التصوير وما أدارك مالتصوير، الجميع لا يكاد يخلو من كاميرة بجواله، وخلال البضع سنوات الماضية انتشرت ظاهرة التصوير كانت بشكل أكبر من خلال الكاميرة العادية بأنواعها ثم الآن سيطرت كاميرة الجوال التي نصور من خلالها ثم نسعى إلى نشرها لنريها الآخرين إما من خلال الواتس آب أو الفيس بوك أو تويتر أو سناب شات، وهذا الآخير هو الأكثر شيوعاً هذه الأيام من خلال تصوير الفديو بالذات.
المشكلة التي تحدث هي أن فكرة التصوير تخرج من نطاقها المعروف وهو الذكرى أو التقاط الحدث لسبب معين، إلى أن أصبح الأمر مجرد سباق و محاولة نيل أكبر قدر من اعجاب الآخرين على تلك المناسبة أو اللقطة أو الحدث الذي نحن فيه وجلبناه لهم.
كنت قديماً ألاحظ إغراق الشرق آسيويين وخصوصاً اليبانيين والكوريين بالتصوير حين الرحلات، فلا تكاد ترى يابانياً أو كورياً إلا ويحمل كامرته ويصور كل شيء من مفيد وغير مفيد خصوصاً أثناء السفر.
المشكلة التي تحدث هي أننا حينما نصور مشهداً جميلاً فإننا نسعى إلى ألا يفوت ذلك الجمال تلك اللقطة التصويرية التي حين نلتقطها تكون أفكارنا متعلقة بالقدرة على أتقان تصوير المشهد، وأيضاً بالآخرين الذين سيطلعون عليها وما سيقولونه عنها، ثم ننشغل بطريقة العمل على نشرها، لننتظر في نهاية المطاف تلك الإعجابات والتعليقات من الآخرين!، هنا ننسى أنفسنا، ننسى أنه يجب أن نستمتع بذلك المشهد لانفسنا، أن نعيش هذه اللحظة الجميلة وننسى كل شيء، لكي يكون أثرها الإيجابي على انفسنا وصحتنا طويلاً.
إنه من المحزن أن يسافر كثيرون إلى أمكان بعيدة وجميلة للغاية، ويكون جُلّ تفكيرهم معلق بالتصوير ونشر الصور واعدادها وتنسيقها قبل نشرها، وينسون أنهم سافروا أصلاً للاستجمام والاستمتاع لإنفسهم أولاً وأخيراً.
كنت قبل قليل استمع إلى الراديو، وكانت المذيعة تقول أنها كانت في سويسرا تصور مشهداً جميلاً، وكانت متحمسة لترسل ماصورته إلى القروب الذي لديها في سناب شات، وما أن أرسلتها حتى رد أحدهم، وقال دعي الجوال والتصوير وعيشي اللحظة، تقول المذيعة أنه بعد أن قرأت تلك الجملة، وكأن شخصاً قد ضربني على وجهي وقال لي أصحي!! فعلاً حينها أدركت كم فوتُ تلك اللحظات والمشاهد الجميلة من أجل الآخرين.
والشيء بالشيء يذكر، حينما أكون في كوفي شوب أو أي مكان عام، أجد الكثيرون متعلقين بجوالتهم، وينسون تلك اللحظات الجميلة التي يجب أن يعيشوها من خلال تناول القهوة والاحساس بلذتها ولحظاتها والاستمتاع والتأمل والتواصل مع الذات والخارج.
تعمدت ألا أضع في جوالي خدمة الإنترنت، لأكون بعيداً وغير متعلقٍ به، أعيش حياتي ووقتي بشكل طبيعي، يومياً أمشي كيلوات عديدة، وأترك الجوال في البيت لأمشي بشكل طبيعي لكي لا تشغلني أي مقاطع محملة مسبقاً وأنسى أن أعيش جمال ولحظات المشي.
علينا أن نعيش لأنفسنا، لا للآخرين، أن نستمع ونعيش تلك الجماليات التي تصادفنا، فإن انشغالنا بالتصوير ثم بالآخرين، تجعل لحظاتنا وسفراتنا ووجباتنا لا طعم لها.