ظاهرة القلق .. الأعراض والعلاج - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

مساحة مفتوحة موضوعات ونقاشات علمية، وثقافية، وفكرية، واجتماعية.

 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 13-03-2010, 01:14 PM
  #1
الرماني
عضو نشيط جدا
تاريخ التسجيل: Jun 2006
المشاركات: 419
الرماني غير متصل  
ظاهرة القلق .. الأعراض والعلاج

ظاهرة القلق .. الأعراض والعلاج

لطف الله خوجه

نسمع أن في الغرب أعداداً هائلة من المصابين بالقلق والاكتئاب يضطرون لزيارة عيادات الصحة النفسية بصفة دورية ، وليس غريباً أن يكونوا كذلك ، لكن الغريب أن نسمع عن مثل ذلك بين المسلمين ؛ فأعداد المترددين على العيادات النفسية في ازدياد ، وقد سمعنا منذ فترة أن شاباً مات منتحراً ، فَلِم يحدث مثل هذا عند المسلمين ، وهذا القرآن والنور النبوي بين أيديهم ، والعلماء الصادقون لا يبخلون عليهم بنصيحة ؟ أظن أن السبب هو الإغراق في الماديات .
فالغربيون مبدؤهم وحياتهم وأهدافهم كلها مادية ، وليس لهم عناية بالجانب الروحي ، وهذا هو السبب في شقائهم ، والمسلم الذي يبالغ في العناية بجسده مع إهمال روحه يعتريه ما يعتري الكافر من ضيق واكتئاب وحاجة ملحة إلى زيارة العيادات النفسية بصفة دائمة .
إن الإنسان مخلوق من مادة جامدة أرضية محصورة في نطاق معين ، ومادة لطيفة روحية تسيح في العالم بلا حدود ، وكل من هاتين المادتين تحتاج إلى عناية خاصة ؛ فالعناية بإحداهما دون الأخرى تنقص إنسانيته ، وذلك ينعكس سلباً على راحته .
وأكثر الناس اليوم يغلِّبون جانب المادة الجامدة ( الجسد ) فيسري هذا الجمود إلى المادة اللطيفة ( الروح ) فتصبح كذلك جامدة محصورة في حدود الجسد ، فيفقدون إنسانيتهم ويصبحون قوالب حجرية لا تقبل التمدد ؛ وترفض التوسع والانشراح .
وأساس الراحة والطمأنينة الانشراح والسعة ، وتلك القوالب الحجرية الجامدة تمنع من ذلك فيحدث الضيق والقلق والاضطراب ، فهذه نتيجة العناية بالمادة الجامدة مع إهمال المادة اللطيفة .
لكن العناية بالروح والجسد كل بقدره يفسح المجال أمام هذه المادة اللطيفة أن تعانق العالم العلوي ، وأن تسري في مجال الكون الرحب الواسع ، تنظر فيه وتتأمل حقائقه ، وترجع بالعبر المفيدة ، والفوائد العجيبة ، دون مانع أو قيد يكون من الجسد ، بل ربما سرت لطيفة الروح إلى الجسد فيزول عنه الجمود ، وذلك مما يشرح الصدر وينفس الكربات ، ويزيل عن البدن أمراضه وعلله ، وهذا حال من أعطى كل شيء حقه ، فلم يهمل حاجات الروح مقابل حاجات الجسد ، قال الله تعالى : [ فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاًّ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ]( الأنعام : 125 ) .
إن الإنسان نصفه روح ونصفه جسد ، فمن صار غايته في جسده لم يعد إنساناً ، أرأيتم في يومٍ ما نصف إنسان ، ليس له إلا عين واحدة وأذن واحدة ، وشق فم ، وشق أنف ، وشق وجه وشعر ، ويد ورجل واحدة ؟ هل رأيتم صورة بشعة كهذه ؟ فهذا مثل من جمد ولم يلطف .
من نظر إلى جسده ولم يلتفت إلى روحه هو نصف إنسان في كل شيء ، لم يعرف من إنسانيته إلا الجمود والتحجر والقسوة والغلظة ، فأنَّى لمثل هذا أن ينعم أو يطمئن ؟ إنه يخالف إنسانيته وطبيعته وخلقته التي خلقه الله عليها ، ومن رام مخالفة الإنسانية أو كسر الطبيعة أو تغيير الخلقة الربانية انكسر وتشتت وضاع ، وأحاط به القلق والاكتئاب ، فيبحث عن المخرج فلا يجده إلا في الانتحار ، بعد يأسه من عيادات الطب النفسي أن يجد فيها الطمأنينة والانشراح .
