وجاء الصباح ومع تباشير الصباح تأتي نداءات الفلاح ..
والزوج r يعيش هذه المأساة وتثقل كاهله الهموم والغموم ولأنه بشر فيعاني من هذا الأمر شدّةً وقسوة وتزداد هذه حين ينقطع الوحي شهراً كاملاً لحكمةٍ ارادها الله فيثقل العبء على محمد صلى الله عليه وسلم فيبعث الى سنده وابن عمّه علي بن أبي طالب وحبه القريب الى قلبه اسامة بن زيد يستشيرهما بهذا الأمر أما زيد فقال له والله يارسول الله لا أعلم عنهما إلا خيرا وهي بريئة من هذه التهمة والفرية العجيبة ، فالتفت الى علي رضي الله عنه فقال له النساء غيرها كثير وسل الجارية تخبرك فقالت الجارية : لا والذي بعثك بالحق نبياً إني مارايت منها إلا خيرا عدا أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي شاة البيت فتأكله.
لكأنما كان حديث أسامة والجارية مدداً له r وقوة أن يصعِد المنبر يشكو أذى عبدالله بن أبي بن سلول ويقول من يعذرني من رجل بلغ أذاه في أهلي(لاحول ولا قوة إلا بالله) فوالله ماعلمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلاً(يقصد صفوان بن المعطل) ماعلمت عليه إلا خيرا وماكان يدخل على أهلي إلا معي عندها قام سعد بن معاذ سيد الأوس فقال يارسول الله أنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك فقام سعد بن عبادة سيد الخزرج فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك .
فقام أسيد بن الحضير ابن عم سعد بن معاذ فقال لإبن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فثار القوم حتى أوشكوا على القتال كلُ هذا ورسول الله r على المنبر فلم يزل يهدئ القوم حتى سكتوا ونزل.( هكذا يزداد الأمر سوءاً أيها الأنصار كان حبيبكم بحاجة أن تقفوا معه لا أن تتقاتلوا بين يديه صلى الله على نبيكم ورضي الله عنكم )
عائشة لم تزل على حُزنها ووالله لقد أخذت تبكي ليلتين متواصلتين ويوم .( لنستشعر هذا الأمر فتاةٌ تبكي ليلتين ويوماً متواصلين دون أن تغمض جفنها ودون أن تجد للنوم سبيلا ! وكيف لها ذلك وقد أصابها مااصابها لاحول ولاقوة إلا بالله ) هذا يحدث والأب والأم لايملكون فعل شيئ غير تهدئتها وتذكيرها بالله ومن شدة بكاء الزوجه دخلت إحدى نساء الأنصار على عائشة فشاطرتها البكاء إنه موقفٌ مؤلم مبكي! هذا والوحي قد انقطع عن السماء مدةَ شهراً كاملا سبحان الله كيف لهذا الفلم الواقعي المؤلم أن تحيكة خيوط المآسي والآلآم.
وفي ظل هذا البكاء والحزن يلف الجميع والهم قد بلغ مبلغه إذ بالزوج المهموم r يدخل البيت لكنه يجلس بعيدا عن زوجته ولم تعهد عليه مثل هذا الأمر إلا بعد هذه الحادثة وبعد أن جلس r قال اشهد أن لا إله إلا الله ثم تحدث ووجه الخطاب للزوجة الحزينة رضي الله عنها فقال : "أما بعد فإنه بلغني عنكِ كذا وكذا .فإن كنتِ بريئة فسيبرئكِ الله تعالى ، وإن كنتِ ألممت بذنب فاستغفري الله تعالى وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه " فلما انتهى رسول الله من الكلام ، توقفت عن الصياح والبكاء ومسحت دموعها(يبدو أن عائشة عليها رضوان الله فوجئت بكلام المصطفى صلى الله عليه وسلم) فقالت لأبيها أجب عنّي رسول الله r فيما قال .قال أبيها : والله ماأدري ماأقول لرسول الله r .( يالهذا الموقف العصيب) ثم التفتت عائشة الى والدتها فقالت : أجيبي عنّي رسول الله r فيما قال .قالت أمها:والله ماأدري ماأقول لرسول الله r .
حينها كَبُر الخطب قالت عائشة لوالديها وزوجها صلى الله عليه وسلم : إني والله أعلم أنكم سمعتم حديثاً تحدث الناس به واستقر في نفوسكم ، وصدقتم به ، فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقون بذلك . ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقنني . فو الله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف إذ قال : (فصبرٌ جميل والله المستعان على ماتصفون). ثم اضطجعت على فراشها وهي تعلم أنها بريئة من هذا الأمر( هوني عليكي يابنة الصديق لم يتحمل جسدها الضعيف هذه الصاعقة فألقت بنفسها علَّ فرجاً يكون قريبا) وهكذا سلمت عائشة الأمر لله وما كانت تظنّ أن ينزل بها قرآنا يتلى واستحقرت نفسها أن ينزل في شانها آيات تبرأها ، على أنها كانت تظن أن رسول الله r وترجوا ان يريه الله في المنام برائتها .
