أولياء الأمور .. ( أعجبني ! فهل يعجبكم ؟)
أولياء الأمور .. ( أعجبني ! فهل يعجبكم ؟)
إِلى أولياء الأمور ([1])
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد.
فإن الأولاد هم زهرة الحياة الدنيا وفي صلاحهم قرة عين للوالدين . وإن من المؤسف خلو مساجدنا من أبناء المسلمين ، فَقَلَّ أن تجد بين المصلين من هم في ريعان الشباب ! وهذا والله ينذر بشر مستطير وفساد في التربية وضعف لأمة الإسلام إذا شب هؤلاء المتخلفون عن الطوق! وإذا لم يصلوا اليوم فمتى إذاً يقيموا الصلاة مع جماعة المسلمين ؟!
ولما كان الإثم الأكبر والمسئولية العظمى على الوالدين فإني أذكر نفسي وأرباب الأسر ممن حُمِّلوا الأمانة بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم : « أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه([2]).
والله تعالى يقول في محكم التنْزيل: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[([3])، ويقول تعالى: ] وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [([4]).
وفي حديث صريح واضح من نبي هذه الأمة للآباء والأمهات : « مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ » رواه أحمد([5]).
وفي هذا التوجيه النبوي الكريم من حسن التدرج واللطف بالصغير الشيء الكثير ، فهو يُدعى إلى الصلاة وهو ابن سبع سنين ، ولا يُضربُ عليها إلا عند العاشرة من عمره ، ويكون خلال فترة الثلاث سنوات هذه قد نودي إلى الصلاة وحببت إليه أكثر من خمسة آلاف مرة! فمن واظب عليها خلال ثلاث سنوات بشكل متواصل متتالٍ هل يحتاج بعد خمسة آلاف صلاة أن يُضرب ؟! قَلَّ أن تجد من الآباء من طبق هذا الحديث واحتاج إلى الضرب بعد العاشرة . فإن مجموع الصلوات كبير واعتياد الصغير للصلاة وللمسجد جرى في دمه وأصبح جزءاً من جدوله ومن أعظم أعماله!
والكثير اليوم يضرب الابن لكن على أمور تافهة وصغيرة لا ترقى إلى درجة أهمية الصلاة! ومن تأمل في حال صلاة الفجر ومن يحضرها من الأولاد ليحزن على أمة الإسلام! وندر أن تجد في المساجد هؤلاء الفتية الذين كان لأمثالهم شأن في صدر الأمة!
فأين الآباء وأين الأمهات من إيقاظ أبنائهم وحرصهم على ذلك ؟! عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا - « قَالَ : بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ r بَعْدَمَا أَمْسَى فَقَالَ أَصَلَّى الْغُلامُ ؟ قَالُوا: نَعَمْ » رواه أبو داود([6]).
عن ابن عمر - رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا - قال : "يعلم الصبي الصلاة إذا عرف يمينه من شماله"([7]). وكان السلف الصالح يلاحظون أبناءهم في الصلاة ويسألونهم عنها .. عن مجاهد قال: "سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم - لا أعلمه إلا ممن شهد بدراً - قال لابنه: أدركت الصلاة معنا؟ قال: نعم ، قال: أدركت التكبيرة الأولى؟ قال: لا، قال: لما فاتك منها خير من مائة ناقة كلها سوداء العين".([8])
وذكر الذهبي في السير : روى يعقوب بن سفيان أن عمر بن عبد العزيز تأخر عن الصلاة مع الجماعة يوماً ، فقال صالح بن كيسان : ما شغلك ؟ فقال : كانت مرجلتي تسكن شعري ، فقال له : قدمت ذلك على الصلاة !، وكتب إلى أبيه وهو على مصر يعلمه بذلك ، فبعث أبوه رسولاً فلم يكلمه حتى حلق رأسه.([9])
ومن أعظم ما يسديه الأب الموفق لابنه اصطحابه للصلاة معه وجعله بجواره ليتعلم منه وليحافظ عليه من كثرة اللغط والعبث .
أيها الأب وأيتها الأم.. لا يخرج من تحت أيديكم غداً من لا يُصلي فتأثمان بإخراجه إلى أمة الإسلام كافراً من أبوين مسلمين وذلك بالتفريط والرحمة المنكوسة. فتخافان عليه من البرد ولا توقظانه لصلاة الفجر، وتخافان عليه من شدة الحر ولا يذهب ليصلي العصر! ]قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُون [([10]).
يقول ابن القيم رحمه الله : "فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسنُنه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً".([11])
فوائد صلاة الأبناء في المسجد
أيها الأب ويا أيتها الأم : إن في الحرص على إقامة صلاة الأبناء في المسجد فوائد عظيمة منها :
1) براءة ذممكم أمام الله تعالى والخروج من الاثم بعد تحبيبه للصلاة وأمره بها ، قال ابن تيمية رحمه الله : "ومن كان عنده صغير مملوك أو يتيم أو ولد فلم يأمره بالصلاة ، فإنه يُعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير ، ويُعَزَّر الكبير على ذلك تعزيراً بليغاً لأنه عصى الله ورسوله"([12]).
2) احتساب أجر تعويده على العبادة قال عليه الصلاة و السلام: « مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا».رواه مسلم.([13])
3) استشعار أن الابن في حفظ الله تعالى ورعايته طوال ذلك اليوم ، قال r : « مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ » رواه مسلم.([14])
4) خروج الابن إذا شب وكبر عن دائرة الكفار والمنافقين كما قال عليه الصلاة و السلام : « الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ » رواه أحمد([15])، وكما قال - عليه الصلاة والسلام - : « إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ. وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا » رواه البخاري([16]).
5) تنشئة الابن على الخير والصلاح ليكون لكما ذخراً بعد موتكما فإن النبي صلى الله عليه و سلم اشترط الصلاح في الابن كما في الحديث : « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثَةٍ : إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ » رواه مسلم([17]).