
مواقف إجتماعية من حياة الشيخ السِّعدي رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
إن العلماء هم بقية السلف الحاملين لتراث نبيهم صلى الله عليه وسلم والداعين إلى سبيله المستقيم أمضوا حياتهم كلها ينشرون هذا الدين ويعلمونه الناس..
والشيخ عبدالرحمن الناصر السِّعدي حلقة من حلقات هذه السلسلة الذهبية..
فسنذكر شيئاً من سيرته الطيبة كما يرويها إبنه محمد وسبطه مساعد..راجين من الله المعونة والتوفيق ..
*وصف الشيخ:
كان رحمه الله ليس بالطويل ولابالقصير ، أبيض شعر اللحية والرأس منذ أن كان 28عاماً تقريباً..
*طلبه للعلم:
تقول إحدى أخواته: إن الجد ناصر إذا قال للشيخ الوالد عبدالرحمن سوف أذهب بك إلى الدراسة جلس الوالد يبكي ويمتنع عن الذهاب..فيرد الجد ناصر ويقول: هذا الولد إذا أطرين له الدراسة قعد يبكي لايريد المدرسة لكن الله المدبر.
فأصلحه الله فحفظ القرآن وعمره لم يتجاوز 12..وإشتغل بطلب العلم فقرأ التوحيد والتفسير والحديث والمصطلح والفقه واصوله على يدي عدد غير قليل من الشيوخ..
*شيوخه:
تلقى الشيخ العلم والمعرفة على عدد غير قليل من العلماء الأفذاذ الذين أخذوا العلم من مصادر ومشارب مختلفة ومتعددة ومن أقطار وبلدان واسعة فمن هؤلاء/
1/الشيخ علي بن محمد السناني (1263ه-1339ه)..له اليد الطولى في التفسير والحديث وكان رحمه الله ذا خط جميل جداً.
2/ الشيخ علي بن ناصر بن وادي (1273ه-1361ه) عالم وبحر في الحديث أخذ علم الحديث عن علماء الحديث في الهند..وتطبع بطبع أهل الحديث في العبادة والأخلاق الحميدة وقد أجاز الجد عبدالرحمن بمروياته.
3/الشيخ محمد الأمين الشنقيطي وقد تأثر الشيخ بطريقته في التدريس وأسلوبه في التعليم.
4/ الشيخ صعب بن عبدالله التويجري (1253ه-1339ه) كان من العباد المعروفين بكثرة قراءته وتلاوته لكتاب الله العظيم وقيل: إنه كان يقرأ القرآن وهو نائم رحمه الله رحمة واسعة.
*من مؤلفاته:
1/تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
يقول عنه الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد: نفع الله الشيخ ابن سعدي بهذا السبق العلمي من عالم نجدي فإني لاأعلم في النجديين من له تفسير كامل لكتاب الله تعالى بهذا السبك والجودة فقد قضى الشيخ ابن سعدي رحمه الله الدَّين عن من قبله وسبق من بعده وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
2/الوسائل المفيدة للحياة السعيدة.
3/نور البصائر والألباب.
4/طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول.
*مجالسه مع عامة الناس:
كان رحمه الله يحب جبر الخاطر فيفاجيء المريض وكبار السن بالزيارة وإذا علم أن أحداً من أصدقائه أوْلم ذهب إليه جبراً لخاطره..وقبل الدخول عليهم يطرق الباب بالعصا وبقوة حتى يعلم من كان بالداخل أن الشيخ يريد الدخول فمن كان منهم يشرب الدخان بالمجلس يطفئه دون إحراج.
وكان من طريف مايصنعه ويدل على حرصه على دينه أنه كان إذا ذهب إجابة لدعوة يُسِرُّ إلى بعض أصدقائه من طلبة العلم : إذا سمعت الحاضرين أو المدعوين يتكلمون في الناس وأعراضهم أو يتكلمون بكلام فارغ فاسألني سؤالاً أو أذكر مسألة شرعية أو علمية وسوف أقوم بالإجابة عن المسألة..وبهذا يتحول المجلس من مجلس لغو وغيبة وكلام لافائدة منه إلى مجلس علم وفتوى وفائدة فيعم نفعه الجميع في دينهم ودنياهم دون إحرج أحد وهذا من حكمته رحمه الله.