إن الله جل شأنه عندما خلقنا في هذه الدنيا لم يخلقنا هملاً ، بل خلقنا لغاية ، وهذه الغاية باختصار أن نعبد الله وأن ندعو الناس إلى عبادته ، ومن لازِم ذلك عمارة الأرض بالقدر الذي يحقق تلك الغاية ، وهذه العبادة منسجمة غاية الانسجام مع إنسانيتنا ؛ فالعبادة تلبي حاجة الروح .
قال تعالى : [ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ]( الأعلى : 14-15 ) ، والعبادة لا تحصل إلا بعمارة الأرض بالسعي في الرزق وإعداد القوة لإرهاب العدو ، وتلك تلبي حاجة الجسد .
قال تعالى : [ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ]( الملك : 15 ) ، وقال : [ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ]( الأنفال : 60 ) ، وبذلك تكون الإنسانية متكاملة متوازنة فتستقر الحياة ، وتحلو اللحظات ، ويزول عنها أسباب القلق ، فأنَّى للقلق أن يغزو الإنسان إذا صار مدركاً لأهمية التوازن في الحياة بين حاجات الروح والجسد ؟ ولا يحقق هذا التوازن إلا المؤمن ، ولذا فإنه يعيش حياة طيبة مطمئنة ، [ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ ]( الرعد : 28 ) بعكس الذي يقدم حاجات الجسد فإنه يختل ميزانه ، وتختفي حدود إنسانيته فيدركه الشقاء ، كالبقال الذي لا يملك ميزاناً يبيع به ، وصاحب الأرض الذي لا يعرف حدود أرضه ، قال تعالى : [ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ]( طه : 124 ) .
تقولون : قد عرفنا وسمعنا مراراً ما تقول ؛ فاذكر لنا المخرج من هذا المأزق الذي نقع فيه دائماً ، مع معرفتنا أهمية العناية بالروح وأنه سبب السعادة إلا أننا ننساق وراء الجسد فنشعر بخيبة الأمل والضيق يحاصرنا في كل مكان ؛ فلا نحن الذين علمنا فسعدنا ، ولا نحن الذين جهلنا فاعتذرنا بجهلنا ! فالجواب أن نقول : لا تُنال الثمرة بالأماني والأحلام ، إنما تُنال بالعمل والجد والصدق ؛ فنحن نعلم ونسمع دائماً مثل هذا الكلام ، لكن من الذي يعمل له ؟ إننا نريد أن يدخل الاطمئنان في قلوبنا والعيش الهنيء بمجرد أن نسمع ونعلم دون أن نعمل ، وهذا خطأ ، فلم يكن الإنسان ليبلغ الرزق بلا سعي ، ولم يكن له أن يرزق الولد بلا زوجة ، ولم يكن له ليُشفى من المرض بلا دواء ، وكذا لم يكن له ليطمئن وينشرح صدره بلا عمل صالح وذكر دائم ؛ فحاجات الروح كحاجات الجسد ، وهل يستغني المرء عن الطعام يوماً ؟ هل يستغني عن اللباس وقتاً ؟ هل يستغني عن المسكن لحظة ؟ كذلك لا يستغني عن الذكر والعمل الصالح ؛ فهو محتاج إليه أعظم من حاجته إلى الطعام والماء واللباس والمسكن بل والهواء ؛ فإن حاجات الجسد إذا امتنع منها فإن غاية ما في الأمر هلاك نفسه وبدنه ، لكنه إذا امتنع من حاجات روحه خسر الدنيا والآخرة ، وكان في جهنم معذباً لا يموت فيها ولا يحيا .
