
حين لاتكون الحيآة لهو ولهوفقط
بســم الله الرحمن الرحيم .
سبحــآان الله كيف صــآار حـآال هالإنســآان ,,هالدنيـــا غريبــة غريبـة جداا ,,
بالأمـس وكعادة يوم الجمعـة ,, أحببت قراءة إحدى الكتب، وإذا بي أبحـث في مكتبتي المتواضعـة ,,
كتـيب " أحسن الزاد لفلذات الأكباد " للكشميري، طال بقائه في مكتبتي ودائما ً ما أؤجل قراءتــه، ولكن
سرعان ما فتحتـه~~>> يــاآآآآآه كم أطلت التقليب بين صفحاته، فبالرغم من صغر حجمــه وقلة صفحاتــه
إلا أنـه غني بالقيم والقصص التي تقشعر لها الأبدان تـارة، وتسعد لها القلوب تـارة أخرى، أحببت إحدى
قصصــه بل وأعدت قراءتها عدة مرآت ~ فلقد شعــرت بها تخاطب قلبي,, وعقلي في آن واحد!!
أترككـم معها ,,
" لم أكن قد جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أول أبنائي .. مازلت أذكر تلك الليلة..
بقيت إلى آخر الليل مع الشلة في إحدى الاستراحات.. كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ ..
بل الغيبـة والتعليقات المحرمـة .. كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبـة الناس وهم يضحكون ..
أذكر ليلتها أني أضحكتهم كثيرا .. كنت أمتلك موهبـة عجيبـة في التقليد.. بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى
تصبح قريبـة من الشخـص الذي أسخر منه أجل كنت أسخر من هذا وذلك.. لم يسلم أحد مني حتى
أصحابي.. صار بعض الناس يتجنبني كي يسلم من لسـآاني..
أذكر أني تلك الليلة سخـرت من أعمـى رأيتـه بتسول في الســوق، والأدهى أني وضعت قدمي أمامـه
فتعثر وسقـط يتلفت برأسـه لا يدري ما يقول.. وانطلقت ضحكتي تدوي في الســـوق.. عدت إلى بيتي
متأخرا ً كالعادة وجدت زوجتي في انتظاري كانت في حالة يرثى لها..قالت بصوت متهدج:راشد..أين كنت؟
قلت ساخرا:في المريخ..عند أصحابي بالطبع..كان الإعياء ظاهرا عليها..قالت و العبرة تخنقها:راشد أنا تعبة
جدا..الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..سقطت دمعة صامتة على خدها..أحسست أني أهملت
زوجتي..كان المفروض أن أهتم بها وأَقلل من سهراتي..خاصة وأنها في شهرها التاسع..حملتها إلى
المستشفى بسرعة.. دخلت غرفـة الولادة.. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال.. كنت أنتظر ولادتها بفارغ
الصبر.. تعسرت ولادتها.. فأنتظرت طويلا حتى تعبت.. فذهبت إلى البيت.. وتركت رقم هاتفي عندهم
ليبشروني.. بعد ساعـة .. اتصلوا لي ليزفوا لي نبـأ قدوم سـآالم .. ذهبت إلى المستشفى فورا ً . أول ما
رأوني أسأل عن غرفتها .. طلبوا مني مراجعـة الطبيبـة.. دخلت على الطبيبـة .. كلمتني عن المصائب..
والرضى بالأقدار .. ثم قالت: ولدك بـه تشـوه شديد في عينيـه ويبـدوا أنـه ~ فـاقد للبصـــر ~ !!!!!
خفضت رأسـي.. وأنا أدافـع عبـراتي..
تذكرت ذاك المتسول الأعمى ، الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس.. سبحان الله كما تدين تدان!
بقيت واجما قليلا ً.. لا أدري ماذا أقول.. ثم تذكرت زوجتي وولدي.. شكرت الطبيبـة على لطفهـا.. ومضيت
لأرى زوجتي .. كانت مؤمنـة بقضاء الله راضيـة .. طالما نصحتني أن أكـف عن الاستهزاء بالناس.. كانت تردد
دائمـا ً.. لا تغتب النـاس ..
خرجنا من المستشفى وخرج سـالم معنا .. في الحقيقة لم أكن أهتم به كثيرا ً ،
اعتبرته غير موجود في المنزل حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها .. كانت زوجتي تهتم به كثيرا ً
وتحبـه كثيرا ً.. أما أنا فلم أكن أكره.. لكني لم أستطـع أن أحبـه! كبر سالم .. بدأ يحبـوا.. كانت حبوتـه
غريبـة .. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي.. فاكتشفنا أنـه أعرج.. أصبح ثقيلا ً على نفسي أكثر..
