دخلت غرفتي بعد يوم طويل ومتعب ..
ثم القيت بجسدي المتهالك على السرير ..وعقدت هدنة بيني وبين كل الامور المزعجة من حولي !!
فأصرخي كما تشائين يا جمانة ..
و ارزعي الأبواب كما تشائين يا زوجتي الحبيبة
فلا والف لا ..لن احرك ساكناً..وسأنام خرير الصوت قرير العين !!

ولكن ..
سمعت بزززززززززززززززز
و ..
فجأة ظهرت لي هذه

وكانت مفاجأة رؤيتها كالقنبلة التي فجرت المكان !!!

فأنا لم أعهد في مخدعي بعوضة من قبل ..فمن اين جاءت والى اين المقصد ومن الضحية ؟؟؟
أسئلة بعثرتها بصفقة قوية بكفاي دوت في أرجاء الغرفة ..
جاءت زوجتي مسرعة وهي تقول : مابك ؟ ..ماالذي حدث ؟؟
قلت لها بنبرة يائسة : بعوضة!!! ..لم أقتلها بعد !!
فكانت الكلمة التي وصفت الحال على خير وجه ..بل هي كلمة قرأت في مستقبل اللحظات القادمة لنا في الغرفة مع هذا الكائن العجيب !!

حدث إستنفار غير مسبوق ..
أشعلنا الإضاءة ..
وفتحنا الباب ..
واغلقنا التكييف ..
و راقبنا السقف بنظراتنا وكأننا ننتظر نيزكاً سيهبط على رؤسنا !!
لم نستطع ان نرش المبيد الحشري بالغرفة لوجود الطفلة الصغيرة ..
بل اخرجناها من الغرفة سريعاً لأن لديها حساسية من لدغة البعوض !! ..وبقت والدتها معها حتى انتهي من مهمتي الصعبة وهي (أبحث عن البعوضة واقتلها) ..
وهكذا كان ..

اخذت عيناي تدوران في فلك الغرفة ..
وتذكرت بعض المعلومات الحديثة عن البعوض
فهي (إنثى) ..وبغرفة نومي ؟؟؟؟؟؟؟
وهذا يعني ان مهمتي بالتخلص منها لابد ان تنجز باسرع وقت ..
كما ان لها ‏مائة ‏عين ‏في ‏رأسها ..فهي تراقبني بشكل لايوصف !!
فإذا كانت بهذا الجرم الصغير..فلم تحتاج الى هذا العدد الوفير من الأعين ؟؟
(سبحان الله العظيم) ..قلتها في ايمان بأن لله في خلقه شئون !!!
وهي مزودة أيضاً بنظام رؤية حراري يعمل مثل نظام الأشعة الحمراء يجعلها ترانا في احلك الظلمات ..
لذا فإن مخاوفي بدأت تكبر من ان تكون الحرب بيننا سجال ..

قاطع تفكيري صوت زوجتي : هااااا ..قتلتها ؟؟؟
قلت : لسسسسسسه !!
وكاننا نلعب الغميضة

رأيت طيفها يمر سريعاً من أمامي ..فقفزت كالمجنون واشبعتها ضرباً وتصفيقاً !!
ثم نظرت اليها وهي مضرجة بالدماء على كفي ..
(سبحان الله)
هذا المخلوق الصغير لديه 48 سن في فمه ..
و ‏ثلاث ‏قلوب ‏في ‏جوفه ..
و ‏ستة ‏سكاكين ‏في ‏خرطومه ‏ولكل ‏واحدة ‏وظيفته
و ‏ثلاث ‏أجنحة ‏في ‏كل ‏طرف !!
وكل هذه المعلومات لم استطيع ان اراها في ضحيتي لضألة حجمها وتناهي صغره وتكسرها كالورقة بيدي ..
واتعجب من قرصة البعوضة اللاسعة التي تتردد بين الإحساس بها من عدمها ..
‏فخرطومها مزودة ‏بجهاز ‏تخدير ‏موضعي ‏يساعدها ‏على ‏غرز ‏إبرتها ‏دون أن نشعر بها ..
ولكن اعجب ماعلمته عن البعوضة انها ‏مزودة ‏بجهاز ‏تحليل ‏دم ‏فهي ‏لا ‏تستسيغ ‏كل ‏الدماء ..
فالحمد لله ان دمي كان من النوع الثقيل
بعوضتنا هذه كانت قبل ان تتوفى مزودة ‏بجهاز ‏للشم ‏تستطيع ‏من ‏خلاله ‏شم ‏رائحة عرق الإنسان من ‏مسافة ‏تصل الى (60) كم ..
الله يعين اللي مايتروش

تعلمنا منذ صغرنا عندما نرى البعوض ان نقتله بأيدينا بحركة لا إرادية وبدون تفكير ..
وقد أرتبط التصفيق في الهواء مع وجود البعوضة تسرح في المكان بصوتها الطنان بزززززززززز
ولكن بالرغم من سوء معاملتنا لها الا أنها تبقى الأكثر إبداعاً بين الأعداء ..
فالنحترم أعدائنا ..ولنبدأ بالبعوض

يقول المولى عز وجل

(إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ) (26) سورة البقرة

وقد أكتشف العلم الحديث أن فوق ظهر البعوضة تعيش حشرة صغيرة جداً لا تُرى الا بالعين المجهرية وهذا مصداق لقوله تعالى :
(إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا.. )

يا مَنْ يرى مدَّ البعوضِ جناحها ***** في ظلمةِ الليلِ البهيمِ الأليلِ

ويرى مَناطَ عُروقِها في نحرِها ***** والمُخَّ في تلكَ العِظامِ النُّحَّلِ

أُمنُنْ عَلَيَّ بتوبةٍ تمحو بها ***** ما كان مني في الزمانِ الأوَّلِ

ودمتم بخير حال