*عمله في بيته:
كان رحمه الله يقوم بصيانة البيت بنفسه مثل فتح باب في الجدار أو عمل رفوف أو ترقيع بالبيت وكل سنتين يقوم بنفسه بتنعيل السطح(عمل لياصة من الطين بين وارش السطح والسطح نفسه) وإغلاق الشقوق وذلك من أجل ألا يتضرر البيت من شدة المطر.
*مواقف من حياته:
- إشترى الشيخ الوالد رحمه الله حمل حطب وعادة أهل عنيزة عندنا إذا اشترى الواحد حطب يدخل الجمّال الحطب داخل البيت وإذا إنتهى من عمله يضع له أهل البيت تمراً وماء وإذا أكل وشرب يغلق باب البيت بقوة بقصد إخبار أهل البيت أنه خرج..في إحدى المرات لما خرج الجمال جاء الوالد يريد إغلاق الباب فوجد بالحوش في طريقه للباب علبة عرف إنها علبة دخان طايحة من الجمال..قام الوالد وأخذ العلبة وفتح الباب ونادى الجمال وقال له: هذي لك؟
قال بعد تردد: نعم هذه لي لكنك ياشيخ تدري وش فيها؟
قال الوالد: نعم..دخان.
قال الجمال: وتعطينيها ياشيخ؟
قال الوالد: نعم لأنك إذا مالقيت العلبة سوف تشتري بقيمة الحطب الذي بعته بدلاً منها وتجوّع عيالك وتحرمهم من الرزق والهادي الله سبحانه..
قال له الجمال: بسم الله..
وأخذ العلبة وكب مافيها من دخان وأوراق بالأرض وقال: اللهم إني تبت إلى الله ولن أعود للدخان مرة أخرى.
- من صفات الوالد الخلقية رحمه الله هو التحبب للناس عامة ومع أهل بيته ومع طوارفه (أقاربه) الرجال والنساء وكان رحمه الله دائماً يمزح معي ومع الوالدة حصة والوالد يعرف أن الحريم يضايقهن طاري الزوجة الثانية لكن الوالد كما هي عادة الأزواج يمزح ويقول للوالدة: أبغ أتزوج واحدة..ويسميها باسم وهمي (أم إبراهيم)..
وفي يوم من الأيام دخل الوالد القهوة (المجلس) وشب النار وجهز القهوة وزين له شاهي وقهوة وأحضر وسادة كبيرة وألبسها عباءة من عباءات حريم البيت وجعل الذي ينظر إلى الوسادة من الخلف يظن أنها إمرأة جالسة مع الشيخ بالقهوة..وصادف ذلك اليوم وجود عماتي وهن أكبر من الوالد سناً وكذلك بعض الأقارب من محارمه فذهب لهن وهن جالسات وقال لهن: تفضلوا عندي بالقهوة عازمتكم أم إبراهيم وتعالوا سلموا عليها تراها تنتظركم بالقهوة..
فقمن كلهن ومن عرضهن الوالدة رحمها الله ويوم دخلن القهوة شافوا المرأة الجالسة حسبوها أول الأمر إمرأة حقاً وصدقن ذلك لكن الوالدة رحمها الله كانت تعلم أن الوالد يمزح كما هي عادته فقامت وأخذت لها شيئاً من الأرض تضرب به المخدة على أنها أم إبراهيم وأنها غاضبة منها والشيخ يدافع عنها وهو يضحك من فعلها..
*وفاته:
توفي رحمه الله في عنيزة ليلة الخميس 23 جمادى الآخرة عام 1376ه.
رحم الله شيخنا الجليل ورفع قدره في الدارين ونفعنا بعلمه..
المرجع كتاب: مواقف إجتماعية من حياة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السِّعدي.
إعداد وتأليف: محمد بن عبدالرحمن السِّعدي.
مساعد بن عبدالله السِّعدي.
* بتصرف.
__________________
ويبقى الأمل بالله شمسآ لاتغيب
ونبعآ صافيآ لاينضب