التكملة :
الزوج مسرف والزوجة مبذرة ..ما الحل؟
رابعا :أن تعلم أن الغنى غنى النفس : فمهما ملك الإنسان من مال فهو فقير إلى الله تعالى وقد يذهب ماله في لحظة ويتحول من غني
إلى فقير , فالسعادة ليست في امتلاك المال وحده بل في الإيمان والطاعة التي يجد لذتها وحلاوتها المؤمن المجاهد لنفسه ولشيطانه
فيلزمها تقوى الله ويأخذ من سير المتكبرين عبرة وفي قصة قارون عبرة لأولى الأبصار ( راجع الآيات في سورة القصص خصوصا
قوله تعالى : وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ).
خامسا: أن الله تعالى أنزل الأرزاق وقسمها بحكمة , قد لا تظهر لك إلا بعد مدة طويلة فتحمد الله على ذلك لأنه لو أغناك وأنت مسرف أ
و مستهتر فقد تضيع مالك ودينك , لكنه أغناك بعد ما اتبعت منهجه وتوسطت في الإنفاق بين التبذير والتقتيير , ثم إن الله تعالى من
حكمته أن خلق الأغنياء والفقراء وخلق الاختلاف في الأجواء وغيرها لنعرف نعمة الله علينا من رؤية هذا الاختلاف قال تعالى : (وَلَوْ بَ
سَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ )الشورى 27 , وخلق الله الأغنياء والفقراء
لحكمة أيضا وهي تسيير أمور الناس والفقراء يقومون بالأعمال الوضيعة ولكنها شريفة ومن يقم بهذه الأعمال لو خلق الله العباد كلهم
أغنياء ؟ وقال سبحانه: (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا) الزخرف : 32 .
6): الحرص على الكسب الحلال:
إن الإسلام لا يحترم الملك الخاص إلا إذا كان من وجه صحيح ومن طريق مباح. أما أن يكون التملك من ربا، أو من احتكار، أو من غصب،
أو من قمار، أو من احتيال، أو من أي باب من أبواب السُّحت فإن الإسلام يرفض هذا التملك رفضاً باتاً، بل يرى أن المرء إذا كسب
ثوباً من حرام فصلى فيه لم تقبل صلاته، وإذا نمى جسمه من سحت فإلى جهنم: ((لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به))رواه
أحمد وغيره .هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الأرض الزراعية بالذات يقول صلى الله عليه وسلم

(من ظلم قيد شبر من الأرض طُوِّقه من سبع أرضين))رواه البخاري ومسلم وهذا لفظه .
وقد سلك الإسلام طريقا مزدوجا لتحقيق هذه الغاية بتربية نفس الإنسان على الخضوع لأمر الله سبحانه ومراقبته في أعماله كلها ،
وأمره بتناول الطيب الحلال في مطعمه ومشربه وملبسه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات
واعملوا صالحاً )وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون )، ثم ذكر الرجل يطيل
السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب. ومطعمه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)) رواه مسلم. فكما أن الرسل
مأمورون بأكل الطيب الحلال فإن المؤمنين مأمورون بذلك كما هم مأمورون بالعمل الصالح ، وكأن العمل لا يكون صالحا مقبولا إلا
بالأكل من الطيب الحلال ، ولذلك استبعد النبي صلى الله عليه وسلم قبول الدعاء مع التغذية من الحرام ، وقد أرشدنا الله تعالى إلى
أنه إنما يتقبل من المتقين.
ولذلك اشتد خوف السلف من الحرام وحذروا منه أشد التحذير ، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا يقبل الله صلاة بغير
طهور، ولا صدقة من غلول ))رواه مسلم.
والله U يقول

وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) آل عمران 161.
و عن عدي بن عميرة t قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطًا فما فوقه كان
غلولاً يأتي به يوم القيامة" رواه مسلم. ، وعن ابن مسعود قال : (( لا يكتسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك فيه، ولا يتصدق به
فيتقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار ، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن ، إن الخبيث لا
يمحو الخبيث )) .
وكانت المرأة توصي زوجها عندما يخرج للعمل فتقول له :
إنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار، أما اليوم فإن بعض الناس يحرص على الكسب من أي طريق كان،
يستكثر من الأثاث والزينة والنار.
وفي الحديث، عن أبي أمامة الحارثي t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من اقتطع حق امرئ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له
النار وحرّم عليه الجنة، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله، قال وإن كان قضيبًا من أراك" رواه مسلم .
7): العمل وعدم سؤال الناس: دعا الإسلام أتباعه للعمل ونهاهم عن المسألة فالإسلام يطلب من أبنائه أن يكونوا أصحاب همم،
فكسب المال عندهم يخضع لتصرف الهمة الكبيرة، قد يكون المال قريباً منك، ولكن لا ينبغي أن تأخذه من أيسر سبيل وتقعد.
عندما عرض سعد بن الربيع على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن يتملك وأن يعيش على فضل أخيه، كان جواب عبد الرحمن: لا،
دلوني على السوق, وبهذا الخلق استطاع المهاجرون أن يزاحموا الاقتصاد اليهودي في المدينة المنورة، وأن يجعلوا المال إسلامياً،
وهذا شيء له خطورته في كسب النصر للدين نفسه، فإن الاقتصاد يوم تعبث به أيدي من لا ملة لهم ولا شرف فإنهم يسخرونه في
ضرب الملة السمحة. ومن هنا اعتبر أن يد المعطي هي اليد العليا، الله هو الأعلى، ويد المعطي يد عليا، والآخذ يده دنيا، ولأن تكون
أسداً تأكل الثعالب من فضلاته أشرف من أن تكون ثعلباً تأكل من فضلات الناس ,
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ)رواه البخاري .
ولذلك كان الإسلام شديد الحث على أن ينطلق المؤمنون في المشارق والمغارب يكسبون رزقهم، ويطلبون فضل الله في مناكب
المبعثرة هنا وهناك، أو المخبوءة تحت طباق الثرى، وهذا سر قوله جل شأنه: (وَلَقَدْ مَكَّنَّـٰكُمْ فِى ٱلأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـٰيِشَ)
[الأعراف:10]، وقوله جل شأنه: ( وَهُوَ ٱلَّذِى سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ
وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل:10-14. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ
فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ " رواه البخاري .
ثامنا : الالتزام بالضوابط الشرعية والمعاملات القانونية و عدم الإفراط في الثقة بين الشركاء أو ممن يستثمرون الأموال لأن النفوس
تتغير والمال فتنة , فلا من وضع الضوابط الشرعية والقانونية التي تكفل الحقوق, والإنسان يجب أن يكون دائما متأهبا للموت فلا بد
من تسجيل المعاملات والديون , وكتابة الوصية كما في الحديث المتفق على صحته : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا حَقُّ
امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ " متفق عليه.
تاسعا:الحث على الصدقة وبيان أن ثواب الصدقة لا يضيع:
: وقد حث الإسلام على البذل والإنفاق ودعا المسلمين للحرص على التطوع بأنواع أخرى من الصدقات غير المفروضة لما فيها من تكفير
للذنوب وإطفاء نار الخطيئة ,
ونشر معاني الحب والبر والتعاون والإحسان قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ) البقرة :267,
وقال تعالى

مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء
وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة : 261 والآيات في هذا المعنى كثيرة ,
وكذلك الأحاديث ومنها قَوْله صلى الله عليه وسلم: ( مَا مِنْ يَوْم يُصْبِح الْعِبَاد فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُول أَحَدهمَا : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا
خَلْفًا , وَيَقُول الْآخَر : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا )رواه مسلم, قال الإمام النووي : قَالَ الْعُلَمَاء : " هَذَا فِي الْإِنْفَاق فِي الطَّاعَات وَمَكَارِم
الْأَخْلَاق وَعَلَى الْعِيَال وَالضِّيفَان وَالصَّدَقَات وَنَحْو ذَلِكَ , بِحَيْثُ لَا يُذَمُّ وَلَا يُسَمَّى سَرَفًا , وَالْإِمْسَاك الْمَذْمُوم هُوَ الْإِمْسَاك عَنْ هَذَا " .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس , وسارع صحابته للبذل والإنفاق وتسابقوا في ذلك في مواضع عديدة , ومنهم من
تصدق بماله كله ومنهم من تصدق بنصف ماله ومنهم من جهز جيشاً كاملا ً , فعلى المسلم تعويد نفسه على هذا السلوك القويم لينال
مغفرة الله تعالى ورضوانه .
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ وَمَا
يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ [الليل:5-11].
والبقية بعد قليل .