أنجبت زوجتي بعـده عمر وخـالد.. مرت السنـوات كبر سالم وكبر أخواه..
كنت لا أحب الجلوس في البيت.. دائمـا مع أصحابي.. في الحقيقـة كنت كاللعبـة في أيديهـم.. لم تيأس
زوجتي من إصلاحـي.. كانت تدعـوا لي دائمـا بالهدايـة.. لم تغضب من تصرفاتي الطائشـة.. لكنها تحزن
كثيرا ً إذا رأت إهمالي لسـالم واهتمامي بباقـي إخوتـه.. كبر سالم وكبر معـه همي .. لم أمـانع حين طلبت
زوجتي في إحدى المدارس الخاصة بالمعاقين .. لم أكن أحس بمرور السنوات .. أيامي سواء.. عمل ونوم وطعام وسهـر..
في يوم الجمعـة استيقظت الساعـة
الحادية عشرا ً ظهرا ًما يزال الوقت مبكرا ً بالنسبــة لي.. كنت مدعوا إلى وليمـة .. لبست وتعطرت وهممت
بالخروج .. مررت بصالة المنزل .. استوقفنـي منظـر سالم .. كان يبكي بحرقـة ! إنها المرة الأولى التي أنتبـه
فيهـا إلى سـالم يبكي منذ كان طفلا ً .. عشر سنـوات مضت.. لم التفت إليـه .. حاولت أن أتجاهله.. فلم
أحتمل.. كنت أسمـع صوتـه ينادي أمـه وأنا في الغرفـة، التفت.. ثم اقتربت منـه .. قلت: سـالم ! لماذا تبكي ؟!
حين سمـع صوتي توقف عن البكاء .. فلما شعر بقربـي.. بدأ يتحسس ما حولـه بيديـه الصغيرتيـن .. ما به يا ترى؟!
اكتشفت أنه يحـاول الابتعاد عني !! وكأنه يقول : الآن أحسست بي.. أين أنت منذ عشـر سنـوات؟! ..
تبعتـه كان قد دخل غرفتـه.. رفـض أن يخبرني في البداية سبب بكـائه .. حاولت التلطف معـه .. بدأ سالم
يبين سبب بكائـه.. وأنا أستمـع إليـه وأنتفـض.. تدري ما السبب؟؟؟؟
تـأخر عليـه أخوه عمـر .. الذي اعتـاد أن يوصله إلى المسجـد .. ولأنها صلاة الجمعـة .. خاف أن لا يجد مكانا ً في الصف الأول ..
نادى عمر.. ونادى والدتـه .. ولكن لا مجيب فبكـى .. أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيـه
المكفوفتيـن .. لم أستطع تحمل بقيـة كلامـه .. وضعت يدي على فمـه .. وقلت: لذلك بكيت يا سالم !!
قال: نعـم !! نسيت أصحابي ونسيت الوليمـة .. وقلت : لا تحزن .. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى
المسجـد ؟! قال: أكيد عمر ولكنـه يتأخر دائمـا ً .. قلت: لا، بل أنا سأذهب بك .. دهش سـالم لم يصدق ..
ظن أني أسخر منه.. استعبر ثم بكى.. مسحت دموعه بيدي.. وأمسكت يده .. أردت أن أوصله بالسيارة ..
رفض قائلا ً : المسجد قريب .. أريد أن أخطو إلى المسجد.. إي والله قال لي ذلك .. لا أذكر متى كانت آخر
مرة دخلت بها إلى المسجد .. لكنها المرة الأولى التي أشعر فيها بالخوف .. والندم على ما فرطتـه طوال
السنوات الماضيـة ، كان المسجـد مليئا ً بالمصلين .. إلا أني وجدت لسـالم مكانا ً في الصيف الأول .,,
استمعنا لخطبـة الجمعـة معا ً وصل بجانبي، بل في الحقيقـة أنا صليت بجانبـه .. بعد انتهاء الصلاة طلب
مني سـالم مصحفـا ً.. استغربت !! كيف سيقرأ وهو أعمـى؟!كدت أن أتجاهل طلبـه .. لكني جاملتـه
خوفـا ً من جرح مشـاعره .. ناولتـه المصحـف طلب مني أني أفتـح المصحف على سورة الكهـف .. أخذت
أقلب الصفحات تارة .. وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها .. أخذ مني المصحف ثم وضعـه أمامــه .. وبدا
في قراءة السورة .. وعيناه مغمضتان .. ياا الله !! إنه يحفظ سورة الكهـف كامــلة ..خجلت من نفسي ..
