بسم الله و الصلاة و السلام على نبي الهدى ،،
سعي الأب في تزويج إبنته،،
كلنا نقرأ ، وكثير منا يحفظ قصة موسى مع ابنتي نبي الله شعيب و لكن من يستفيد من هذه القصة واقعاً عملياً فيعيد هذه السنة إلى الوجود ؟!!
و قبل أن نكمل لا بد أن نقرأ المشهد القرآني بقرائح صاحية و قلوب واعية لعلها تكون ساعة إجابة فتلقى آذانا صاغية ، قال الله تعالى :
( و لما توجه تلقآء مدين قال عسى ربي أن يهديني سوآء السبيل * و لما ورد مآء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون و وجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما ؟
قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعآء و أبونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير *
فجآءته إحدهما تمشي على استحيآء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جآءه و قصَّ عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين *
قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين *
قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك و ما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين * قال ذلك بيني و بينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي و الله على ما نقول وكيل * ) القصص (22 ــ 28)
موسى غريب طريد خائف وحيد يأتي إلى صالح مدين ، لا مال معه و لا متاع ، و مع هذا فقد أنكحه من ابنته لما تحقق من أمانته و دينه و خلقه ، و أعرض عما سوى ذلك يقينا منه أن الرجل الصالح جوهرة نيرة لا يفرط فيها ، فالسعادة الزوجية في بيوت نشأت تحت رعاية الله و طاعته , و أي عمل أرجى عند الله من تأسيس بيوت سعيدة تعبد خالقها و توحده .
لذا كان الإسلام مقراً هذا العمل الطيب و هذه المبادرة الكريمة و كان سلفنا الصالح أحرص الناس على تزويج بناتهم و أخواتهم و من تحت و صايتهم لمن يتوسمون فيه الديانة و الصلاح ، بل كان الرجل فيهم إذا رأى من أخيه صلاحاً و ديناً خطب ابنته إليه ، بل لربما كانت المرأة أحرص على ذلك من وليها .
و ليس أدل على ذلك من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -

أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي – و كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتوفي بالمدينة - فقال عمر بن الخطاب أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري , فلبثت ليالي , ثم لقيني , فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا , قال عمر : فلقيت أبا بكر الصديق ، فقلت : إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر ، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا ، و كنت أوجد عليه من على عثمان ، فلبثت ليالي ، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه ، ثم لقيني أبو بكر الصديق بعد ذلك و قال لي إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أنني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ذكرها ، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و لو تركها رسول الله صلى الله عليه و سلم لقبلتها ) البخاري (5122)
وقد بوب له البخاري : ( باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير )
قال الخطيب الشربيني : ( يسن للولي عرض موليته - ابنته - على ذوي الصلاح كما فعل شعيب بموسى عليهما السلام ) مغني المحتاج (جـ3 ص138)
و ليس من قلة الحياء أن تعرض المرأة نفسها , و لقد ظنت بنت أنس بن ماك رضي الله عنه أن المرأة التي عرضت نفسها هي امرأة قليلة الحياء , و لكن الصحابي الجليل أنس بن مالك خطأها و وضح لها أن التي عرضت نفسها خيراً من التي اعترضت عليها .
عن ثابت البناني قال: ( كنت عند أنس و عنده ابنة له , قال أنس : جاءت امراة إلى رسول الله تعرض عليه نفسها قالت : يا رسول الله ألك بي حاجة ؟ فقالت بنت أنس : ما أقل حياءها , وا سوأتاه . قال : هي خير منك , رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها ) البخاري (5120)
و قد بوب له البخاري : (باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح )
و التاريخ الإسلامي يسجل لنا انصع صفحة في تاريخ سلفنا الصالح , قصة التابعي الجليل – الذي تمنى الصحابة أن لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لفرح به - هذا التابعي العظيم هو سعيد بن المسيب , رجل لم تبهره الدنيا , و لم تفتنه بزينتها , يخطب إليه عبد الملك بن مروان بنته لتكون زوجة لابنه الوليد وتحظى بقصر الخلافة , و تساق إليها الدنيا بزينتها , إلا أنه يرفض تزويجها منه , و يعرضها على تلميذه عبد الله بن أبي وداعة , ذاك الشاب الصالح المتفقه في أمور دينه .
و إن التاريخ ليفخر بأمة فيها هذا الرجل العظيم يقدم الدين على الدنيا , و يقدم العقل على الهوى , و إليكم قصته هذه الغريبة العجيبة:
عن عبد الله بن أبي وداعة قال: ( كنت أجالس سعيد بن المسيب , فتفقدني أياما فلما أتيته قال: أين كنت؟ قلت : توفيت أهلي فاشتغلت بها , فقال هلا أخبرتنا فشهدناها , قال : ثم أردت أن أقوم فقال: هل استحدثت امرأة ؟ فقلت : يرحمك الله و من يزوجني و ما أملك إلا درهمين أو ثلاثة ؟!
