بسم الله الرحمن الرحيم
أضحى الكثير من الناس لا يرى سوى النصف الفارغ من الكأس, وهذه النوعية من الناس تسيطر عليها النظرة التشاؤمية للحياة, وفي المقابل هناك شريحة من البشر تنظر للكأس من النصف المملوء, وهذه النوعية تغلب عليها السمة التفاؤلية فمنذ ولادة الإنسان تبدأ تنشئته من قبل أربعة مكونات ويطلق عليها إصطلاحاً عناصر التنشئة الاجتماعية (الأسرة - المسجد – المدرسة – جماعة الرفاق) وهذه المؤسسات كفيلة بصقل المهارات والقدرات العقلية وتنمية المواهب وزيادة التحصيل الفكري, وفي حال فشل هذه المؤسسات في توجيه السلوك وتنمية القدرات فإن هذا الفرد يصبح في عداد الضحايا ويخضع للنظريات السيكولوجية ومنها نظرية الإنسان المقهور وقد كتبت عنها في أحدى مقالاتي المنشورة وربطت بينها وبين تنامي ظاهرة الإرهاب وتزايد أعداد منهم في سن الزهور وهل هذا ناتج عن التهميش والقهر وهل يصح أن يطلق عليه إصطلاحاً (الشخصية السيكوباتية) أم أنه نتيجة لمسبب وندعم القول بأن تخلف البشر ناجم عن إستجابة الفرد للفعل الاجتماعي ويتضح هذا التخلف من خلال السلوك المشين والذي يتشكل ويتكون من خلال تلاقح أفكار الفرد بمجتمعه وبهذا تصبح نظرية العالم تالكوت بارسونز هي الموجهة للذات ومن المَسلم به لدى نخبة المفكرين أن الإنسان مدني بطبعه وهو نتاج سلوك المجتمع بل أنه صنيعة محيطه وخصوصاً من يقرأ لكتابات أبن خلدون وفلسفته ومايؤمن به هذا العالم من ضرورة العيش داخل المجتمع وصعوبة العيش خارجه أي (يعيش الفرد وحده) وبالمقابل يطالعنا العجوز جاك روسو بنظرية السلب للذات من خلال نظرية العقد الاجتماعي فهو من أشد المنظرين لها ويتجلى ذلك من خلال خطبته وكلمته الشهيرة وأتمنى أن لا أخطى بها كونها من المخزون الثقافي القديم ويقول فيها (ولد الإنسان حرا وفجأة وجد نفسه مكبلاً بالأغلال والحديد) وكان يشير إلى حياة البشر القائمة على الفوضى والقوة, أي قبل قيام الدولة ويقول إن الفرد تعاقد مع الدولة بعقد غير مكتوب , بأن يقبل أن تحكمه هذه الدولة وتحد من حريته ويرضخ لقوانينها مقابل أن تحميه وتقدم له وسائل الراحة والعيش الكريم وكأن هذا العالم يختزل ثقافة الفرد في الحرية .
وقد تحدث المفكر قاردنز عن مسألة القدرات العقلية وأبعادها, فقد طرح في كتابه (أطر العقل) نظرية الذكاء المتعدد, وقد أوضح في مؤلفه هذا أن الإنسان لديه ملكة العقل وأنه مخلوق متعدد الذكاء, وأن هناك تسعة أنواع من الذكاء, وأن كل إنسان سوي يملك ثلاثة من هذه الأنواع على أقل تقدير فقد يصبح الإنسان متميزاً في مواهب معينة وذكياً فيها كالموسيقى وسرعة البديهة ولعبة القدم (الألعاب الحركية) وقد يخفق في جوانب أخرى كالجانب الاجتماعي وعلاقته بمشاكل الناس وحلولها ... الخ
لذا لايلزم المرء أن يستسلم لأي إخفاق في أي جانب معين بل ينظر بتفاؤل ويرى الكأس على أنه مملوء ويرى الماء الذي به , وأن الإنسان يجب أن يشعر بالثقة وأن يشعر بسمو ذاته وأن يتفاخر بنفسه, والحقيقة أنني أطلعت على مؤلف الشيخ الجليل عائض القرني (لا تحزن) والذي حقق رواجاً ومبيعات فاقت المليون وكان يذكر في مقتطفات منه أن محمد له شخصية وذات وكيان يميزه عن خالد وما أجمل إبتسامة محمد وهذه الإبتسامة تميزه عن خالد فلا يصح أن يقلد خالد وينصهر داخل خالد فقد لا يجد من يرغب فيه ... أنتهى كلامه
فعليه الثقة بأن الآخرين قبلوه كما هو ولو حاول التغيير سيفقد الآخرين كونهم أحبوه كما هو, وهذا الكلام من وجهة نظري الخاصة ولم يذكره الشيخ ولنا في إثبات نظرية قاردنز صاحب نظرية التعدد في الذكاء مثال حي وهو العالم خوسيه لويس والبالغ من العمر ثمانين عاما فقد حصل على عدة شهادات ومنها على سبيل المثال شهادة الطب والأدب والفن والقانون واللغات وكان يحتفل بكل شهادة ينالها ولا ينبغي علينا أن ننفي عدم الإستفادة من الآخرين وتقبل نقدهم مع الإحتفاظ بالشخصية المستقلة والحكم على الأمور بموجب عقلية الفرد وليس بموجب عقلية الآخرين .
لي عودة بحول الله وقوته لشرح بعض المفاهيم بطريقة أفضل في حال سنحت لي الفرصة
• مثال حي للتقليد والذوبان والانصهار بعيداً عن الذات (دولة) حاولت التخلي عن كونها إسلامية وانصهرت بالقيم العلمانية وللأسف لم تصبح علمانية ولم تستطع العودة لذاتها الحقيقية, بدليل أن الراعي الأساسي للعلمانية, أي ذاك الإتحاد رفض قبولها, لكون قيمها لا تناسبه, وكذلك الأب الروحي لها في السابق لا يريد تقبلها بحلتها الجديدة وكأن لسان حالها يقول :
• كنت كالغراب (طائر أسود اللون) كوني تخليت عن قيمي وذاتي السابقة فنظرت لطائر اللقلق (طائر أبيض اللون) وأعجبني شكله فحاولت اللحاق به, ولم أستطيع, فلا أنا أصبحت لقلقاً ولا عدت غراباً