أمسكت مصحفـا ً .. أحسست برعشـة في أوصالي ,, قرأت وقرأت .. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني.. لم
أستطـع الاحتمال.. فبدأت أبكي كالأطفـال .. كان بعـض الناس لا يزال في المسجـد يصلي السنـة .. خجلت
منهـم فحاولت أن أكتم بكائي .. تحول البكاء إلى نشيـج وشهيق.. لم أشعر إلا بيد صغيرة تتلمس وجهي ..
ثم تمسـح عني دموعـي ..
إنـه سالم ,,,,,, ضممتـه إلى صدري .. نظرت إليـه قلت في نفسي .. لست أنت الأعمـى .. بل أنا
الأعمـى .. حين انسقـت وراء فسـاق يجرونني إلى النـار .. عدنا إلى المنزل .. كانت زوجتي قلقـة كثيرا ً
على سـالم ..
من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجـد.. هجرت رفقاء السوء .. وأصبحت لي رفقـة طيبـة
عرفتها في المسجـد.. ذقت طعم الإيمان معهم .. عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا .. لم أفوت حلقـة
ذكر .. أو صلاة الوتر .. ختمت القرآن عدة مرآت في الشهر .. رطبت لساني بالذكر لعل الله يغفر لي
غيبتي .. وسخريتي من الناس ..أحسست أني أكثر قربا ً من اسرتي .. اختفت نظرات الخوف والشفقـة
التي كانت تطل من عيون زوجتي .. الابتسامـة ما عادت تفارق وجه ابني سـالم .. من يرآه يظنـه ملك الدنيا
وما فيها .. حمدت الله كثيرا ً على النعمـة .. ذات يوم قرر أصحابي الصالحـون أن يتوجهـوا إلى إحدى
المناطق البعيدة للدعـوة .. ترددت في الذهاب .. استخرت الله .. واستشرت زوجتي .. توقعت إنها ترفض
ولكن .. حدث العكـس .. فرحت كثيرا ً !!بل شجعتني .. فلقد تراني في السابق ,, أسافر دون استشارتهاا
فسقا وفجورا .. توجهت إلى سالم .. أخبرتـه إني مسافر .. ضمني بذارعيـه الصغيرين مودعا ً .. تغيبت عن
البيت ثلاثـة أشهر ونصف .. كنت خلال تلك الفترة أتصل كلما سنحت لي الفرصـة بزوجتي وأحدث أبنائي ..
اشتقت إليهم .. كثيرا ً .. آآآه كم اشتقت إلى سالم ..
تمنيت سمـااع صوتـه .. هو الوحيد الذي لم يحدثني منذ سافرت .. إما أن يكون في المدرسـة أو في
المسجد ساعة اتصالي بهـم.. كلما حدثت زوجتي عن مدى اشتياقي إليـه.. كانت تضحك فرحـا ً وبشـــرا ً..
إلا آخر مرة هاتفتهـا فيها ،لم أسمـع ضحكتها المتوقعـة ، تغير صوتهاا ... قلت لها أبلغي سلامي لسـالم ,
فقالت : إن شاء الله ,, ثم سكتت .. أخيرا ً عدت إلى المنزل .. طرقت الباب ، تمنيت أن يفتـح لي سـالم ..
لكن فوجئت بإبني خالد الذي لم يتجاوز الرابعـة من عمـره .. حملتـه بين ذراعي وهو يصـرخ : بابا .. بااباا ,, لا
أدري لم انقبض صدري حين دخلت البيت!! استعذت بالله من الشيطان الرجيم.. أقبلت إلى زوجتـي .. كان
وجهها متغيرا ً . كأنها تتصنع الفـرح.. تأملتها جيدا ً .. ثم .. سألتها: ما بك ؟! فأجابت : لاشي .. فجـأة
تذكرت سالمـا ً ..!! فقلت أين سالم ؟ أخفضت رأسها .. لم تجب !! نزلت دمعات حارة على خديهاا ,,
صرخت بهاا .... سالم .... أين ســـالم ؟! لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلثغتـه : بابا .. ثـالم
لاح الجنـة .. عند الله .. لم تتحمل زوجتي الموقف .. أجهشت في البكاء .. كادت أن تسقط على الأرض ..
فخرجت من الغرفـة .. عرفت بعدها أن سالم أصابتـه الحمى قبل موعد مجيئي بأسبوعين .. فأخذته زوجتي
إلى المستشفى .. فاشتدت عليـه الحمى .. ولم تفارقـه حين فارقت روحـه جسده ... "
( مقتبـس من كتيب (في بطن الحوت) للداعيـة د.محمد بن عبد الرحمن العريفـي )
الحمد لله على نعمـة الإسلام والله يجعلنا من عبـاده الصالحيـن ,,
أختكــــم ..
JoooLie
المعذرة تم تعديل بسيط على العنوان
الاشــراف
__________________
-------------------------------------------------------------------------------------