بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحب لا يحتمل التحدي!
ثمامة بن أثال سيد قومه وقع أسيراً بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فربطوه في المسجد، فبلغ به الغضب مبلغه وأصبح صدره يغلي وغرق في الضغط النفسي. سأله النبي صلى الله عليه وسلم: ما عندك؟ فقال ثمامة: عندي خير ! إن تقتل تقتل ذا دم (أي ستسفك دماء كثيرة منكم إذا قتلتني)، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. ولم يستجب لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم.
ثم مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام يسأله: ما عندك ؟ ويجيبه ثمامة بإجابته. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان ذكياً في المعاملة والدعوة إلى الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم: أطلقوه . فأوجد له النبي صلى الله عليه وسلم مخرجاً ليتخلص ثمامة مما يجد من الضغط النفسي فيرجع إلى عقله ليفكر باتزان. انطلق ثمامة فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . يا محمد ، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب دين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي، فخرج من المدينة متوجهاً لمكة ليعتمر ، فلما قدم مكة قال له قائل : صبوت ؟ قال : لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا والله، لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم .
إذا ما اشتد غضب الزوج ولمحتِ أنه أحس في قرارة نفسه بخطئه أثناء فورة الغضب، فلا تطالبيه بالاعتراف بالخطأ، ولا تظهري له أنه اتضح لك علمه بخطئه، بل ابحثي بسرعة عن مخرج له يريح ضميره لئلا يجتمع فيه ضغط الغضب وضغط الإحراج فتتحول الجلسة إلى مأساة لا يعلم عقباها إلا الله تعالى .
عندما انتصر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين على هوازن ، وغنم منهم مغانم كثيرة ، قام بتوزيعها على المهاجرين وحديثي الاسلام . فتكلم بعض شباب الأنصار فقالوا : يرحم الله رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً وسيوفنا مازالت تقطر من دمائهم . فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كل الانصار وقال لهم: يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم ؟ وقال أشياخهم: يا رسول الله! ذوو رأينا لم يقولوا شيئاً، وإنما تكلم أناس منا حديثو السن. فقال صلى الله عليه وسلم: ألم آتكم ضُلاّلاً فهداكم الله بي، وعالةً فأغناكم الله بي، وأعداءً فألف الله بين قلوبكم؟ ألا تجيبون ؟ فقالوا : المنّ لله ولرسوله. فقال صلى الله عليه وسلم: لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم- أي لو شئتم لقلتم- : أتيتنا مكذَّباً فصدَّقناك، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك (فأوجد لهم النبي صلى الله عليه وسلم مخرجاً لحظة الاحراج). فقالوا: المنّ لله ولرسوله .
فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار شعباً (طريقاً ضيقاً) لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، الأنصار شعار والناس دثار. اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار. فبكوا حتى ابتلت لحاهم. (رواه احمد)
قد يدخل الزوج غاضباً: أين ثوبي ؟ قد تركته هنا. فإذا أخبرته أنه أخذه إلى المغسلة، فلا مانع من أن تقولي له : فعلاً كان ينبغي لي أن أذكرك أنه في المغسلة لتستلمه ! أو قد يتساءل مغضباً: أين مالي ؟ قد وضعته في هذا الموضع. فلا مانع من أن تقولي (وكان قد أعطاك إياه لتشتري به شيئاً ما) إني ظننت أنك أعطيتنيه لأشتري به كذا، فربما فهمتك خطأً. فستجدينه يسكت ويتمتم !
وإذا ماجلس بين أهله وأصحابه فإنه سيقول : لقد تزوجت من امرأة عاقلة وقورة .
دخلت البيت على عجلة وبحثت عن كتابي في الأدراج. فردت زوجتي: بالأمس رتبت هذه الأدراج ولم أر فيها الكتاب - يتابع الزوج الحديث - فقلت: بل أنا وضعته هنا.. وأنتِ دائماً تلقين بالكتب وتضيعينها، ثم تتخلصين من هذا المأزق بقولك: لم أرها في هذا الموضع ! مالك رابضة في مكانك ؟! قومي وأعينيني ! فقامت وهرعت بالبحث معي وهي متأكدة من عدم وجوده، ثم قالت: لعله في سيارتك من الخلف. فرفضت هذا الرأي ورددت عليها بشدة، وأثناء هذياني وأنا مغضب إذ بي أتذكر أني أخذته معي السيارة منذ فترة وجعلته في الخلف، فتصنعت الغضب وأنا أهذي وسحبت نفسي فوجدته كما قالت زوجتي، وعلمت زوجتي بذلك ولم تظهر لي أنها علمت أو انتبهت له !
عدم إحراج الزوج لحظة غضبه هي وحدها مخرجٌ ومكسبٌ كبير، كم يشعر أن قلبك كبير، وأن العلاقة ليست تحدٍ، وإنما مودة خالصة، والمحب لا يحتمل أن يجعل محبوبه محرجاً !