هذا العالم المادي بدأ يجمع ما تناثر منه في الحقبة الماضية ويعود إلى رشده بعد إلحاده ويقر بأن عبادة الله هي المنجاة من كل الأمراض الجسدية والروحية ، وعلماء العالم الماديون يعقدون كل سنة اجتماعات مكثفة لدراسة تأثيرات العبادة والذكر على البدن ، ويخرجون بتوصيات تتفق مع ما جاء به الإسلام من أهمية العناية بالعبادة وخطورة الإغراق في الماديات ؛ فهؤلاء أصحاب المادة والعلم المجرد والإلحاد يقولون هذا ، رجعوا عن إلحادهم بعد أن ذاقوا ويلات مخالفة الطبيعة الكونية ومحاولة كسر الخلقة الربانية ، وعرفوا أن الطريق الصحيح هو انسجام الجسد مع الروح لا طغيانه عليه ؛ فهل نحن بحاجة إلى اعترافاتهم ليؤمن بعضنا بما جاء عن ربنا ؟ نعم ! فإن بعض المسلمين وهذا ما يؤسف له لا يؤمن ولا يطمئن إلى الحقائق الكونية والشرعية إلا إذا جاءت عن العالم الغربي المادي ، وهذا نوع من الانهزامية والتبعية المقيتة التي تشكك في إيمان المسلم وتجعله عرضة للتقلبات ، لكن الله تعالى يقول : [ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ]( النساء : 65 ) ، فنحن نؤمن بما جاء عن الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم يأتنا دليل غيره ، فما جاءنا عن الشرع كافٍ في حملنا على الاتباع ؛ فثقتنا بربنا سبحانه وبرسول ربنا صلى الله عليه وسلم أعظم من كل شيء .
ثم إننا ننبه إلى أمر هو غاية في الأهمية ؛ فعندما نقول : إن العبادة تبعث على السعادة والطمأنينة لا نزعم أن الدنيا تصبح جنة كجنة الآخرة ، ينتفي منها كل مظاهر الألم والحزن ، لا ، بل الذي ينتفي هو دوامه ولزومه .
أما الألم فهو موجود في الدنيا ولا بد ؛ لأن الله تعالى خلق دارين : دار الدنيا وهي مزيج من الخير والشر ، ودار الآخرة وهي إما خير محض وذلك في الجنة ، وإما شر محض وذلك في النار ، فما دمنا في الدنيا فلا بد إذن من الألم .
قال تعالى : [ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ]( البقرة : 155 ) ، لكن الفرق بين المؤمن والكافر أن المؤمن موعود بالثواب على الصبر ، وعنده من العلم الإلهي ما يملأ نفسه صبراً ورضىً ؛ فما من ألم يصيبه إلا ويكون كفارة له أو رفعاً لدرجته ، ومهما صبر على المصائب فإنها تنقلب في حقه هي بذاتها نعمة لما كان محتسباً ، يقول صلى الله عليه وسلم : « ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا أذى ولا همٍّ ولا غمٍّ حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها خطاياه » [1] وقال : « إن عِظَمَ الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط ...
» [2].
أعراض القلق :
لا يسلم الإنسان من الهموم ؛ لأن الله خلقه على هذه الصفة ، قال صلى الله عليه وسلم : « أصدقها يعني الأسماء حارث وهمَّام » [3] فهذان الوصفان ينطبقان على الإنسان ، فهو حارث يسعى في رزقه ، وهو همَّام يهتم لما يريده .
والهموم على نوعين : هموم دنيوية ، وهموم أخروية ، فأشرفها الأخروية ، ولا يمكن علاجها ، وأما الدنيوية فيمكن علاجها ، وهي إما أن تتعلق بالماضي أو الحاضر أو المستقبل ، أما الهم المتعلق بالماضي فإن سببه الإخفاق في عمل ما ، أو الألم من إساءة الآخرين ، أو طلب الانتقام من المعتدين ، أو الشعور بنكران الجميل من القريبين ، وأما الهم المتعلق بالحاضر فإن سببه الشعور بالنقص في الذات ، وعدم الثقة بالنفس .. وأما الهم المتعلق بالمستقبل فإن سببه الخوف من الإخفاق في عملٍ مَّا ، والخوف على النفس من الأذى ، وعلى الرزق من الضياع .. هذه أهم أسباب القلق ، ومعرفة السبب أول العلاج .
 

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:34 AM.


images