* النظريات الواردة أعلاه من الذاكرة القديمة وكتبت بطريقتي الخاصة في الفهم

معلش هو القسم نايم شوية , أنا لما قرأت ردك دخلت القسم و لاحظت إن مش موضوعك بس اللي خالي من التفاعل , العديد من المواضيع على نفس الحال بسبب قلة الدخول للقسم

اضطريت أقرا الموضوع مرتين عشان أفهمه , لأني فعليا عايزة أفهمه لأنه حيفيدني في دراستي حبيبتي ( علوم انسانية )

-----

ردا على موضوعك

شخصية الإنسان نتاج عوامل كثيرة وراثية و اجتماعية و ثقافية , فلا يوجد انسان ولد شريرا أو انسان ولد طيبا و لكن كل لحظة تمر في حياة الإنسان تساهم في بناء شخصيته
و الشر و الخير , التشاؤم و التفاؤل , الموت و الحياة ( وجهان لعملة واحدة )
في انسان يستيقظ في الصباح يقرر أن لا يذهب للعمل لأن الحياة ظالمة و الجميع يستلمون الراتب سواء عملوا أو لا
هذا تفكير تشاؤمي أو كما هو متعارف عليه عند علماء النفس أن هذا الشخص قرر اتخاذ طريق الموت

بالنسبة لأنواع الذكاء فأنا لا أعلم عددها و لكن قمت ذات مرة بإختبار و قد كانت النتيجة فعلا أنني أبرع في ثلاثة , اقواها القدرة السمعية و على اساسه قررت أن أتخصص في العلوم الإنسانية لأني أجيد فن الإستماع و أحبه

