ابكِ .. ولكن لاتحزن !!
سبحان الذي وضع الرحمة في قلوب عباده ..
بالأمس بكيت ..وكانت تجربة متجددة تختلف عن ماحدث معي في طفولتي !!
تخيل معي ..لم ابك منذ طفولتي !!
لم ابحث عن الاسباب التي حجزت هذه الدموع الدافئة كل تلك السنين عن المضي قدماً نحو طريقها ..
بل بكيت ..هكذا بكل بساطة !!
وكانت تجربة رائعة ومهيبة ..
سأخبركم كيف ومتى ولماذا بكيت ..
كان الوقت ليلاً وكنت بمفردي ..فالبكاء بالليل افضل بكثير لمن يريدون إخفاء دموعهم عن الآخرين وإظهارها لمن يستحق أن يراها فقط ! ..وهو الله عز وجل
اما لماذا ..فلن تصدق !!
اعترف باني لم ابك من الخشوع او في عبادة..رغم انها اغلى الدموع وأثمنها ..وأسأل الله ان يرزقني اياها عاجلاً وبإخلاص كبير..
الا ان رغبتي بالبكاء جاءت كخطة مسبقة وضعها عقلي بالتنسيق مع قلبي ليزيح الغبار من الأخير ويختبر تجربة لم يعهدها في صباه او مطلع شبابه ..
فبرغم من ان الحياة مليئة بالمواقف التي تهز الوجدان وبالمشاعر التي توقظ العاطفة ..الا انني لم اكن اعبر عن حزني بالبكاء لإنشغال عقلي بالحدث ..
لاادعي بأنني رجل عاقل ..
بل عقلي غلبني بالتفكير والتركيز على الامور اكثر من تعاطيها كما هي ..وعلمت فقط بالأمس انني مخطيء !!
فما اجمل ان نطلق العنان لدموعنا حتى تقول ما اعجزنا التعبير عنه ..
سبحان الله !!
كانت ولازالت (آلية البكاء) عجيبة وغريبة ..
فهي تبدأ من العقل الذي يفكر في مادة الموضوع ..ثم يحمل العقل كافة الاحداث الى القلب ..
وفي القلب ..نرى هذه المادة تتقلب فوق نيران العاطفة الهادئة كما تتقلب الدجاجة المشوية فوق النار في الفرن ..
ثم يحدث الإتصال المفاجيء بين القلب والعين ..فتنهمر هذه الأخيرة بزلال ندي وساخن !!
والعجيب ..ان العقل يسكن او (يتنح) ..ويكتب لوحة على محيطه (مغلق للصيانة) !!
ويرتاح القلب راحة عجيبة ..
وكل الجوارح تطمئن وتهفو الى هذه السكينة المهيبة !!
ويأتي الاحساس بالنعاس او لا ادري ماذا اسميه !!
فتنام او (تتنح) ..قل ماشئت !!
ياإلهي ..
كل هذا الجمال كان قابعاً بين رأسي وقلبي ولم اختبره من قبل ؟؟
الحمد لله أني بكيت ..فقد شعرت بأدميتي وبأنني جزء من منظومة إنسانية جميلة وراقية ..
كانوا يقولون لي في طفولتي (البكاء للحريم) ..فلم اعلم تحديداً بماذا كانوا ينعتوني حقاً !!
اهو الخوف من ان ابكي فأحزنهم ..ام ان ابكي فأتحول الى شخص ضعيف مثل المرأة ؟؟
فلم ابكِ لقناعتي وقتئذ بانها طريقة تعبيرية (ضعيفة) ..او لافائدة منها !!
ولكن هذا البكاء الذي اختبرته كان طريقة تعبيرية قوية جداً وفوق ماتتحمله عاطفتي بمراحل ..
وفي اليوم التالي ..
شعرت بذلك الإحساس الذي هو أشبه بحالة (الأرض الجدباء) بعد هطول الامطار عليها ..
انقشعت الغيوم فجأة ..
واصبح الجو صافياً في عقلي ..فلا يوجد خلف الغيوم الا الشمس المشرقة ..
خرجت الى البحر ..
والجو صحو ..والنسيم العليل يضرب برفق على قسمات وجهي .. وله طعم لذيذ جداً في فمي !!
فتمنيت لو انني اقضي في البحر اياماً امتزج بهوائه وأمواجه ومراكبه ..
وسألت نفسي سؤالاً محيراً ..
هل هي السعادة بعد الحزن ؟؟
هل خدرتني دموعي فانتشت جوارحي بكل هذا العبق من الصفاء ؟؟
اخشى ان يكون هذا صحيحاً فاتعاطاه بإستمرار فأصبح (مدمن دمعة) ..
ثم تسألت من جديد ..
لماذا يبكي البعض ولايجد بعد ذلك الصفاء ؟؟
هل لأن دموعهم غير مرفهة مثل دمعة أمسي القريب ..
ام ان الحزن تملكهم حتى اصبحت الدموع هي المداد الذي يكتبون به قصتهم ؟؟
أسئلة كثيرة طرحها العقل ..فهو لايعلم شيئاً عن ابجديات القلب
اما القلب ..فهو بخير طالما لا يتشعب فيه الحزن ويتوغل
وتعلمت شيئاً مختلفاً ..
بأن الدمعة ماء زلال أغسل فيها قلبي لأجلو منه الحزن !
فالحزن داء ووباء ..ومرض معدِ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { اللهم إني أعوذ بك من الهم و الحزن ، و العجز و الكسل ، و الجبن و البخل ، و ضلع الدين و غلبة الرجال }.
صحيح الألباني.