حدث النضر بن شميل فقال: كنت أدخل على المأمون في سمره، فدخلت عليه ذات ليلة وعليَّ قميص مرقوع، فقال: يا نضر، ما هذا التقشف حتى تدخل على أمير المؤمنين في هذه الخلقان ؟ قلت: يا أمير المؤمنين أنا شيخ ضعيف، وحر مدينة «مرو» شديد، فأتبرد بهذه الخلقان. ثم أجرينا الحديث - فأجرى هو ذكر النساء، فقال: حدثنا هشيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سَداد من عوز» فأورده بفتح السين، فقلت: صدق يا أمير المؤمنين هشيم، حدثنا عوف بن أبي جميلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سِداد من عوز» بكسر السين. وكان المأمون متكئاً فاستوى جالساً، وقال: يا نضر، كيف قلت «سِداد» بكسر السين ؟! قلت: لأن «السَداد» بفتح السين ها هنا لحن (أي «بدلية» كما نسميها).
قال: أَوَتلحنني؟! قلت: أنت بريء منه، إنما لحن هشيم- وكان محدثاً لحاناً- هو الذي حدثك بهذا فتبع أمير المؤمنين لفظه.
فاطمأن المأمون وانفرجت حينئذٍ أساريره، وانبسط إليه .
وقال: فما الفرق بينهما ؟
قلت: السَداد - بفتح السين- القصد في الدين والسبيل، والسِداد بالكسر «البُلغة» وكل ما سددت به شيئاً فهو سِداد. قال: أَوَتعرف ذلك العرب ؟ قلت: نعم، هذا العرجي يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسِداد ثغر
فقال المأمون: قبح الله من لا أدب له، وأطرق ملياً ثم قال: ما عندك من المال يا نضر؟ فقلت: أرض صغيرة لي بمرو أتصابها، وأتمززها - أي أشرب صبابتها وأمصها- قال: أفلا نفيدك مالاً معها ؟ قلت: إني إلى ذلك لمحتاج .
قال: فأخذ القرطاس وأنا لا أدري ما يكتب، ثم صلى بنا العشاء، وقال لخادمه: تبلغ معه إلى الفضل بن سهل، فلما قرأ الفضل الكتاب، قال: يانضر، أمير المؤمنين أمر لك بخمسين ألف درهم، فما كان السبب فيه ؟ فأخبرته ولم أكذبه، فأمر لي الفضل من خاصته بثلاثين ألف درهم، فخرجت بثمانين ألف درهم بحرف استُفيد مني !
إذا ما أوجدت للزوج مخرجاً من الحرج الذي وقع فيه لحظة غضبه، فإن قلبه سينبسط إليك، ويعمل على أن يقدم الكثير لك ولكن بدون أن يشعرك أنه شكر إنقاذك له حفاظاً على عزة نفسه كما يزعم !
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بيت ومعه جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه فوجد عمر ريحاً، فقال: عزمت على صاحب هذه الريح أن يقوم فيتوضأ. فقال: يا أمير المؤمنين، بل يتوضأ القوم جميعاً. فقال عمر: يرحمك الله، نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام .
ما هو شعور صاحب الريح في هذه اللحظة تجاه جرير الذي أوجد له مخرجاً ؟!
إيجادك مخرجاً للزوج هي سيادة لك على قلبه، وستتوالى دعواته لك بالرحمة، ويشعر أنك أنت الزوجة المناسبة التي يحمد الله دوماً على حسن اختياره لك .
قال أحدهم: عزمت على السفر ظهر غد، فجمعت ليلتها الجوازات استعداداً للسفر، ففقدت جواز زوجتي، ففتشت عنه في مكانه الخاص فلم أجده. سألتها فقالت: هو في مكانه ولم نعبث به. وهرعت معي للبحث عنه، فصرخت غاضباً: أنت دائماً هكذا، تنقلينه من موضع لآخر، أنت.. وأنت... والزوجة في حيرة من الأمر. فقالت لي: آخر مرة أنت أخذته إلى إدارة الجوازات والجنسية منذ أربعة أشهر فلربما وجدته هناك. فازددت غضباً عليها: أهذا رد ؟ بل أنا أرجعته إليك. فتمتمت وأنا أحوقل وهي ربما لم تنم من الهمّ. واتصلت بأخي أسأله عن إمكانية استخراج جواز في يوم واحد فأجابني بمثل هذه القصة حدثت له فوجد الجواز في إدارة الجوازات .
فعندما أصبحت كنت أول داخل لهذه الإدارة فاستقبلني أحد موظفيها الذي سألني سؤالاً واحداً فقط ثم توجه إلى الدرج فأخرج جواز زوجتي .
لمّا رجعت إليها وأخبرتها سارَعَت في إلقاء اللوم على الإدارة لتجعله مخرجاً لي لئلا تلقي اللوم علي، وتناست كل المصائب التي جمعتها لها بالأمس ، فكبرت في عيني !
هذه الحيلة الشرعية، وهكذا ينبغي أن تستخدم الذكاء في مثل هذه المواطن. فالعلاقة الزوجية ليست تحدٍ، وإنما عشرة عمر. فحافظي عليها، ودعك من ذوات النظر القصير واللاتي لا تتجاوز أعينهن أنوفهن. فالحب ليس فيه غالب ومغلوب .
إياكِ أن تحرجي الزوج لحظة غضبه !
منقول