و رغم إني لم أتفوق القسم العلمي في الثانوية بعد تفوق دام طوال سنين دراستي فأنا فرحة بأني توصلت على الأقل الآن لما أبرع و أريد , و لم أستسلم بفشلي بل جعلته دافعا حتى أعرف ما الذي أبرع فيه حقا
فشهادتي العلمية التي طالبني الكثير أن لا أضيعها في العلوم الإنسانية أعتبرها جسر اختبرته و تعلمت منه

لا تعليق عندي لما كتبته بعد الجملة الحمراء ^_^ ربما لم أفهمه و لكن سأنتظر شرحه إن شاء الله

و شكرا يا دكتور على الموضوع القيم فعلا و اللي يدل على عقلية نيرة ما شاء الله
جزاك الله خيرا على الطرح و فتح باب النقاش

إقتباس
د. سطام
• مثال حي للتقليد والذوبان والانصهار بعيداً عن الذات (دولة) حاولت التخلي عن كونها إسلامية وانصهرت بالقيم العلمانية وللأسف لم تصبح علمانية ولم تستطع العودة لذاتها الحقيقية, بدليل أن الراعي الأساسي للعلمانية, أي ذاك الإتحاد رفض قبولها, لكون قيمها لا تناسبه, وكذلك الأب الروحي لها في السابق لا يريد تقبلها بحلتها الجديدة وكأن لسان حالها يقول :
• كنت كالغراب (طائر أسود اللون) كوني تخليت عن قيمي وذاتي السابقة فنظرت لطائر اللقلق (طائر أبيض اللون) وأعجبني شكله فحاولت اللحاق به, ولم أستطيع, فلا أنا أصبحت لقلقاً ولا عدت غراباً

* النظريات الواردة أعلاه من الذاكرة القديمة وكتبت بطريقتي الخاصة في الفهم .

.................................................. .............................................

الأخت الكريمة نوران

أشكرك جزيل الشكر كما أهنئك على تلك البصيرة التي تتمتعين بها كما وأبارك لكِ إختيارك الموفق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية فهي من الكليات التي تساعد على تنشيط الذاكرة فكل قسم منها جميل (اجتماع - نفس - لغات - قانون - صحافة - سياسة .. الخ) ولكن الأقسام السيسولوجية والسيكولوجية تعتبر عمود الثقافة الإنسانية وركيزتها وكما قال أحد العلماء وأعتقد أنه توني ديجنز أن جميع أقسام كلية الآداب تعتبر فروع لقسم علم الإجتماع ويجب دمجها مع بعض معللاً ذلك بأن كل هذه الأقسام تخدم المجتمع ووضعت لخدمته .

بالنسبة لما فوق الخط الأحمر فإن أنظمة وقوانين المنتدى تمنع ذكر أسم الدول والشعوب وتقيداً بتلك الأنظمة ونزولاً عند رغبة المشرفين لم اشاء أن أكتب أسم الدولة, ومن خلال قراءتي لردكِ وماتمتلكين من حصيلة ثقافية فأعتقد أنكِ قادرة على الأستنتاج , وهذه الدولة كانت تشكل قوة للإسلام تحت حكم السلاطين العثمانين وقوي الإسلام منها وربما سيعود قوياً منها كونها تشهد حالياً حالة إحتقان وصعود لتيارات كانت مهمشة في السابق من قبل الجيش ويرأس رئيس وزرائها وحقيبة خارجيتها رجلين مسلمين من حزب كان السابق يقبع تحت وطأة الجيش, وللأسف فإن الوضع الحالي لتلك الدولة يرثى ويؤسف له .

وبالنسبة لسبب كتابة الموضوع والفائدة المرجوة منه فإنها تتمثل في (تعزيز الثقة بالذات وبأن الإنسان السوي متفوق ربما في أكثر من ثلاثة أشياء ولكنه لايراها ولايحس بها, وأن التقليد ومحاكاة الآخرين يذوب ويصهر ذات الإنسان ويهمش شخصيته مع الوقت) .