فقال : أنا , فقلت : و تفعل ! قال: نعم , فحمد الله تعالى و صلى على النبي صلى الله عليه و سلم و زوجني على درهمين , أو قال ثلاثة , فقمت و ما أدري ما أصنع من الفرح , فصرت إلى منزلي و جعلت أفكر ممن آخذ و ممن أستدين , فصليت المغرب و انصرفت إلى منزلي فأسرجت و كنت صائما , فقدمت عشائي لأفطر - وكان خبزا وزيتا- و إذا بابي يقرع , فقلت من هذا؟ قال: سعيد , ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب , و ذلك أنه لم ير أربعين سنة إلا بين داره و المسجد , قال : فخرجت إليه فإذا به سعيد بن المسيب , فظننت أنه قد بدا له – أي غيّر رأيه - فقلت له : يا أبا محمد لو أرسلت إلي لأتيتك , فقال :لا أنت أحق أن تؤتى , قلت : فما تأمر ؟ قال : إنك كنت رجلا عزبا فزوجت , فكرهت أن تبيت الليلة و حدك , و هذه امرأتك , فإذا هي قائمة خلفه في طوله , ثم أخذها فدفعها في الباب و رده , فسقطت المرأة من الحياء , فاستوثقت من الباب ثم تقدمت إلى القصعة التي فيها الخبز و الزيت فوضعتها في ظل السراج لكيلا تراه , ثم صعدت السطح فرميت الجيران فجاءوني و قالوا : ما شانك؟ قلت: ويحكم زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم , و قد جاء بها الليلة على غفلة , فقالوا : أوا سعيد زوجك؟! قلت :نعم , قالوا : و هي في الدار؟! قلت: نعم , فنزلوا إليها , و بلغ ذلك أمي فجاءت و قالت : و جهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام , فأقامت ثلاثا ثم دخلت بها , فإذا هي من أجمل الناس , و أحفظ الناس لكتاب الله تعالى , و أعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أعرفهم بحق الزوج , قال : فمكثت شهرا لا يأتيني سعيد و لا آتيه فلما كان بعد الشهر أتيته و هو في حلقته فسلمت عليه فرد علي السلام و لم يكلمني , حتى تفرق الناس من المجلس , فقال ما حال ذلك الإنسان فقلت بخير يا أبا محمد على ما يحب الصديق و يكره العدو , فانصرفت إلى منزلي فوجه إلي بعشرين ألف درهم , و كانت بنت سعيد بن المسيب هذه قد خطبها منه عبد الملك بن مروان لابنه الوليد حين ولاه العهد فأبى سعيد أن يزوجه ) إحياء علوم الدين(جـــــ3 ص89)
مال . جمال.دين.وعلم. وخلق. سعادة ما بعدها سعادة تنتقل من سعيد إلى بيت سعيد, وا فرحتاه !!!
و قصة ثانية لا تقل روعة عن سابقتها وهي قصة ملك العلماء علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني مصنف كتاب ( بدائع الصنائع ) مهر زوجته فاطمة , فما قصة زواجه ؟ و ما قصة كتابه ؟ نقرأها :
تتلمذ الإمام علاء الدين أبو بكر الكاساني على محمد بن أحمد السمرقندي و قرأ عليه معظم تصانيفه , و سبب تزويجه بابنته أنها كانت حفظة كتاب ( التحفة ) الذي صنفه والدها , و طلبها جماعة من ملوك بلاد الروم فامتنع والدها – وكانت من حسان النساء - فجاء الكاساني و لزم والدها و اشتغل عليه و برع في علمي الأصول و الفروع , و صنف كتاب ( البدائع ) شرحا على (التحفة) و عرضه على شيخه فازداد فرحا به , و زوجه ابنته و جعل مهرها منه ذلك الكتاب فقال الفقهاء في عصره : شرح تحفته , و زوجه ابنته .
و كان شديد الحب لها , فتوفيت قبله فكان لا يقطع زيارة قبرها في كل ليلة جمعة , إلى أن مات فدفن عندها , و يعرف قبرها بحلب بقبر المرأة و زوجها .الجواهر المضية (جــ4 ص25) بتصرف
أي سعادة وحب وعلم و ثقافة ناله الكاساني, وا فرحتاه ؟!!!
أليست تقاليدنا إلا طقوس لعرقلة الزواج , فمتى نصحو ؟!!!
و كم أعجبتني قصة يذكرها أهل الميدان بدمشق أن إماما لمسجد في أحد أحيائها القديمة خطب يوما يحض الشباب على الزواج و يحض الآباء على تيسير المهر و كان مما قاله :
إن عندي عدة بنات , فمن يرغب في الزواج , فإني على استعداد لأعطيه و ليس لي من شرط إلا شرط الدين و الأخلاق , و لم يمض أكثر من شهر حتى تزوجت بناته كلهن , وا فرحتاه!!!
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نقول:
من يحيي سنة نبينا و نبي الله شعيب عليهم الصلاة والسلام ؟!!!
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتبه : براء زهير العبيدي بإشراف أ.جاسم المطوع
نقلته لكم مع التحية عن موقع عربي،،
أخوكم / ChainDozer