وشرعا : هو مصّ من دون الحولين لبنا ثاب عن حمل أو ضربه أو نحوه.
الأصل في مشروعيّة الرضاع:
قال تعالى في سياق بيان المحرّمات من النساء : وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ .
وفي " الصحيحين " عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم :" يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "
وقوله صلّى الله عليه وسلّم :" يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة "(رواه الجماعة )
ما يترتّب على الرضاع:
الرضاع حكمه حكم النسب في النكاح والخلوة والمحرميّة وجواز النظر على ما يأتي تفصيله.
ولكن لا تثبت له هذه الأحكام إلا بشرطين:
الشرط الأول : أن يكون خمس رضعات فأكثر لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت :" أنزل في القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخ من ذلك خمس رضعات، وصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن، فتوفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والأمر على ذلك" (رواه مسلم) وهذا من نسخ التلاوة دون الحكم، وهو مبيّن لما أجمل في الآية والأحاديث في موضوع الرضاع.
الشرط الثاني : أن تكون خمس الرضعات في الحولين؛ لقوله تعالى : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ فدلّت هذه الآية الكريمة على أنّ الرضاع المعتبر ما كان في الحولين، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم :" لا يحرمن الرضاع إلاّ ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام" قال الترمذي : (حديث حسن صحيح )
ومعناه أنّه لا يحرم من الرضاع إلاّ ما وصل إلى الأمعاء ووسعها؛ فلا يحرم القليل الذي لم ينفذ إليها ويوسعها، ولا يحرم إلاّ ما كان قبل الفطام؛ أي : ما كان في زمن الصغر، وقام مقام الغذاء؛ فالذي يثبت الحرمة حيث يكون الرضيع طفلا يسدّ اللبن جوعه وينبت لحمه، فيكون ذلك جزءا منه.
حدّ الرضعة:
وحدّ الرضعة أن يمتصّ الثدي ثم يقطع امتصاصه لتنفس أو انتقال من ثدي لآخر أو لغير ذلك؛ فيحتسب له بذلك رضعة، فإن عاد؛ فرضعتان . . . وهكذا، ولو في مجلس واحد، وذلك لأنّ الشارع اعتبر عدد الرضعات ولم يحدّد الرضعة، فيرجع في تحديدها إلى العرف.
ولو وصل اللبن إلى جوف الطفل بغير الرضاع فحكمه حكم الرضاع؛ كما لو قطر في فمه أو أنفه، أو شربه من إناء ونحوه، أخذ ذلك حكم الرضاع؛ لأنّه يحصل به ما يحصل بالرضاع من التغذية، بشرط أن يحصل من ذلك خمس مرات.
ما ينشره الرضاع من الحرمة:
وأمّا ما ينشره الرضاع من الحرمة فمتى أرضعت امرأة طفلا دون الحولين خمس رضعات فأكثر، صار المرتضع ولدها في تحريم نكاحها عليه وفي إباحة نظره إليها وخلوته بها، ويكون محرما لها؛ لقوله تعالى : وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ولا يكون ولدا لها في بقيّة الأحكام؛ فلا تجب نفقتها عليه، ولا توارث بينهما، ولا يعقل عنها، ولا يكون وليا لها؛ لأنّ النسب أقوى من الرضاع؛ فلا يساويه إلاّ فيما ورد فيه النصّ، وهو التحريم، وما يتفرّع عليه من المحرميّة والخلوة.
وكذلك سائر أحكام النّسب كالميراث، والنّفقة، والعتق بالملك، وسقوط القصاص، وعدم القطع في سرقة المال، وعدم الحبس لدين الولد، والولاية على المال أو النّفس فلا تثبت بالرّضاع، وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء.
ويصير المرتضع ولدا لمن ينسب لبنها إليه بسبب حملها منه، أو بسبب وطئه لها بنكاح أو شبهه؛ للحوق نسب الحمل به في تلك الأحوال، والرضاع فرع عنه، فيكون المرتضع ولدا له في الأحكام المذكورة في حقّ المرضعة فقط، وهي تحريم النكاح وجواز النظر والخلوة والمحرميّة دون بقيّة الأحكام.
وتكون محارم من نسب إليه اللبن كآبائه وأولاده وأمهاته وأجداده وجدّاته وإخوته وأخواته وأولادهم وأعمامه وعمّاته وأخواله وخالاته يكونون محارم للمرتضع، وتكون محارم المرضعة كآبائها وأولادها وأمهاتها وأخواتها وأعمامها ونحوهم محارم للمرتضع.
وكما تثبت الحرمة على المرتضع تنتشر كذلك على فروعه من أولاده وأولاد أولاده دون أصوله وحواشيه؛ فلا تنتشر الحرمة على من هو أعلى منه من آبائه وأمهاته وأعمامه وعمّاته وأخواله وخالاته، كما لا تنتشر إلى من هو في درجته من حواشيه وهم إخوانه وأخواته.
حقّ الأمّ في الرّضاع :
إن رغبت الأمّ في إرضاع ولدها أجيبت وجوباً. سواء أكانت مطلّقةً، أم في عصمة الأب على قول جمهور الفقهاء، لقوله تعالى : { لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا }.
والمنع من إرضاع ولدها مضارّة لها، ولأنّها أحنى على الولد وأشفق، ولبنها أمرأ وأنسب له غالباً.
رضاع الكفّار :
إن ارتضع مسلم من ذمّيّةٍ رضاعاً محرّماً حرّمت عليه بناتها وفروعها كلّهنّ وأصولها كالمسلمة، لأنّ النّصوص لم تفرّق بين مسلمةٍ وكافرةٍ، وقد صرّح بذلك المالكيّة والحنابلة ولا تأبى ذلك قواعد المذاهب الأخرى.
صلة المرضعة وذويها :
للمرضعة حقّ على من أرضعته ولو كان الإرضاع بأجرٍ، يدلّ على ذلك حديث حجّاجٍ الأسلميّ، قال : » قلت : يا رسول اللّه ما يذهب عنّي مذمّة الرّضاعة؟ قال :" الغرّة العبد أو الأمة ".
قال الخطّابيّ في المعالم: يقول: إنّها قد خدمتك وأنت طفل، وحضنتك وأنت صغير، فكافئها بخادمٍ يخدمها ويكفيها المهنة، قضاءً لذمامها " أي لحقّها " وجزاءً لها على إحسانها.
كما يدلّ على ذلك فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقد روى أبو الطّفيل قال : » رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقسم لحماً بالجعرانة. قال أبو الطّفيل : وأنا يومئذٍ غلام أحمل عظم الجزور إذ أقبلت امرأة حتّى دنت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبسط لها رداءه فجلست عليه، فقلت : من هي فقالوا : هذه أمّه الّتي أرضعته « .
وروى عمر بن السّائب أنّه بلغه:» أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كان جالساً يوماً فأقبل أبوه من الرّضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثمّ أقبلت أمّه فوضع لها شقّ ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثمّ أقبل أخوه من الرّضاعة، فقام له رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فأجلسه بين يديه«.