(لنتخيل الموقف الآن عائشة اضطجعت على فراشها ورسول الله r جالس وحوله أبو بكر الصديق ووالدة عائشة رضي الله عنهما ، حينها أقبلت تباشير الفرج وأذن الله سبحانه وتعالى بإزالة الكُرَبْ فانزاح الهم وزال الغمْ ).. فأين من يدعو الله أين من يرفع يدية الى مولاه ليوقن أن الفرج قريب وأن عهد الشدة يزول برفع الأيدي لعلام الغيوب فوالله ما تحرك رسول الله r من مكانة إلا ونزلت براءة الطاهرة العفيفة آياتٌ تتلى الى يوم الدين فنزل عليه الوحي وعائشة تنظر إليه وتعلم أن الوحي قد نزل لما ترى من تأثر الرسول الكريم حينها ضَحِك المصطفى صلى الله عليه وسلم فرحاً بهذه البشارة العظيمة فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لزوجته البريئة : ياعائشة احمدي الله تعالى فإنه قد برأكِ ، فضجّ البيت فَرَحاً بالخبر العظيم فقالت والدتها : قومي الى رسول الله r .قالت عائشة : والله لا أقوم إليه ولا أحمدُ إلا الله تعالى ، هو الذي أنزل براءتي .
وهكذا نزلت البراءة من فوق سبع سموات قال تعالى :
(إن الذين جاءوا بالإفك عصبةٌ منكم) ليسوا فردا ولا أفراد إنما هم عصابة متجمعه ذات هدف واحد ولم يكن اللعين عبدالله بن أبي بن سلول وحده الذي أطلق ذلك الإفك إنما هو تولى معظمه.. وكان حذراً ماكرا حيث لم يواجه بهذا الكلام إلا شلته والذي يستحيل أن يشهدوا ضده وأمكن أن يُرجِف في المدينة شهراً كاملا .
بعدها سارع المولى بتطمين المسلمين من عاقبة هذا الكيد
(لاتحسبوه شراَ لكم بل هو خير لكم) خير أن يكشف عن الكائدين للإسلام .. ويكشف عن ضرورة تحريم القذف ويبين مدى الخطر الذي يحيق بالجماعة فيما لو أطلقت فيها الألسن تقذف المحصنات الغافلات المؤمنات .
وهو خير أن يكشف الله للجماعة المسلمة عن المنهج القويم في مواجهة مثل هذا الأمر .
أما الآلآم التى عاناها رسول الله r وأهل بيته فهي ثمن التجربة وضريبة الإبتلاء !
(والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم) هو عبدالله بن أبي بن سلول راس النفاق والشقاق وحامل لواء الكيد لقد عرف كيف يختار مقتلا ، لولا أن الله كان ورائه محيط وكان لدينه حافظ ولرسوله عاصم ..كان ابن سلول مع قومه يرى الهودج الذي به أم المؤمنين عائشة حين قَدمت المدينة فقال من هذه؟ قالوا : عائشة رضي الله عنها . فقال: والله مانجت منه ولا نجا منها . وقال إمرأة نبيكم باتت مع رجل حتى اصبحت ثم جاء يقودها. وهي مقولة خبيثة أفضت الى هذه المأساة السابقة .
(لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بانفسهم خيرا ، وقالوا هذا إفك مبين) = نعم كان هذا هو الأولى أن يظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وأن يستبعدوا سقوط أنفسهم في مثل هذه الحمأة ..وامرأة نبيهم الطاهرة وأخوهم الصحابي المجاهد هما من أنفسهم . فظن الخير بهما اولى .
(إذ تلقونه بالسنتكم)=لسانٌ يتلقى عن لسان بلا تدبر ولا روية ولا فحص ولا إنعام نظر حتى لكأن القول لايمر على الآذان ولا تتملاه الرؤوس ولا تتدبره القلوب !!
(وتقولون بأفواهكم ماليس لكم به علم) = تقولون بأفواهكم دون وعي ولا عقل .
(وتحسبونه هينا) = أن تقذفوا عرض رسول الله r وأن تدعوا الألم يعصر قلبه وقلب زوجه وأهله وأن تلوثوا بيت الصديق وأن تتهموا صحابياً مجاهداً في سبيله .
(لولا إذ سمعتموه قلتم مايكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتانٌ عظيم)= في هذا ضخامة هذا الجرم العظيم وبشاعته ثم يأتي التحذير ( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين) .
هاهي صفحة من صفحات الحياة وإبتلاء إستشعرنا لوعته ومرارته مع محمد r وزوجته عائشة بنت الصديق عشناه بظروفه بما حمل من آلآم ومآسي.
(*) = من مدونتي 24 / 9 /1428ه
التعديل الأخير تم بواسطة ثنيـــــان ; 23-08-2011 الساعة 06:29 AM