وسبب إختيار تلك الدولة كونها تصلح أن تكون نموذجاً ومثالاً حياً للذوبان والإنصهار وفقدان الهوية والذات .

بارك الله فيكِ وعلى طريق الخير سدد خطاكِ

فهمت قصدك دكتور , و ما شاء الله عليك فعلا كتابتك رائعة و سأتابع مواضيعك بإذن الله , أنا قررت أدرس علم نفس و لما أخلص أكمل دراسات عليا في اضطرابات الشخصية و في علم الفراسة بإذن الله
و فعلا أثناء عملي لبحث لبداية دراستي للشخصيات ( اجتهاد شخصي ) , بقيت أبحث ضمن رفوف كتب علم الإجتماع و الثقافة السياسية و الإجتماعية فكلها علوم مختلطة تصب في فائدة واحدة
و فهمت ما تقصد من ذكر مثال الدولة ^_^
جزاك الله خيرا

الأخت الكريمة يوجد موقع أكاديمي بحت يوجد به دراسات إجتماعية ونفسية ورسائل أكاديمية لمختلف المراحل ويشرف عليه نخبة من الأساتذة ومنهم من يحمل درجة بروفسور ولكن لا أعلم هل أنظمة المنتدى تسمح لي بإرشادك وتوجيهك له وبإمكانكِ سؤال المشرفة غالية, عبر وضع رسالة خاصة لها في عالم الرسائل ولن أتردد في إعطائك أسم الموقع فقد يفيدك بدرجة لن تتوقعيها أبداً

بارك الله فيك ونفع بك

يوجد كتاب للمفكر الدكتور عبدالحليم بركات من أروع ما أطلعت عليه في حياتي رغم كثر عدد صفحاته, حيث يتجاوز تسعمائة صفحة وبرغم ذلك تتم قراءته وكأن عدد صفحاته لم تربو عن المئة صفحة

أسم الكتاب المجتمع العربي

شاكراً لكِ كريم مداخلتك

السلام عليكم الاخ الكريم د. سطام

في الحقيقة قرأت الموضوع بشغف واهتمام فهو من المواضيع التي تأسرني .

فالغوص في أعماق النفس البشرية من أروع مايمكن . وكلما تعمقنا في ذلك .

كلما ازددنا ايماناً وعبودية للخالق المبدع جل وعلى

لدي استفسار لو سمحت لي اخي الكريم . فقد بحثت في الموضوع عن مفهوم

جلد الذات ولم أجد ضالتي . فهلا وضحت لي فيما ذكرت لاستيعاب ذلك المفهوم

سعدت بالاطلاع . لكن اعذرني فلست على مستوى أن أضيف

مع احترامي وشكري

الأخت الكريمة كلمة عتاب

بالنسبة لمفهوم جلد الذات والمقصود به في هذا السياق هو (الصبر ومسايرة الحياة بظروفها والقبول بالمتاح وبالإمكانايات المتاحة وعدم التطلع للآخرين وتقليدهم) والجلد مقصود به الخضوع للواقع والرضا

هذا ماكنت أقصده بجلد الذات

فعندما يضرب الإنسان نفسه على إرتكابها الخطأ فإنه يقصد ترويض ذاته وتطويعها

شاكراً لكِ كريم مداخلتك والتي أثلجت صدري, وبارك الله فيك ونور بصيرتكِ

الموضوع قيم أشكرك أخي كثيرا أحب هذه المواضيع التي تتعلق بالنفس الإنسانية وتشدني كثيرا .... مثالك الأخير الذي طرحته جاء في الصميم حقيقة ودوما الذي يفقد هويته يتشتت لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء .....

شكرا دكتور وبورك فيك

__________________
اللهم إن أبي نزل بك وأنت خير منزول اللهم أكرم نزله ووسع مدخله وارفع درجته وجازه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا .. آمين