بالتي هي أحسن - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

مساحة مفتوحة موضوعات ونقاشات علمية، وثقافية، وفكرية، واجتماعية.

 
قديم 02-09-2012, 10:45 PM
  #1
شكوى حبيب
موقوف
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 212
شكوى حبيب غير متصل  
بالتي هي أحسن

(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِوَجَادِلْهُمْ بِالَّتِيهِيَ أَحْسَنُ)


مدخل لغوي

جادلَ يجادل جدالا و اسم الفاعل منه : مُجادلٌ.

و تدور معاني الجدال في كلام العرب على الشّدة و اللجاجة في الخصومة ، و قد نقلها

الاستعمال و العُرف إلى : الحوار بطريقة لحوحة ، و تحمل في طياتها شيئاً من الشِّدة

بسبب الإلحاح في الإقناع . و منه (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي )،

فقد جاء أنها كانت تراجع النبي صلى الله عليه و اله و سلم كثيراً هو يجيبها و هي تراجعه.


(و جادلهم بالتي هي أحسن).

(أكثر المفسرين على أن الجملة واقعة موقع جوابٍ لشرطٍ محذوف تقديره : إن جادلوك فجادلهم)

بالتي هي أحسن ، لأن الجدال في حد ذاته مُجانبٌ للحُسنى في الحوار لما فيه من معنى الإلحاح و الشدة.

و مع هذا فقد قال: (بالتي هي أحسن ) . يعني إن جادلوك فجادلهم ، و ليكن جدلُك لهم بالطريقة المغايرة لجدلهم المًعتاد ، و ليكن بالتي هي أحسن .


ف جملة (بالتي هي أحسن) مُصاغةٌ في تأويل مصدر(الحُسنى) و هي صفةٌ لمحذوفٍ مُقدر تقديره: بالطريقة التي هي أحسن. أي بالطريقة الحسنى.

و هذه الآية نزلت في حوار نبي الله مع اليهود و المشركين ، و لطبيعة صلاحية القرءان لكل زمان و مكان جاءت على نسق العموم من غير تحديد نوعِ المُجادَل –بفتح الدال- : (و جادلهم) ، و إخفاؤه للمُجادل –بفتح الدال- و الإشارة إليه بالضمير لغرض العموم و الله أعلم .

و كذلك توجيه الخطاب في قوله (ادع إلى سبيل ربك... و جادلهم بالتي هي أحسن) هو في الأصل إلى نبي الله صلى الله عليه و اله و سلم ، و لكنه يبقى خطابٌ لجميع الأمة ؛ لان ما خوطب به النبي تُخاطب به الأمة كلها ، فهي عامة في كل ما يستدعيه الجدال و الحوار.

و الأمر في قوله (و جادلهم) ليس على ظاهره من وجوب الجدال إلا حين الضرورة إليه ، كأن يتلبس الحق بالباطل فحينها يجب الجدال. و هو مما تدخله الأحكام الخمسة: الوجوب ، الاستحباب ، التحريم ، الكراهة ، الإباحة.

و معنى الحُسنى في الحوار أن يأخذ بالتالي:

1- أن يكون في نطاق الحق . و إلا لانقلب حواراً باطلا لا حُسنى فيه ، فالباطل ليس له وجه حسنٌ من أساسه.

2- أن تخلص فيه النية . و إلا لفقد من الحُسنى روحها و رونقها ، و لم يقع في نفس الأخر موقع التوفيق.

فكم من صاحب نيةٍ وصل بكلمة خفيفة إلى أعماق الآخرِين. و قديما قالوا (لَيْسَتِ النائحةُ الثَّكْلَى كالُمسْتَأجَرَة)

3- أن يأخذ بآداب الحوار و فنياته ؛ حتى الطرق التي يستخدمها الأخر في الحوار ؛ فلا يكفي ما تستخدمه أنت من طُرقٍ و أدبيات –إن لم تكن على المعيار السليم للحوار - فإنها تخصك وحدك ، و أنت و الآخر شركاء في الحوار ، و غرضك إقناعه ، ولا يتأتى ذلك إلا بطرق الآخر و أدواته –إن كان له ضوابط خاصة في الحوار- لتصل إلى مرادك .

و هذا باب عظيم من أبواب (و جادلهم بالتي هي أحسن) ؛ و قد افرد العلماء له كُتباً ، و خصوه بالتصنيف و التأليف. و ذلك لأهميته في الوصول إلى الحق حين التباسه بالباطل.

4- إضفاء طابع الود بين ثنايا الحوار. لأنك تحاور الفكر الذي يترصد خلفه قلبٌ مُرهفُ الشعور.

و هذا هو عين الحُسنى. (و قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم) و اتباع نزغ الشيطان ليس من الحسنى بشيء.

5- التجرد من الأحكام المسبقة لتتمكن (نفسياً) من معاملته و محاورته بالحسنى . فلا تحاور أحداً إلا و قد هذبتَ قلبك و تفكيرك من الأحكام السريعة عليه بناء على موضوعه. فقد يكون حواره لطلب الاستزادة من المعرفة حول موضوع الحوار و قد يكون له غرضٌ آخر.

فليس بالضرورة أن يكون معتقدا له أو ميالاً إليه.

6- إشعار الآخر برغبتك في الوصول إلى الحق بـ ( و إنا أو إياكم لعلى هدئ أو في ضلال مبين).

و من كمال الحسنى في الحوار أن تقول قد يكون الحق في هذه المسالة معي أو معك . فلنتباحث حتى نعرف. و هذا لا يكون إلا عند بداية الحوار ، حتى لا يشعر ألآخر بتصلُّب موقفك من الموضوع .

و أما عند الإنتها من الحوار فقد ظهر للطرفين أحد الاحتمالين منه فلا داعي للتشكيك في نتيجة الموضوع. لأنه مما يُدخل الريبة في النفوس. و هي منافية لغرض الحوار.

7- الإعتراف و الإشادة بصحة رأي الآخر –إن وُجِدَ- في ثنايا الحور ، فإنه مما يُكسب الود ، و يكسر حِدَّة التوتر بين الطرفين و ينقلب من معنى الحوار إلى معنى التباحث بين اثنين متفقين بالجملة.

و هي أجمل طريقة للوصول إلى الحق في المسالة المعينة ، أن تكسب الآخر ليكون معك ؛ فتُضيف إلى قوتك قوةً.

8- عدم إظهار الإنتصار –إن وُجِدَ- بعد انتهاء الحوار ، فإنه مما يزيد الآخر إصراراً في تمسكه برأيه و إن ظهر له بطلانه من خلال الحوار مما يتسبب في وقوعه في الخطيئة . و هو منافٍ تماما لمعنى استعداد التراجع ( و إنا أو إياكم لعلى هُدىً أو في ضلال مبين) .

التعديل الأخير تم بواسطة صفاء ; 05-09-2012 الساعة 07:24 AM
 

مواقع النشر

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:21 AM.


images