، والهاتف والنت جعلها تقضي حوائجها بشكل ميسر دون اللجوء لمن يساعدها.
أضرار ومساوئ
وبينت الدكتورة منيرة القاسم الآثار السلبية المترتبة على هذه الظاهرة سواء على الزوج أو الزوجة وكذلك الأبناء بالبدء أولا بالزوج حيث إن الزوج يفتقد الدفء الأسري، مما يزيد الجفاء بين الزوج وأفراد أسرته مما يجعله يعتاد البعد عنهم وعدم الاهتمام بأمورهم.
افتقاد الاحترام من قبل الزوجة والأولاد وذلك نتيجة تقصير الزوج في واجباته الأسرية، فلا تكترث الزوجة لحقوق زوجها ولا لمشاعره.
أما على الزوجة تزايد الضغوط النفسية عليها جراء كثرة الواجبات، حيث أصبحت تتحمل فوق مسؤولياتها مسؤوليات زوجها أيضا.
الضحية الكبرى
وأكدت القاسم بأن الأبناء هم الضحية الكبرى نتيجة تجاهل الأب لدوره الأساسي في الأسرة مما يجعلهم يشعرون بفراغ عاطفي "أبوي" لديهم ويبدؤون البحث عن بديل غير مناسب، حتى إن مشكلات الأبناء تتزايد خاصة الكبار منهم، فتكون الأم غير قادرة على السيطرة عليهم نتيجة خروجهم واحتكاكهم بقرناء غير معروفين بالنسبة لها، فالأبناء هنا يفتقدون الموجه العاقل والحازم مما يعني احتمالية تعرض الأبناء للانحراف، كمصاحبة رفقاء السوء والتدخين أو ممارسات جنسية غير شرعية أو شاذة أو التدخين وتعاطي المخدرات.
كما أن الأبناء يفتقدون القدوة الحسنة المتمثلة في الأب الحنون والراعي الأمين، مما يجعل الأبناء يتمثلون قدوات غير صالحة كالممثلين والمغنين وغيرهم.
وبينت أن الدلال الزائد من قبل الأم للأبناء قد يؤدي إلى إفسادهم والتغاضي عن أخطائهم كل ذلك لتعويضهم عن بعد الأب.
كلمات خاصة
وذكرت منيرة القاسم بعض التوجيهات للأم خاصة تمكنها من إعادة الأب إلى مسؤوليته بعدة طرق ميسرة هي:
1- أن تقوم الزوجة بتذكير زوجها بأنه محاسب على ولايته لأسرته، وأن الله قد استرعاه زوجه وأولاده بطريقة التعريض واللين واستخدام العبارات المناسبة، وعدم استفزازه بالعبارات القاسية أو المباشرة.. ومن الأمثلة المناسبة: اليوم قرأت قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...} الآية.. وبحثت عن تفسيرها ماذا تتوقع؟ ثم تقرأ له التفسير أو تتركه له ليطلع عليه بنفسه، وتذكيره بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" كما يمكن أن تضع في متناول يد زوجها وتحت نظره الكتيبات أو النشرات التي تؤكد على هذا الأمر، وتبين أجر من قام على ولده وبيته بالحسنى.
2- إظهار الزوجة لزوجها أهمية دوره في البيت وفي حياة الأبناء.. كقولها: "الخروج مع الأولاد ليس له طعم من دونك، احتاج مشورتك في القضية الفلانية، أصبحت عاجزة عن اتخاذ قرار صائب بدونك في الأمر الفلاني، أعتقد بأن قدرتك على مواجهة هذا الأمر أفضل مني.." فقد يشعر الزوج بعدم أهمية وجوده في ظل تولي الأم لمهمات كثيرة في البيت، أو لقوة شخصيتها مقابل ضعف شخصيته، وهذا يتطلب من الزوجة أن تعيد للزوج قيمته وتشعره بأهمية وجوده معها وبين أولاده.
3- إشراك الزوج في مسؤوليات البيت والأولاد حتى وإن كان بالإمكان قضاؤها من دونه، خاصة إذا كان الزوج قادرا على ذلك مع مراعاة عدم إثقاله بالطلبات خاصة في ظل انشغاله.
4- إبراز انجازات الأب وإظهار الامتنان والفرح بذلك حال قيمه بأمر ما حتى لو كان بسيطا. مثلا قولها: "فرحة الأولاد لا توصف في نزهة اليوم لوجودك معنا" وهذه بدوره يعزز من السلوك المطلوب من الزوج ويشجعه في الاستمرار في تقديم المزيد للزوجة والأبناء، ويمكن أن يكون هذا الأمر أمام الأبناء أو أمام الأهل.
5- محاولة معرفة شخصية الزوج والنقاط التي يمكن استخدامها كمدخل للتأثير فيه وإقناعه بمسؤولياته. فكثير من الأزواج يخاف من انحراف الأبناء: "التدخين منتشر بين الأولاد في مثل سن ابنك وكثير منهم لجأ للمخدرات وأنا لا أدري مع من يمشي؟..".
6- يمكن أن تجازف الزوجة لتهز الزوج وتشعره بعظم المسؤولية التي تخلى عنها، وعدم التستر على الأبناء أو التفرد في مواجهة مشكلاتهم (الابن في قبضة الشرطة بسبب التفحيط) فمن الآباء من لا يوقظه إلا مشكلة أو مصيبة تحل عليه أو على أحد أفراد أسرته، لذا فليس من مصلحة الزوجة أن تتلقى لوحدها الصدمات في ظل تخلي الزوج عن مسؤولياته.
وأكدت القاسم في الختام على أهمية الدعاء لهذا الزوج الأب" في ظهر الغيب والاجتهاد في ذلك، وأنه من الأفضل الدعاء أمامه بالتوفيق والسعادة له ولأبنائه، وأن على الزوجة التأقلم مع الوضع والبدء بالتغيير التدريجي حتى تحقق بناء أسرة سعيدة.
د. منيرة القاسم
منقول
التعديل الأخير تم بواسطة شمعة لزوجي ; 26-05-2008 الساعة 12:58 AM